الالتهاب الصباغي الوراثي الذي يعرف أيضًا بـ«اعتلال الشبكية الصباغي Retinitis Pigmentosa» عبارة عن مجموعة من الاضطرابات التي تؤدي إلى فقدان الرؤية تدريجيًا. يُعرف أيضًا باسم ضمور الشبكية الوراثي. وأول أعراضه فقدان الرؤية الليلية أو في الظلام، وضيق تدريجي في مجال الرؤية حتى تصل لما يسمى بالرؤية النفقية، وفقدان القدرة على تمييز الألوان، الانزعاج من وهج الضوء، بطء التأقلم في الرؤية عند اختلاف الإضاءة في البيئة المحيطة من ظلام إلى نور والعكس، عدم وضوح الرؤية وصعوبة تمييز الوجوه، التعب والإرهاق، وأخيرًا فقدان حدة البصر والرؤية كليًا. وغالبية الأشخاص الذين تظهر عليهم الأعراض في الفئة العمرية من 25 إلى 40 سنة وقليل جدًا في الفئة العمرية من 7 إلى 10 سنوات. وحسب ما نشره المركز الوطني لمعلومات التكنولوجيا الحيوية، المكتبة الوطنية الأمريكية للطب «National Center for Biotechnology Information, U.S. National Library of Medicine» على موقعه الإلكتروني في (2021/08/11م) بأن التهاب الشبكية الصباغي من أكثر أمراض شبكية العين الوراثية شيوعًا. وقد تم وصفه إكلينيكيا في 1853م، وفي العام 1857م تم ربط الاسم بالمرض. وهو يصيب 1 من كل 4000 شخص في الولايات المتحدة، وحوالي 1 من كل 5000 شخص في جميع أنحاء العالم. وبعض الحالات تحتفظ بنسبة ضئيلة من الإبصار حتى في آخر مراحل المرض. وتعد أخطر المراحل المتطورة هي إصابة بعض الحالات بالهلوسة البصرية نتيجة ومضات الضوء المتصورة. وإن انطوى المرض على فقدان البصر جزئيًا أو كليًا فقط يعتبر هذا الالتهاب الصبغي «غير المتلازمي». وهو يمثل ما نسبته 70 إلى 80 %، في فئة غير المتلازمات، وعندما يحدث الالتهاب الصباغي «RP» بالتزامن مع مرض جهازي يطلق عليه «متلازمة RP». وأكثرها شيوعًا متلازمة أوشر «Usher»، التي تتضمن ضعف السمع العصبي الحسي المرتبط بفقدان البصر. وبالفعل خلال مسيرة عملي في جمعية إبصار للتأهيل وخدمات الإعاقة البصرية كأمين عام لها لنحو 13 عامًا، صادفت حالات تعاني من التهاب صبغي بضعف سمع شديد، والتهاب صبغي مع فرط حركة وعيوب نطق، والتهاب صبغي بإعاقات ذهنية. ولكنها كانت حالات قليلة مقارنة بالالتهاب الصباغي الذي يؤثر على حاسة البصر فقط. وللأسف لا توجد إحصائيات ودراسات متاحة تبين عدد المصابين بهذا المرض في عالمنا العربي وفئاتهم. ولعل ذلك من أهم الأسباب المؤدية لنقص الخدمات التي أهمها مراكز العناية بضعف البصر وإعادة التأهيل حتى يمارس المريض حياته بصورة طبيعية دون أي انعكاسات سلبية عليه وعلى المحيطين به. وعلى أي حال قياسًا على تقديرات الهيئة العامة للإحصاء السعودية بأن عدد السكان السعوديين والمقيمين بلغ بمنتصف عام 2021م (34,110,821) نسمة، والتقديرات العالمية لمرضى التهاب الشبكية الصباغي بأن 1 من كل 5000 شخص يصابون به فيتوقع أن يكون عدد المصابين في المملكة بهذا المرض نحو «7000» شخص وأن بينهم 20% الى 30% يعانون من «متلازمة RP». وفي معظم الأحيان تؤدي الإصابة بالمرض إلى آثار نفسية سلبية، كالشعور بالحزن والاكتئاب والقلق والخوف من فقدان البصر نتيجة للصعوبات التي يواجها في حياته اليومية مثل عدم القدرة على «قيادة السيارة، تمييز الوجوه، قراءة الصحف والمطبوعات الصغيرة، تمييز الأوراق النقدية، مشاهدة التلفاز من مسافة طبيعية، التنقل في المنزل أو الأماكن الأخرى، الرؤية في الإضاءات الخافتة، المشي الخارجي نهارًا أو ليلًا، تحديد المسافات لرؤية السيارات، الحواجز، وغيرها»، وحتمًا سيؤثر ذلك على تحصيله التعليمي والوظيفي والاجتماعي، ويصبح المريض غير متكيف مع حالته ويبدأ بالانسحاب تدريجياً من المجتمع ويترسخ لديه الشعور بالعجز وبالتالي يترتب على ذلك اضطراب في الثقة بالنفس وضعف ثقة المحيطين به فيه، ولتفادي ذلك لابد من الإلمام بأساسيات التعامل الأمثل مع الحالة بدء بالتهيئة النفسية من عيادة العيون، وفحوصات ضعف البصر، وبرنامج إعادة التأهيل للاستفادة من الحواس التعويضية والتقنيات والأجهزة المساندة المتوفرة، بالتوازي مع الدعم والتحفيز الأسري، ليكون عضو فاعل في المجتمع وممارساً لحياته اليومية بصورة طبيعية. فعلى طبيب العيون الذي يشخص المريض أن يصارحه بحالته ويقدم له ولأسرته النصح والإرشادات العملية التي تساعده على قبول واقعه والتهيؤ للمرحلة الجديدة، وتحويله لمراجعة عيادة ضعف بصر أينما كانت حتى لو لم تكن متوفرة في مدينته، ونصحه بمراجعة العيادة بصفة دورية لمتابعة التطور المرضي للحالة، ومن المفيد جدًا أن يتثقف المريض وأسرته وزملاء العمل والمدرسة عن حالته وأهم أمراض العيون الأخرى المسببة لضعف البصر واعراضها لاكتساب مهارة التواصل والتعامل الأمثل مع الحالة، مع ضرورة اطلاع المريض واسرته على تجارب ناجحة ملهمة. وتوجيه وتحفيز المريض على التحلي بالصبر وقوة الإرادة لتجاوز الحالة والتكيف معها في حياته اليومية بطريقة منهجية تبدأ بمراجعة عيادة ضعف بصر، التدرب على التوجه والتنقل الآمن بالاعتماد الذاتي والمهارات المنزلية واستخدام الأدوات والمستلزمات الشخصية، وفي حالة كان المريض موظف أو طالب عليه الانخراط في برنامج للعلاج الوظيفي باستخدام المعينات البصرية المناسبة والأجهزة التعويضية لتأدية المهام المطلوبة. وعلى الأسرة أن تقدم الدعم والمساندة له وتحفيزه على التطور في التكيف مع حالته يوماً بيوم بدء بمرافقته لعيادة ضعف البصر، وأخذ الإرشادات اللازمة لدعمه ومساندته بطريقة فعاله، مع اتخاذ بعض الإجراءات المنزلية الوقائية للتقليص من الحوادث التي قد يتعرض لها المصاب في حياته اليومية مثل الاصطدام بقطع الأثاث المنزلي وكسر الأواني وفقدان الأشياء الشخصية، فهذه الحوادث من أكثر مسببات الآلام النفسية اليومية المحبطة للمريض، لذلك يجب إزالة العوائق المنزلية كالطاولات أو احواض الزرع أو أي من الديكورات المنزلية التي توضع في الطريق. واستخدام التباين في الألوان (الفاتح على الداكن أو العكس) في الأثاث المنزلي، ودواليب الملابس وسفرة الطعام وغيرها، كذلك السيطرة على الوهج المنبعث من الإضاءات وانعكاساتها على الاسطح اللامعة، وهذه الإجراءات تعتبر عناصر فعالة جداً في تحسين ظروف الرؤية للمصاب. ومن المهم للفاحص في عيادة ضعف البصر التعرف على أسلوب حياة المريض، وتحديد مدى فاعلية بصره المتبقي السليم للدارسة او العمل، والحياة اليومية، والتنقل ومقارنة خواص ومميزات الأدوات المساندة والمعينات البصرية التي سيوصفها له، وإعطائه الإرشادات اللازمة للتدرب على استخدامها، كذلك اقناع المريض في الوقت المناسب بضرورة التوقف عن قيادة السيارة تفادياً للتعرض لحوادث قد تشكل خطورة على حياته وحياة الآخرين، وفي حالة كان المريض بإعاقة إضافية كالإعاقة الذهنية أو السمعية أو كان طفلاً صغير فلا بد من الاستعانة بأخصائي إعادة تأهيل أو التدخل المبكر للأطفال خلال إجراءات الفحص في العيادة للوصول الى افضل نتيجة فعالة مع المريض، ونصح المريض وأسرته بضرورة الاهتمام بالتغذية الصحية السليمة من أجل حياة صحية أفضل، والتوقف عن التدخين في حالة كان المريض من المدخنين، ولا بد من تطوير استراتيجية عملية بين العيادة والأسرة للتواصل المستمر مع بيئة العمل أو المدرسة وتبادل المعلومات عن تطور حالة المريض، وفي حالة وجود صعوبة في تقبل المريض وأسرته للحالة فمن المستحسن إحالتهم لأخصائي نفسي أو اجتماعي لعمل جلسات إرشاد فردية وأسرية متخصصة. وعلى المدرسة مساعدة الطالب بأقصى حد ممكن لتمكينه من التحصيل الدراسي بإجلاسه في أوسط الصفوف الأولى، وتكبير المواد المكتوبة والسماح له باستخدام المكبرات البصرية أو الالكترونية داخل الفصل، وتوعية المدرسين وزملاءه التلاميذ بحالته البصرية والطريقة المثلى للتعامل معه للحد من العوائق التعليمية والاجتماعية التي قد تواجهه في حياته اليومية. وعلى بيئة العمل اتخاذ كافة الإجراءات لتمكين ضعيف البصر من مواصلة حياته الوظيفية، وتنمية قدراته الذاتية للاستفادة من خبراته للمشاركة في حركة تنمية المجتمع. وهذه هي مجمل الإجراءات والخطوات التي يجب اتباعها للتعامل الأمثل مع الالتهاب الصبغي الشباكي. وينساق هذا الأمر على جل حالات ضعف البصر الناجم عن أمراض العيون الأخرى كأمراض الشبكية الناجمة عن مضاعفات السكري، المياه البيضاء، المياه الزرقاء، الجلوكوما، الانفصال الشبكي، وغيرها. ولا بأس من أن يتابع مريض الشبكية الصباغي الوراثي، أو أي من امراض العيون الأخرى المشابهة من متابعة أحدث الدراسات والأبحاث المتعلقة بالعلاج الجيني، خصوصًا إذا كان المريض في مقتبل العمر.
مشاركة :