رحلات الموت تغوي تونسيين من فئات اجتماعية 'محظوظة' نسبيا

  • 8/16/2022
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تونس – ككل صائفة ومع استقرار الاحوال الجوية تشهد الهجرة السرية بحرا من تونس الى ايطاليا ذروتها مستفيدة من التردي المتصاعد للأوضاع الاجتماعية وهشاشة الأوضاع السياسية، لكن بعيدا عن تصاعد الارقام هذا العام بات لافتا انضمام فئات اجتماعية جديدة الى هذه المغامرة الى المجهول. ولا يمر يوم دون  ان تعلن وزارة الداخلية التونسية عن احباط محاولات هجرة او غرق مراكب تقل الحالمين بحياة أفضل. وبحسب تقارير محلية فإنه منذ بداية العام الجاري وصل أكثر من 7500 مهاجر تونسي إلى السواحل الإيطالية، لكن وتيرة الهجرة غير النظامية تصاعدت في الفترة الأخيرة. وفيما كانت رحلات الموت في السابق تقتصر على شباب عاطلين عن العمل، باتت تظم بشكل ملفت عائلات باسرها موظفين او حرفيين يتمتعون ببعض الاستقرار المادي في بلادهم، بل انها توسعت لتشمل شبانا ومراهقين متفوقين رياضيا او مدرسيا وفتيات في مقتبل العمر. وقبل ايام تعرّض مركب هجرة غير شرعية إلى الغرق بالقرب من جزيرة قرقنة ‏‏(جنوب تونس) كان على متنه 30 شخصا بحسب ما كشفت السلطات في ‏محافظة صفاقس.‏ ووفق المعلومات التي أعلنتها السلطات الصحية "تم إنقاذ 20 شخصاً في ‏حين انتشلت جثث 6 أشخاص وهم سيدة وطفليها وسيدة ثانية وطفلتها ‏وقريبتها وجميعهم أصيلو محافظة القيروان (وسط تونس) ولم يتجاوز ‏سن الأطفال الغرقى التسع سنوات".‏ والأسبوع الماضي ضجت مواقع التواصل الاجتماعي في تونس بصور لحارس مرمى نادي صفاقس والمنتخب التونسي للشباب، علي شلبي، وهو على متن قارب صغير متوجه إلى إيطاليا بطريقة غير شرعية. وبدأ هذا الجدل عقب نشر شلبي صورة له على حسابه بمنصة فيسبوك معلقا عليها: "الحمد لله"، في إشارة إلى وصوله إلى السواحل الإيطالية على خير. وأوضح شلبي المتحصل حديثا على شهادة الثانوية العامة أن سبب إقدامه على هذه الخطوة المحفوفة بالمخاطر يعود إلى رفض السلطات التونسية السماح له بمغادرة البلاد بعد تقدمه من أجل الحصول على تأشيرة سفر لإيطاليا. وقد تلقى المهاجم التونسي الشاب دعوة رسمية من أحد النوادي، التي تنافس في الدوري الإيطالي الممتاز لكرة القدم، للمجيء إلى إيطاليا على أن يتم التكلف بكل المصاريف، بما في ذلك الدراسة. وأفادت مواقع محلية أنه وقع مع فريق بولونيا الإيطالي، الثلاثاء الماضي. وتؤكد الارقام ان نحو تونسيا 2500 قاصرا وصلوا الى ايطاليا عبر قوارب الموت خلال العام 2021. ولا تختلف أسباب الهجرة غير النظامية، بالنسبة إلى القصر في تونس عن بقية المهاجرين وتتلخص في تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد. والاثنين تداولت عدة صفحات خبرا مفاده مغادرة أستاذ في التعليم الثانوي يعمل منذ أكثر من عشر سنوات إلى إيطاليا عبر قارب غير نظامي. واستغرب رواد مواقع التواصل اقدام استاذ باقدمية كبيرة على مغادرة البلاد، معتبرين الحادث رسالة يأس جديدة، فما قال اخرون انه ربما يكون ملاحقا قضائيا بسبب ديون متراكمة. ارقام 'حروب وكوارث' وعلى مستوى الكم، تقول منظمات رقابية إن أرقام الهجرة السرية باتت مفزعة وتقارب أرقام الهجرة من الحروب والكوارث. )والاثنين أعلنت قوات الأمن التونسية الإثنين إحباط 46 محاولة هجرة غير نظامية بحرا خلال نهاية الأسبوع وإنقاذ وتوقيف 657 شخصا شاركوا فيها بينهم عشرات التونسيين والمصريين. وتعكس هذه الارقام، بوضع عدد الرحلات السرية الناجحة والتي تبلغ اضعاف تلك التي توقفها السلطات، القفزة الكبيرة في الارقام. وعن أسباب الهجرة غير النظامية ترتبط الظاهرة خاصة بالوضع الاقتصادي والاجتماعي إلى جانب الوضع السياسي الذي تعيشه تونس حاليًا، وتوازيًا، بلغ تضخم الأسعار في تونس مستويات قياسية بلغت ما يقارب 8.2%، مع تراجع قيمة الدينار في ظل عجز الدولة عن توفير السيولة لسداد القروض واستيراد المواد حتى الأساسية منها. ويقول مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في تونس مهدي مبروك، أن الحديث عن أن أرقام الهجرة غير النظامية في تونس باتت مفزعة هو تشخيص سليم لافتًا إلى أن هذه الأرقام ترتفع حينًا وتنخفض حينًا آخر، إلا أنها أصبحت تأخذ منحى تصاعديًا منذ الثورة. وكشف مبروك أن 2022 هي ثاني أكثر سنة لناحية ارتفاع نسبة الهجرة المختلطة، فسواء كانت الهجرة من التونسيين أو غيرهم من الجنسيات ولا سيما الإفريقية منها، "إلا أن تونس أصبحت بلد المعبر إلى مغامرة محفوفة بالكثير من المخاطر". لكن الجديد في هذا المشهد وفق مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، هو استحداث المعبر الصربي عبر تركيا إذ لا تفرض الأخيرة على التونسيين التأشيرة، ومن تركيا تبدأ "مغامرة قاتلة" برًّا. ويتابع مبروك: "يعتقد التونسيون أن البر أقل خطورة من المعبر البحري المباشر بين السواحل الإيطالية والسواحل التونسية". عن دور السلطات في هذه المشكلة التي تؤرقها، يقول مبروك إنه "منذ حوالي 11 عامًا لم تفعل الحكومات رغم تعددها واختلاف سياساتها الكثير تجاه الفئة الأكثر إقبالًا على الهجرة وهي الشباب، بل على العكس أخفقت، فراح الأمر يستفحل من سنة إلى أخرى". ويلفت إلى أن المعضلة الأبرز أمام الحكومات المتعاقبة هي البطالة، حيث تسجل البلاد اليوم أكثر من مليون و100 عاطل عن العمل ربعهم من حاملي الشهادات العليا.

مشاركة :