الأردن يمد يد المصالحة لإيران لتأمين مصالحه في سوريا والعراق عمان – يرى الأردن في التقارب الحذر مع إيران فرصة للفت نظر دول الخليج التي لم تقدم له الدعم الذي كان يبحث عنه للخروج من أزمته الاقتصادية، ما يجعله ردة فعل أكثر منه خيارا بديلا يمكن أن يعود على المملكة الهاشمية بمكاسب جدية تعوض رهانها على العمق الخليجي. وتقول أوساط أردنية إن الأردن، الذي وجد نفسه على هامش التطورات الإقليمية خاصة ما تعلق بملف السلام مع إسرائيل والتحالف مع الولايات المتحدة، يبحث الآن عن موقع إقليمي يظهر من خلاله أنه ما يزال مؤثرا وفاعلا، وأن لديه أوراقا تسمح له بتنويع الحلفاء والرد على من يعتبرون أن دوره بات هامشيا. وتشير هذه الأوساط إلى أن مد اليد إلى إيران كان محظورا أردنيا في السابق خاصة أن العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني عرف بتحذيراته من الخطر الإيراني في المنطقة ككل مثل التحذير من الهلال الشيعي الذي يمتد من إيران إلى لبنان مرورا بالعراق وسوريا، وصولا إلى دعوته الأخيرة إلى ناتو عربي لمواجهة إيران. وقال رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة في يوليو خلال مقابلة مع “بي بي سي” إن بلاده لم تعتبر إيران أبدا تهديدا لأمنها القومي، وإن “الأردن يسعى للوصول إلى صيغة حوار مع إيران مبنية على علاقات حسن الجوار”. وأكد “الانفتاح على علاقة صحية للغاية مع إيران، ولكن على قاعدة الضوابط والأحكام التي قام عليها النظام الدولي”. وكان صدور مثل هذا التصريح تجاه إيران عن مسؤول أردني رفيع نادرا ومفاجئا. لكن الظروف تغيرت ومصالح الأردن باتت تقتضي فتح قنوات اتصال ومصالحة مع إيران التي لديها نفوذ كبير في العراق وسوريا. ويشكو الأردنيون من تهميش دورهم الإقليمي في السنوات الأخيرة، ومن البرود في العلاقات الأردنية – الخليجية، وخاصة مع السعودية، وهو برود لم تبدده الزيارة الأخيرة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى عمّان، والتي لم تصدر عنها وعود قاطعة بشأن الدعم السعودي للأردن. وكانت عمّان تراهن على زيارة ولي العهد السعودي للحصول على دعم قوي تحتاجه لمواجهة أزمات معقدة بعضها مزمن، وبعضها الآخر من مخلفات الجائحة، فضلا عن التهديدات التي تخلفها الحرب في أوكرانيا على أوضاع الأردن وتعقيدات أزمة الغذاء. والتقى العاهل الأردني في يوليو العام الماضي مع الرئيس الأميركي جو بايدن في واشنطن حيث نجح في تأمين استثناءات من عقوبات قيصر التي تطال سوريا والمتعاملين معها، وساعد هذا عمّان على التحرك نحو تصدير الكهرباء إلى لبنان عبر سوريا بعد أن أعطت واشنطن ضوءها الأخضر. واستؤنفت الرحلات الجوية المباشرة بين الأردن وسوريا في سبتمبر 2021 بعد توقف دام عشر سنوات. وتُعتبر سوريا ممرا رئيسيا للصادرات الأردنية إلى لبنان وأوروبا، وستوفر إعادة فتح الحدود استقرارا اجتماعيا واقتصاديا أكبر للأردن واقتصاده المتعثر. وبرزت المعابر الحدودية كفرصة جيدة للأردنيين في المدن الشمالية، مثل الرمثا وإربد والمفرق، لتهريب المواد الغذائية والملابس والسلع الأخرى من سوريا بأسعار أقل بكثير. ودفعت البطالة العالية في المنطقة وعدم الرضا عن الحكومة في عمّان إلى غض السلطات الطرف عن الكثير من عمليات التهريب. ويرى الخبير في شؤون الشرق الأوسط محمد سلامي أن الأردن لن ينجح في سوريا دون مساعدة إيرانية. وتتواجد طهران في سوريا منذ أكثر من أربعة عقود وتتمتع بتأثير واسع في البلاد. وملأت الميليشيات السورية التابعة لإيران في الجنوب وفي مدينة درعا المحاذية للأردن الفراغ الناتج عن إجلاء الروس للبعض من قواتهم بسبب الحرب في أوكرانيا، ولجأت إلى تهريب المخدرات إلى الأردن لتمويل نفسها. كما أعيد فتح معبر جابر/نصيب الحدودي، وهو نقطة رئيسية للصادرات إلى سوريا، في سبتمبر 2021. ويعني نفوذ إيران على الميليشيات السورية أن البضائع المشروعة وغير المشروعة يمكن أن تتحرك بسلاسة عبر الحدود. وفي العراق أيضا يحتاج الأردن إلى إيران التي قد تفسد محاولاته للتقارب مع بغداد حيث تسللت إلى الاقتصاد العراقي ولها القدرة على تحديد قيادة البلاد من خلال الميليشيات الشيعية. وكانت العلاقات جيدة بين البلدين حتى غزو الكويت سنة 1990. ورفض الأردن حتى ذلك الحين إدانة الغزو أو الانضمام إلى الجهد الحربي ضد العراق. وقبل جائحة كوفيد – 19 كان الأردن يشتري 15 ألف برميل من النفط الرخيص يوميا من العراق، وخططت بغداد لتحرير نفسها من الاعتماد على مضيق هرمز عبر ميناء البصرة إلى خط أنابيب العقبة. كما برزت الجهود المبذولة لإنشاء منطقة صناعية مشتركة والتعاون في مجال مشاريع الطاقة المتجددة والكهرباء والبتروكيماويات ضمن المبادرات الاقتصادية الأردنية – العراقية الأخرى. وبحسب سلامي “تجدر الإشارة كذلك إلى أن دوافع تحقيق علاقات المصالحة ذات اتجاهين حيث تحتاج إيران إلى الأردن أيضا. وتكمل جهود الأردن لإعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية وتأمين بعض الاستثناءات من قانون قيصر جهود طهران لإنهاء عزلة الرئيس السوري بشار الأسد”. وتابع “إن مسار الصداقة بين إيران والأردن مازال في بدايته، ومع ذلك يمكن لكلا البلدين تشجيع هذه العملية من خلال العمل على التعاون الاقتصادي، ونقل التكنولوجيا مثل تحلية مياه البحر، والزراعة، وخاصة السياحة الدينية”.
مشاركة :