غيّب الموت الشاعر الصومالي محمد إبراهيم ورسمه المعروف بحضراوي والمُلقّب بـ"شكسبير الصومالي" الذي توفي الخميس في منطقة أرض الصومال الانفصالية، حيث كان يعيش. وكان حضراوي البالغ 79 عاما ويُعتبر من أشهر شعراء الصومال ويحظى باحترام كبير في المجتمع الصومالي، يعاني مشاكل صحية منذ سبع سنوات. وأمضى حضراوي الذي ألّف العشرات من الأغنيات والملاحم الشعرية خمس سنوات في السجن بين عامي 1973 و1978 في ظل الدكتاتورية العسكرية لسياد بري، لانتقاده النظام من خلال كتاباته. وبعد إطلاق سراحه، لجأ إلى إثيوبيا، وانتقل منها إلى بريطانيا، قبل أن يستقر أخيرا في أرض الصومال التي يتحدر منها. وعقب انهيار الحكومة المركزية في الصومال عام 1991، عاش لعقد كامل في بريطانيا قبل أن يعود إلى بلاده، وحصل على جائزة الأمير كلود في عام 2012 لمساهمته في السلام من خلال الشعر، وهي جائزة دولية يمنحها صندوق الأمير كلاوس سنويا منذ سنة 1997، تكريما للأفراد والمنظمات الذين يسهمون في الثقافة والتطوير المجتمعي بشكل تقدمي ومعاصر خدمة للتعايش والسلام. وطرقت أعمال حضراوي أبواب الحب والحياة والثقافة من بين مجموعة من الموضوعات الأخرى التي استفاد فيها من تنقلاته الكثيرة من بلد إلى آخر وما عاناه من فقد. وذكر الكاتب الصومالي محمود علي آدم هوري أن الشاعر ولد في بادية برعو الواقعة في منطقة توغدير شمال الصومال عام 1943، وترعرع في بيئة ريفية تشبع بها كغيره من الصوماليين، لكن عائلته كانت عائلة أدبية وهو ما أثر فيه بشكل بالغ، ومن بين أفراد عائلته كان الشاعر الصومالي الشهير عثمان إبراهيم ورسمه المعروف بـ”هري”. أعمال حضراوي تناولت أبواب الحب والحياة والثقافة وموضوعات أخرى استفاد فيها من تنقلاته وثقافته الواسعة وبعد أن توفيت والدته انتقل حضراوي عام 1953 وهو صبي صغير لا يزال في التاسعة من عمره، إلى اليمن للعيش مع عمه أحمد ورسمه، الذي كان يقيم في مدينة عدن الساحلية اليمنية. وبدأت رحلة الشاعر الراحل إلى النجومية الأدبية في عدن باليمن، التي أتاها محملا بذكريات الطفولة الثرية من ريف الصومال، ليستفيد من بيئة عدن الملهمة أيضا. وهناك، حصل على الاسم المستعار أبا حضرة بالصومالية "حضراوي" والذي أصبح منذ ذلك الحين اسم التوقيع لأعماله. وعند عودته إلى مقديشو، بعد حصول الصومال على الاستقلال في عام 1961، انضم إلى إذاعة مقديشو قبل الالتحاق بكلية لفولي، التابعة للجامعة الوطنية الصومالية. وعمل الشاعر الراحل في مجال التدريس، قبل الانضمام إلى الحكومة في وزارة الإعلام للعمل في المسرح الوطني. ومضى الشاعر الراحل في كتابة العديد من القصائد التي ركزت على الأزمة الصومالية في سنواته الأخيرة فكتب عن الأخلاق والثقافة. كما كرسته قصائده السياسية القوية التي انتقد فيها النظام العسكري ونقد فيها واقع الصومال كأيقونة لفن الشعر في البلاد، إذ صار من رموزه الأدبية التي لم يفلح القمع والسجن في محاصرتها أو كبح صوتها. ونذر الشاعر الراحل أعماله الأدبية سواء في الشعر أو السرد أو الفكر لأجل ما سماه “مسيرة من أجل السلام”، إذ حاول من خلال نصوصه التي تحتضن شخصيات أصيلة ومنخات الصومال التي يستقدمها من واقعه وذاكرته، تعزيز التفاهم والمصالحة بين كل المناطق الصومالية، كما سعى، وفق آدم هوري، للحفاظ على الوعي التاريخي، المشترك، والخطاب الشامل في الأوقات - الخلافية، ذلك لالتزامه مدى الحياة بتنمية المجتمع والعدالة الاجتماعية؛ وبناء الجسور وإلهام وتعزيز السلام من خلال الشعر. جل قصائد الشاعر تحمل روح الوطنية وباسم الحرية والنضال؛ إذ كان يدعو دائما إلى الوحدة باعتبارها السبيل الوحيد “للسلام والتنمية” ويكره التناحر والتنازع، لأن التنافر لا يمكن إلا أن يستنتج الدمار والخراب في الوطن كما كان يؤكد. وقال رئيس أرض الصومال موسى بيهي عبدي في مؤتمر صحافي في هرجيسا، عاصمة أرض الصومال، إن وفاة الشاعر "صدمة وخسارة كبيرة.. يجب أن نصلي من أجله الآن". وأضاف "أتوجّه بأحرّ التعازي إلى شعب أرض الصومال وجميع الناطقين بالصومالية في كل مكان". كذلك أشاد الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في بيان "بأحد المثقفين الصوماليين الذي عمل على المساهمة في توعية الشعب الصومالي وأدبه". ولم يكن لحضراوي أبناء، وتوفيت زوجته في مارس 2022 في مسقطه بوراو حيث كانا يعيشان.
مشاركة :