رافع الرجل الأول في المؤسسة العسكرية الجزائرية الفريق أول سعيد شنقريحة لصالح أمن واقتصاد القارة الأفريقية في ندوة الأمن العالمي التي تحتضنها موسكو، والتي تجري بالتوازي مع تطورات دولية متسارعة، كان عنوانها الأبرز تنافس روسي – غربي على القارة السمراء. ويرى مراقبون أن الكلمة هدفت أساسا لدعوة الروس إلى الانخراط بشكل مكثف في حماية أمن القارة الأفريقية ودعم اقتصاديات دولها. وحذر قائد الجيش الجزائري من الأخطار التي تهدد أمن واقتصاد القارة الأفريقية، وذلك خلال مشاركته في ندوة الأمن الدولي المنعقدة في موسكو، والتي تأتي في سياق صراع متصاعد بين القوى الكبرى في العالم، خاصة بعد اندلاع الأزمة الأوكرانية، وهو ما يطرح بقوة التساؤل حول موقع وموقف الجزائر من أطراف الأزمة، لاسيما بعد ظهور بوادر انحياز نحو روسيا، وتأثير ذلك على مستقبل علاقاتها مع الغرب عموما. واعتبر المتحدث في تدخله عبر تقنية التواصل المرئي أن الإرهاب ظاهرة مقوضة للأمن والاستقرار في العالم، وخطر يهدد اقتصاديات القارة الأفريقية، ولذلك لم تعد مجرد شأن داخلي معزول، بل يستوجب تعاونا دوليا واسعا، لكنه لم يفصل أكثر في هوية الإرهاب والإرهابيين والمقاربة الأقرب لمكافحة الظاهرة، كما لم يتطرق إلى أزمة الغذاء التي تهدد دولا أفريقية بسبب الأزمة الأوكرانية. ويبدو أن روسيا التي ترمي بثقلها في الحرب على أوكرانيا من أجل تأمين مصالحها ونفوذها، باتت تبحث عن حلفاء جدد لها في القارة الأفريقية، حيث بات تمددها واضحا من خلال التغلغل في مالي عبر قوات فاغنر، ومن تعميق علاقاتها مع الجزائر حيث ينتظر توقيع اتفاقية “تعاون استراتيجي عميق” بين البلدين قريبا، فضلا عن برمجة مناورات عسكرية بين الجيشين خلال شهر نوفمبر القادم في منطقة جزائرية محاذية للحدود المغربية. وذكر بيان لوزارة الدفاع الجزائرية أن قائد أركان الجيش شارك في الندوة العاشرة للأمن الدولي التي تنظمها روسيا عن طريق تقنية التواصل المرئي، وقد عبر في مداخلته عن “امتنانه للطرف الروسي على الدعوة التي تفضل بتوجيهها له للمشاركة في أشغال هذه الندوة التي تشكل فرصة لتبادل وجهات النظر والتقييمات حول المواضيع ذات الصلة بالأمن الدولي”. وأضاف “أتمنى أن تكون الندوة مثمرة ومفيدة لكافة المشاركين، لأنها تترجم الإرادة الطيبة لفيدرالية روسيا في تعزيز علاقاتنا، وتشكل فرصة لتبادل وجهات النظر والتقييمات حول المواضيع ذات الصلة بالأمن الدولي”. ولفت المتحدث إلى “خصوصيات التحديات الأمنية التي تواجهها القارة الأفريقية، فهي فعلا قارة غنية بإمكانياتها المادية وبنموها الديموغرافي المتزايد وميزاتها المعتبرة، على غرار التنوع البيئي والثروات الباطنية والاحتياطات الطاقوية والمائية، تجد نفسها أمام وضعية معقدة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي نتيجة العديد من التحديات الأمنية والاقتصادية، مما يستدعي دعم ومرافقة المجتمع الدولي”. ويعتبر الرجل الأول في المؤسسة العسكرية الجزائرية أحد المتحمسين داخل المؤسسة للمدرسة الروسية، عكس العديد من الضباط السامين الذين يتحفظون على ذلك، ويفضلون الانفتاح والاستفادة من مختلف المدارس العسكرية في العالم، خاصة الغربية منها، لكنه لم يعد لهم نفوذ كبير بسبب انفراد أنصار المدرسة الروسية. وعرفت العلاقات الجزائرية – الروسية في الآونة الأخيرة تناغما كبيرا، تجسد في زيارة وزير الخارجية الروسية سيرجي لافروف للجزائر خلال الأسابيع الماضية، وتكثيف التعاون وتبادل الزيارات الفنية، كما تمت برمجة زيارة للرئيس عبدالمجيد تبون إلى موسكو، لم يتم تحديد موعدها إلى غاية الآن. كما أعلن السفير الروسي السابق سيرغي بلياييف أن “اتفاقية التعاون الاستراتيجي المعمق تتواجد في مرحلة التحضير، وقد تم تسليم الطرف الجزائري النسخة الأولية التي أعدتها بلاده من أجل المراجعة والإثراء”، وينتظر أن تبرم خلال الزيارة المنتظرة للرئيس تبون إلى موسكو. وعقدت الجزائر العديد من الصفقات لشراء أسلحة من روسيا بالمليارات من الدولارات حيث تعتبر موسكو المزود الرئيسي للعتاد والذخائر إلى الجزائر. وذكر الفريق أول شنقريحة، في مداخلته، بأن “هذا الوضع الهش أدى إلى زعزعة استقرار مجموعة من الدول وإضعاف اقتصاداتها وأمنها وجعل أفريقيا ملاذا لنشاط فاعلين إجراميين ينشرون التهديد الإرهابي ومختلف أشكال الجريمة المنظمة العابرة للحدود”. وأكد أنه “حان الوقت للمجتمع الدولي بأن يعي أهمية الحفاظ على الأمن الدولي بالتركيز على الأمن الإنساني، والتكفل بالأسباب العميقة للأزمات في العالم بصفة عامة وفي أفريقيا بصفة خاصة”. قائد الجيش الجزائري الفريق أول سعيد شنقريحة أحد المؤيدين داخل المؤسسة العسكرية للمدرسة الروسية وتابع “أؤكد لكم أن التجربة المكتسبة على مر السنين، خلال مكافحتنا للإرهاب، قد أظهرت لنا بأنه لا يوجد أي بلد في منأى عن التهديد الإرهابي وتعقيداته، وأن مكافحة هذه الظاهرة لا يمكن أن تكون أبدا مهمة بلد لوحده، وعليه، فقد حان الوقت للمجتمع الدولي بأن يعي أهمية الحفاظ على الأمن الدولي، بالتركيز على الأمن الإنساني والتكفل بالأسباب العميقة للأزمات في العالم بصفة عامة وفي أفريقيا بصفة خاصة، وكذلك تقوية القدرات العسكرية والنجاعة المطلوبة في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود”. وألمحت كلمة قائد الجيش الجزائري إلى دعوة مبطنة إلى الروس من أجل المساهمة في استتباب الأمن الأفريقي وحماية اقتصاد القارة، وهو ما يمثل شرعية تبحث عنها روسيا لبسط نفوذها في القارة السمراء، والدخول على خط منافسة القوى الأخرى، وهو ما بدأ من جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي، ولا يستبعد أن يتمدد تدريجيا تحت مسمى المشاركة في الحرب على الإرهاب وحماية الأمن والاقتصاد الأفريقي.
مشاركة :