ذات مرة وفي دورة تدريبية في موضوع السكرتارية ومديرو المكاتب، وفي الحقيقة هي عدة دورات في دول الخليج العربي، التقيت فيها بالعديد من العاملين في هذه الوظائف التي أعتقد أنها من أكثر الوظائف حساسية في المؤسسات، سواء الحكومية أو في القطاع الخاص، لذلك تحتاج إلى مهارات خاصة في التدريب والتعليم وكذلك في التوظيف. وللأسف، وعلى الرغم من أهمية هؤلاء العاملين والموظفين إلا أنهم أقل الفئات الوظيفية التي تتمتع بحقوقها وحتى احترام المسؤولين، فعدد من المسؤولين عندما يواجه بعض المشكلات مع رؤسائه بسبب العمل فإنه مباشرة يلقي اللوم على السكرتارية لديه ويصفهم بأبشع الأوصاف، وعندما يعود إلى مكتبه فإنه يغضب وينهرهم ويعاتبهم لأنهم لا يعرفون أن يؤدوا الأعمال بالصورة المطلوبة. لذلك دعونا نتحدث اليوم عن هذه الفئة من الموظفين ومعهم، فهؤلاء يلتصقون تمامًا مع المسؤولين. مفهوم السكرتارية يطلق مصطلح (السكرتارية) على مجموعة العاملين الذين يقومون بممارسة الأنشطة ذات الطابع المكتبي مثل العمل على تحرير وإعداد واستقبال المراسلات، ومعالجة الاتصالات المختلفة، وتنسيق المواعيد واستقبال الزوار، وتنظيم الاجتماعات والسفريات وأعمال الحفظ والأرشفة. وأعمق من الكلمة فإن مصطلح (سكرتير) مشتقة من الأصل اللاتيني (Secretarius) والتي تعني حرفيًا (كاتم الأسرار)، ومنها تؤخذ كلمة (Secret) ومعناها (السر) لتدل على ما تنطوي عليه أعمال من سرية وأهمية، وهذا صحيح إلى درجة كبيرة حيث أن عمل السكرتير يتضمن معرفته للكثير من المعلومات التي قد لا تتاح لغيره من بقية أفراد المؤسسة الاطلاع عليها. وكلمة سكرتير قد يتسع معناها الوظيفي ليصبح شاغلها بمرتبة وزير كما في بعض الدول أو رئيس هيئة دولية كما في حال الأمين العام للأمم المتحدة، وقد يضيق ذلك المسمى ليصبح يمثل أحد الأفراد الذين يقومون بمساعدة فرد آخر بمسمى سكرتير شخصي، وبين هذا وذاك تتعدد مستويات السكرتير وتتنوع حسب مقتضيات مختلف الأعمال والمؤسسات. وبالتالي يمكن تعريف مهنة السكرتير أنها: مهنة من المهن الفنية والإدارية المساعدة التي يتطلبها عمل كل مؤسسة إدارية، وهدفها الأساسي مساعدة المسؤول على تهيئة البيئة الإدارية التي تمكنه من التفرغ التام للأعمال المكتبية التي يتكرر حدوثها بصورة روتينية في المكتب، وللمهام الإدارية التي تتطلب وقتًا أطول للتفكير والإبداع كالتخطيط واتخاذ القرارات وغيرها من متطلبات الإدارة الحديثة. ومن ذلك يتضح أن السكرتير ليس له سلطة تنفيذية، وعلى الرغم من ذلك فإنه يساعد المسؤول في التعامل مع الموظفين في جميع المستويات، والأسلوب الذي يتبعه في أداء عمله واضح وبارز على أعمال المؤسسة نظرًا لأنه يشغل منصبًا هامًا، وبالتالي فإنه يعطي لرؤساء وزملاء وموظفي رئيسه صورة مشرفة عن أداء رئيسه لعمله، وبذلك فإن عمل السكرتير يتطلب أن يكون ماهرًا في الكثير من المجالات، كما يحتاج أن يكون قادرًا على العمل بأقل درجة من الإشراف والتوجيه المباشر. ويُعد السكرتير بمثابة عنصر مهم في المؤسسة ولا يمكن الاستغناء عنه بأي حال من الأحوال، ولا يمكن أن نتصور ما يمكن أن يعمله المسؤول في المؤسسة في حالة غياب السكرتير، بالتأكيد سيقضي المسؤول وقتًا طويلاً في أداء الأعمال الروتينية دون أن يكون لديه الوقت الكافي لأداء المهام والأعمال الرئيسية الهامة، وهذا من ناحية المبدأ. ومن ناحية أخرى فإن التقدم التكنولوجي الهائل الذي يعيشه العمل الإداري الحديث ودخوله عصر تقنيات المعلومات، أصبح على المؤسسات بمختلف أنواعها استخدامها وممارستها بصورة أو بأخرى، وهذا ما ألقى أعباء إضافية على المسؤول أيًا كان موقعه، فهو بالإضافة إلى أعماله الإدارية التي يشغلها والتي هو مسؤول عنها كالتخطيط والتنفيذ والرقابة وما إلى ذلك عليه أن يقوم بالكثير من الأعمال الروتينية والتفصيلات والمتابعات، لذلك أصبح من المهم أن يقوم شخص آخر بمثل هذه المهمات، وهنا يأتي الدور على السكرتير. لذلك فإن وظيفة السكرتارية تهدف في المقام الأول إلى تقديم الخدمات المكتبية المتعلقة بروتين العمل وتفصيلاته أو إلى الإدارات الرئيسة في المؤسسة ومن هنا يظهر الدور الفعال للسكرتير في إعفاء المسؤولين والإدارات الرئيسة من شغل أوقاتهم بالتفكير في هذه الأعمال الروتينية، بحيث يتفرغون كليًا لوظائفهم الرئيسية، من تخطيط وتنظيم ورقابة، وتمدهم بالبيانات والمعلومات اللازمة لاتخاذ القرارات. مفهوم مدير المكتب إن إدارة المكاتب تُعد عملية إدارية بحتة؛ تتضمن معالجة سير العمل والتحكم في توازنه والحفاظ على هذا التوازن داخل مكاتب المؤسسات المختلفة سواء مؤسسات حكومية أو خاصة، وسواء أكانت تلك المؤسسة صغيرة أو كبيرة، وهو ما يعد ضروريًا لتقديم أفضل خدمة للأشخاص ذوي المصلحة الكبيرة. والشخص الذي يقوم بهذه المهمة يعرف باسم (مدير المكتب). ومدير المكتب هو الشخص الذي يمثل المسؤول شخصيًا ويقوم بجميع الأعمال الإدارية باسمه، لذلك فإنه يجب عليه أن يلغي كلمة (لا أعرف) من قاموس مفرداته، فهو يفترض منه أن يعرف كل شيء عن أي شيء، وفي كل تخصص يجب أن يكون له باع، وفي كل موضوع يجب أن تكون له معرفة، وفي كل استشارة يجب أن يكون له رأي، ولكل اتجاه يجب أن تكون له بوصلة. ويعتبر البعض أن مدير المكتب يعني بالعديد من المهام والواجبات ومن أهمها الإدارة. ولعل العامل المشترك بين جميع مدراء المكاتب مهما اختلفت تخصصات وحجم المؤسسات التي يعملون بها هو أنهم في النهاية يضمنون أن المكتب يعمل بكفاءة وفعالية عالية، ويصلون إلى الرضا التام للمسؤول حيث أن حجم الواجبات الإدارية والتنفيذية التي تناط بمدير المكتب تعتمد على حجم المؤسسة التي يعمل بها. ولا يمكن حصر المهام التي يقوم بها مدير المكتب خلال ساعات العمل أو حتى خلال حياته المهنية كمدير مكتب لأحد المسؤولين، حيث يقوم مدير المكتب بتنظيم والإشراف على كل الأنشطة الإدارية التي تسهل انسياب وسير عمل المكتب بشكل عام. ويجد الكثيرون أن دور مدير المكتب مشابه جدًا للمدير الإداري، إن مدير المكتب يُنتظر منه أن يقوم بحزمة من المهام الإدارية وربما بالمهام التكنولوجية ذات الصلة، وهذا أيضًا يعتمد على حجم المؤسسة وطبيعة عملها، ولكن بصورة عامة فإن مدير المكتب مسؤول عن ضمان سير عمل المكتب بشكل فعال. ولا ينتهي وجود هذه الفئة من الموظفين وينتهي تعاملهم مع المسؤولين والموظفين في نفس المؤسسة، وإنما يمتد عملهم حتى إلى الجهات الأخرى، فهم واجهة مهمة للمؤسسة أمام المجتمع والأفراد، فعندما يتصل أحد الأفراد من خارج المؤسسة ليطلب المساعدة أو مقابلة المسؤول، فإن لم يكن هذا الموظف يمتلك من الذكاء الاجتماعي والتواصلي (كما نقول بالعامية السنع) فإنه ببساطة يمكن أن يهز الصورة المجتمعية للمؤسسة في نظر كل أفراد المجتمع. ذات مرة قال لي صاحب صاحبي، وهو مسؤول ذو شأن في واحدة من المؤسسات، يقول: اتصلت بأحد كبار المسؤولين في المؤسسة، وتصادف أن السكرتير الأقدم خرج من المكتب لقضاء بعض الأعمال في بعض المكاتب الأخرى، وكان الموجود في المكتب سكرتير آخر تحت التدريب، وهو الذي رفع سماعة التلفون ولكنه لم يعرف المسؤول المتصل، وقال للمسؤول المتصل أن المسؤول - المتحدث - في اجتماع، وعلى الرغم من أني لم أكن في اجتماع، إلا أنه اعتقد أنه سوف يتخلص من المتصل، عمومًا أغلق الخط مباشرة من غير أي إجراءات تسجيل اسم ورقم المتصل وما إلى ذلك. وكلها لحظات حتى وجدت أن المسؤول المتصل قد دخل مكتبي وهو في أشد حالات الغضب، وهو يزبد ويرعد، من شدة الغضب، وهو يهدد بفصل هذا السكرتير الذي لا يعرف شيئا. وعندما علمت بالموضوع - كما يقول المتحدث - قمت بتهدئة المسؤول المتصل، في الأخير نجحت في تهدئته، وخاصة عندما شرحت له أن هذا السكرتير جديد وما إلى ذلك، ثم قمت بتعريف السكرتير بالمسؤول، واعتذر، وعمومًا جرت الأمور بعد الغضب وكأن لم يجر شيء. حسنٌ، لنتصور إن هذا الحادث قد جرى مع أحد المواطنين من خارج أروقة المؤسسة، ترى كيف ستكون الأمور، فإنه بكل بساطة سينقل الحادث إلى صديقه، وبالتالي صديق الصديق حتى ينتشر في المجتمع، وبالتالي نجد أن صورة المؤسسة الذهنية والمجتمعية حتمًا ستهتز ويشوبها الكثير من الشوائب. لذلك فإن المؤسسات والمسؤولين الذين يتمتعون بالذكاء الإداري يجب أن يفكروا في تطوير هذه الفئة، ويشعرونهم بالرضا والولاء الوظيفي، يجب أن يشمل تطوير الكثير من المهارات المتعلقة بالذكاء الاجتماعي والتواصلي، بالإضافة إلى الذكاء الإداري والكثير من الأمور المتعلقة بعملهم وطرق أدائهم للعمل. ليس ذلك فحسب، وإنما يجب توفير البيئة المناسبة لأداء أعمالهم، فلا يمكن أن نضع مكاتبهم في أحقر جزء من المؤسسة ونطلب منهم أن يقوموا بالأداء الأمثل للأعمال. وأمور كثيرة ربما يصعب مناقشتها في هذا المقال، ولكن يفضل إعادة النظر إلى هذه الفئة من الموظفين، لأنهم فئة مهمة، فعلاً تحتاج إلى اهتمام، ومن جانب آخر هذه الفئة يجب أن تعيد النظر في تعاملاتها مع الناس. وهذا موضوع آخر. Zkhunji@hotmail.com
مشاركة :