فضفضة من وحي زيارة!!

  • 12/30/2015
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

لكل دول مجلس التعاون، بدون استثناء، مكانة وجدت لها سكناً في الوجدان واستقرت في الشعور. وبحكم الاتصال والتواصل تتنازع وجداني دولتان للظفر بهذه المكانة. للدولتين اللتين أعني في حياتي تأثير وأيما تأثير، وأولهما المملكة العربية السعودية، والسبب الأول في ذلك هو أن أبي أطعمنا من خير هذه البلاد المقدسة على مدى سني عمره، وعلمنا أيضا أنها بلاد خير وكرم وعزة. أما السبب الثاني فهو أن لي شقيقتين مجموع أبنائهما اليوم أحد عشر شاباً وشابة يجعلوني أفخر بأني وإخوتي وأخواتي خيلان وخالات لهم. أما الدولة الثانية فهي الإمارات العربية المتحدة، وعنها سأتحدث في مقالتي هذه. وإذا كنت قد أوضحت لك سبب شغفي بالمملكة العربية السعودية فمن حقك قارئي الكريم أن تسأل لِمَ الإمارات تحديداً؟ وجوابي عن هذا السؤال أن عواطفي على المدى الزمني الذي أزور فيه الإمارات لم تكن قط جياشة مثلما هي اليوم للحديث عن هذه الدولة المعجزة، وأن لهذه الدولة أيضا مكانة من نفسي إذ هي جزء من ذاكرتي وكياني وقصتي مواطناً بحرينياً خليجياً كانت دولة الإمارات العربية محطة من محطات مسيرته المهنية ففي يوم ما في مقتبل الثمانينيات كانت الإمارات مكاناً اكتسبت منه رزقي، ووضعت فيه بعضاً من لبنات مستقبلي في وقت عز عليَّ فيه ذلك في أماكن أخرى، ثم إن الإمارات كانت الدولة التي وفرت الرعاية العلاجية لوالدتي رحمة الله عليها، وصرفت على علاجها مبالغ طائلة في مشافيها الحكومية في الدولة وخارجها، فشكراً لحكومة الإمارات ولشعبها العظيم لتخفيفهما آلام المرض العضال عن المرحومة أم عثمان. لذلك أجدني كلما هزني الشوق واستفز مشاعري، وأمرني الحنين بالسفر إلى الإمارات العربية المتحدة أختار إحدى ثلاث طرق لتنفيذ ذلك، الأولى أن أقنع الأهل بمرافقتي، وإذا تعذر ذلك، فبعض من أصدقائي، وإذا ادلهمت الأمور أتصل بصديق إماراتي هناك لا يتوانى عن توفير كل التسهيلات في كل زيارة لي هناك. لكن لما حل الشهر الثاني من عام 2011 المشؤوم، كما تعرفون، صار سفري إلى الإمارات على فترات متباعدة، ولا أسافر إليها إلا لعمل يتصل بالوظيفة على وجه التحديد. وقبل أيام كلفت بتنفيذ مثل هذه السفرة، فحزمت حقيبتي تاركاً خلفي البحرين غارقة في أفراحها، منتشية بقضاء أحلى الأيام والمساءات التي يحتفل بها شعب البحرين بأعياده الوطنية على امتداد الفترة من 16 ديسمبر حتى نهايته عندما تتداخل الأفراح الوطنية بأفراح عيد المولد النبوي، والكريسماس والعام الجديد. جعل الله أيام البحرين عامرة بالأفراح والمسرات. زيارة العمل السريعة كان مقصدها إمارة الشارقة بدولة الإمارات المتحدة بالتحديد عن طريق مطار دبي الدولي، وذلك لحضور ورشة عمل حول التربية على قيم المواطنة والتسامح. امتدت فترة الورشة ثلاثة أيام من 20 إلى 22 من شهر ديسمبر الحالي. وعنوان الورشة كما يبدو مهم وكبير، وباستحضار أهمية قيم المواطنة والتسامح في المجتمعات الإنسانية، فإن الحاجة لتغدو ماسة إلى قيام مثل هذه الورش التربوية، للعمل على دمج هذه القيم في المناهج الدراسية لإحداث التوازن في طبيعة التطورات الاجتماعية وانعكاسات التطورات السياسية على المجتمعات الإنسانية في العموم، وعلى الدول العربية في الخصوص، ودول مجلس التعاون على وجه أخص، إذ أن هناك قوى لا يفرحها، أو بالأحرى يحزنها أن ترى دول مجلس التعاون تنعم بالأمن والاستقرار والتنمية، وتبني بخطى واثقة قيم دولة المواطنة بديلاً عن كل النعرات الطائفية والقبلية، وذلك بمراهنتها على التربية والتعليم عنواناً لمستقبل واعد ولو كره الحاقدون. تلاحظ قارئي الكريم أنني أشير هنا إلى أهمية مضامين هذه الورشة وشدة احتياجات مجتمعاتنا العربية والخليجية، إلا أن هذا الموضوع على أهميته لن يكون موضوع حديثي إليك اليوم، ولعلي سأعود إلى هذا الأمر في قادم الأيام. غير أن ذلك لا يمنعني من أن أسر لك باختصار وفي عجالة قبل أن أدلف إلى موضوع مقالي الرئيس أن وزارة التربية والتعليم في مملكة البحرين سباقة بالقياس مع ما وجدته لدى المؤسسة التي تبنت هذا العنوان وجعلته محور نشاطها في هذه الأيام الثلاثة. ولعلي هنا أقترح على وزارة التربية والتعليم في البحرين أن تتبنى العنوان نفسه لعرض تجربتها على أي مستوى، خليجي أو عربي، لأن ما لدينا حقيقة، وخصوصا في مجال إعداد أنشطة قيم التربية على المواطنة وحقوق الإنسان متقدم جداً ومتميز وخصوصا بعد قرار وزير التربية والتعليم بتشكيل فريق مختص يعنى بهذا الغرض. زيارتي إلى الشارقة لم تكن الأولى على أية حال، فقد زرتها وأقمت فيها مددا متفرقة منذ ثمانينيات القرن الماضي، وزادت وتيرة زياراتي لها في السنوات العشر الأخيرة لأنها غدت مستقراً لواحد من أعز أصدقائي المقربين. كما أنني مثلما أسلفت، قد عملت في أبو ظبي العاصمة قبل زهاء ثلاثين عاماً، إلا أن الإمارات اليوم ليست كما هي قبل ثلاثين عاماً بالتأكيد، بل إنها ليست كما هي قبل شهر من الآن لمن يتأمل حركة التطوير العمراني والسياسي والثقافي والسياحي والبيئي، ولذلك فإنها لن تكون هي في الغد مثلما هي اليوم. إن الحديث عن الإمارات العربية، وعن نجاحاتها يفتح أبواب الأمل أمام أبناء الأمة بإمكانية بلوغ مستويات التغيير المنشود، ويجعلنا نستحضر بإكبار جهود المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد الذي خط برؤيته الحصيفة سبيل الإمارات لأن تكون دولة مثالاً حيثما قلبت وجهك، فهي مثال حي على أن وحدة الشعوب الخليجية واندماجها في كيان سياسي موحد أمر ليس بعزيز، وعنوان لرخاء اقتصادي وتطوير ثقافي وعلمي مطرد لا يعرف السكون أبداً. تعمدت تمضية مساءات الشارقة الثلاثة وحيداً لعلي أكتشف سر عبقرية القيادة والشعب في تحويل هذه الإمارة إلى واحدة من أجمل مدن العالم رغم الظروف المناخية القاسية التي تعانيها دول الخليج بعامة. فإذا كنا قد درجنا على القول المبالغ فيه بأن هذه البقعة من العالم العربي أو تلك أشبه بقطعة من أوروبا فإني سأزيد من هذه المبالغة وأقول إن أوروبا تحلم بأن تجعل من مناطقها ومخططاتها العمرانية المستحدثة قطعة من دولة الإمارات العربية المتحدة! فهل أنا مبالغ فيما ذكرت؟ قد يكون ذلك، ولكن لتحكموا على هذا الأمر، زوروا الشارقة وتحديداً بحيرة خالد ومحيطها الآخاذ، وبيئتها النظيفة الباهرة، وددقوا في مستوى نظافتها، وفي مستوى الوعي البيئي لدى المواطنين والمقيمين، ولاحظوا عبقرية التخطيط العمراني الحديث الذي يجمع إلى الوظيفية والعصرية قيماً معمارية جمالية حولت هذه البقعة من الأرض إلى تحفة معمارية تشهد للإنسان الإماراتي بقدرته على صناعة المعجزات. الإمارات دولة نموذج ومثال لا نمل من الإشادة به، ولا من التذكير بأنه اللبنة الواقعية الأولى لوحدة خليجية نرجو أن تكتمل ملامحها في القريب العاجل، لأن في ذلك خيراً سيعم الجميع.

مشاركة :