عندما تتجشأ البقرة رقم 121، تلقي العالمة إليزابيث غرستر نظرة فاحصة على العلف الذي تناولته. وهذه البقرة الحلوب هي واحدة من قطيع يمتلكه المزارع جيرولد كوهر، وعندما يتم تقديم أعلاف مركزة للبقرة، يقيس العلماء كمية غاز الميثان التي تنبعث منها في وقت لاحق. ويعمل المزارعون وخبراء الزراعة على التوصل إلى استراتيجيات مناسبة للغذاء، للمساعدة على تقليص حجم انبعاثات غاز الميثان، وهو من الغازات القوية الضارة التي تتسبب في ارتفاع معدل الاحتباس الحراري الضار على كوكب الأرض. وذكر تقرير أصدره العام الماضي برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة وتحالف حماية المناخ والهواء النظيف، أن خفض انبعاثات الميثان الناتجة من المزارع وتربية الماشية سيكون عاملا أساسيا في مكافحة التغير المناخي. كل هكتار من الأراضي يستخدم في زراعة الحبوب بغرض إنتاج الأعلاف يعني إنقاص المساحة المخصصة لإنتاج الغذاء وتقول غرستر وهي خبيرة متخصصة بمركز ألماني للبحوث الزراعية إن “العلاقة بين الأعلاف وانبعاثات الميثان معروفة منذ زمن طويل”، وتسعى هي وفريقها للتعرف عمليا على تأثير أنواع الأعلاف المختلفة على الانبعاثات الغازية. وفي إطار هذه الأبحاث يقوم المزارع موهر وزوجته بيتي بتغذية قطيع الأبقار بمزرعته الكائنة بالجنوب الألماني بالحشائش والتبن، ويمضي العلماء الشهرين التاليين في تحليل طريقة هضم الأبقار لهذه النوعية من الأعلاف. وتعد مزرعة موهر واحدة من أربع مزارع في المنطقة مشاركة في هذا المشروع البحثي، وهو يريد أن يعلم الناس أن الأبقار في حد ذاتها ليست مسؤولة عن ارتفاع درجة الحرارة في العالم، وأنه لا ينبغي النظر إليها على أنها “قاتلة للمناخ”، وهي عبارة سمع البعض يرددونها. وفي ولاية بافاريا ينفذ المزارع توبياس هليغينشتر نهجا مختلفا، حيث يسمح لقطيعه بالرعي بطريقة معينة، يأمل أن تؤدي إلى خفض الانبعاثات. ويتأكد هليغينشتر وهو مزارع متخصص في الزراعة العضوية، من أن أبقاره الخمسين الحلوب ترعى في نفس المساحة لفترات قصيرة من الزمن، ثم يعطي الحشائش بعض الوقت لتستعيد نموها. ويتضمن هذا الأسلوب قضاء ساعة ونصف الساعة كل يوم لإقامة أسوار جديدة حول منطقة الرعي، بهدف حماية وتحسين التربة والحشائش، في منهاج يعرف باسم الإدارة الشاملة والطبيعية للمراعي. وهو يسعى ومعه سبع من المزارع الصغيرة الأخرى لتجربة هذا المنهاج في إطار مشروع تشرف عليه الأكاديمية البافارية للحفاظ على الطبيعة، وجامعة ميونخ التقنية. ويقول المزارع هليغينشتر إن هذا المنهاج حقق نجاحا بالفعل، حيث لاحظ أن المساحة التي ترعى فيها أبقاره تنتج المزيد من الحشائش، وأن أبقاره تعطي المزيد من الحليب، كما أنه شاهد حدوث المزيد من التنوع البيئي في مزرعته التي تبلغ مساحتها 52 هكتارا. ويقول هليغينشتر إن هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن بها إنتاج الأعلاف عن طريق المراعي، كما أن المراعي تحدث توازنا أفضل بالنسبة إلى البيئة مقارنة بالأراضي الزراعية، حيث أن الحشائش فيها تخزن ثاني أكسيد الكربون. من أقوى الغازات المسببة للاحترار من أقوى الغازات المسببة للاحترار ويدعو بيورن كوهلا الخبير في الفيسيولوجيا الغذائية وعلم الأحياء الخاص بحيوانات المزارع، المزارعين إلى الاعتماد على الحشائش كأعلاف، حيث أن المراعي تمثل أهمية بالغة كمخزن للكربون. ويقول كوهلا “إنه يمكن تحويل تربية الأبقار لتصبح محايدة التأثير على البيئة، وذلك إذا جعلنا الأبقار لا تأكل المزيد من حشائش المراعي، بشكل يجعل الحشائش غير قادرة على استعادة نموها في نفس مساحة المرعى على المدى الطويل”. ويضيف أن هناك طرقا أخرى لجعل تربية الأبقار أكثر صداقة للمناخ، ويقترح تربية أنواع من الأبقار مزدوجة الغرض، بمعنى أنها يمكنها إدرار الحليب وإنتاج اللحم معا، وذلك في حالة الحد من أعداد الأبقار التي تنتج اللحوم وحدها. كما يعمل العلماء على دراسة إمكانية التقاط غاز الميثان من الجو، وتنقية الهواء من الميثان الذي تنتجه الأبقار، على أمل استخدامه كوقود لتشغيل الآلات الزراعية. وتقول الخبيرة غرستر إن بعض هذه المناهج مع ذلك، تتعارض مع بعضها البعض. وتوضح قائلة إن الحشائش والتبن على سبيل المثال لديهما توازن أفضل في ما يتعلق بالكربون، ولكن عندما تتغذى عليهما الأبقار، تنتج المزيد من غاز الميثان مقارنة بتغذيتها بالأعلاف المركزة. بينما يقول الباحث ميشائيل آسي الذي يعمل ضمن فريق غرستر، إن “تغذية الأبقار بالمزيد من الأعلاف المركزة، تعني أنه ستكون هناك حاجة للمزيد من الحبوب”، ويشير إلى أن كل هكتار إضافي من الأراضي الزراعية يستخدم في زراعة الحبوب بغرض إنتاج الأعلاف، يعني إنقاص المساحة المخصصة لإنتاج الغذاء. وتتعلق الآمال الآن على التوصل إلى أنواع من الأعلاف لم يتم اختبارها بعد، مثل البرسيم الأحمر وعشب رأس الديك الذي يعد من نباتات البقول المعمرة. وفي هذا الصدد تقول غرستر “ربما كان هناك فتح آخر يتمثل في نبات جديد يتم التوصل إليه”، وتضيف أنه يمكن تشجيع المزارعين حينها على زراعته بتقديم الدعم لهم. ويؤكد كوهلا أن الحيوانات في حد ذاتها ليست هي سبب المشكلة، ويقول “الأبقار تعمل بشكل أفضل من البشر في ما يتعلق بالبصمة الكربونية”.
مشاركة :