بنهاية هذا العام خسر تنظيم داعش نحو 90 في المائة من عائدات النفط الذي كان يستخرجها من حقول يسيطر عليها في سوريا والعراق فضلا عن جزء كبير من مساحة الأرض التي احتلها في العراق منذ يونيو (حزيران) عام 2014. من جانبها فإن العراق الذي بدأ يستعيد رويدا رويدا أجزاء واسعة من أراضيه التي احتلها «داعش» يواجه، طبقا للتقديرات الاقتصادية، ما بات يوصف بـ«عام أسود» لاقتصاده رغم الآمال المفتوحة على توقيع المزيد من الاتفاقيات مع الصين أثناء زيارة رئيس الوزراء حيدر العبادي لها والتي تسعى إلى زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى ما يتجاوز 30 مليار دولار سنويا. وبينما خسر تنظيم داعش 90 في المائة من عائدات النفط المستخرج مما كان يحتله من أراض في العراق وسوريا فإن ميزانية العراق السنوية فقدت هي الأخرى 90 في المائة من مجمل وارداتها المالية المتأتية من مبيعات النفط. وجعلت خسارة «داعش» للأرض والنفط عام 2016 بمثابة عام أسود عليه في ظل مؤشرات متصاعدة على أنه لم يعد بمقدور هذا التنظيم إحراز أي تقدم بالقياس إلى ما حققه بعد زيادة فعاليات التحالف الدولي وإحكام الطوق عليه من كل الجوانب بما في ذلك العمل على قطع خطوط إمداده وتمويله. في مقابل ذلك فإن العراق الذي يسعى إلى إنهاء الحرب على «داعش» عام 2016، وهو ما يعني توفير نفقات بعشرات المليارات من الدولارات (موازنة الأمن والدفاع تمثل 23 في المائة من موازنة البلاد السنوية)، يحاول من جانب آخر التعويض عن النفقات التشغيلية الهائلة للرواتب والأجور، التي تفوق نصف واردات الموازنة، تفعيل جوانب أخرى في اقتصاده المنهك وهو ما يجعل الكثيرين من الخبراء يرون أنه بمثابة رهان على المجهول. وكان تنظيم داعش قد مثلّ تهديدا حقيقيا للعاصمة العراقية بغداد بعد أن احتل منذ شهر يونيو 2014 نحو نصف الأراضي العراقية في محافظات نينوى وصلاح الدين وديالى والأنبار والأخيرة وحدها تمثل ثلث مساحة العراق، لكنه اليوم، طبقا لما أعلنته الولايات المتحدة الأميركية مؤخرا، خسر نحو 90 في المائة من قدراته النفطية و40 في المائة من الأراضي التي كان يحتلها من العراق ويوشك على فقدان، ليس المتبقي من الأراضي التي احتلها وفي المقدمة منها الموصل والشرقاط والحويجة شمالا، بل أهم حاضنة له وهي الأنبار. المعلومات التي أوردها الناطق باسم التحالف الدولي ستيف وارن تكاد تتطابق مع المعلومات التي بحوزة الجهات العراقية رغم الخلافات العميقة بين الأميركيين من جهة وميليشيات الحشد الشعبي من جهة أخرى خصوصا على صعيد الحرب في الرمادي التي تحولت، طبقا لما يقول مسؤول أمني عراقي في حديث لـ«الشرق الأوسط» طالبا عدم الإشارة إلى اسمه، إلى منطقة متنازع عليها بين الأميركيين الذين تساندهم غالبية العشائر السنية هناك وبين الحشد الشعبي وبدعم من عشائر أخرى أيدت دخول الحشد شأنها في ذلك شأن الكثير من عشائر صلاح الدين بحيث تحولت عملية تحرير تكريت إلى جائزة قطفها الحشد الشعبي، بينما كان الفيصل في تحرير تكريت هو الضربات الجوية التي نفذتها قوات التحالف بعد تأخر المعركة لمدة شهر بسبب عدم القدرة على اقتحام تكريت الأمر الذي جعل الأميركان يصرون على عدم إعطاء دور للحشد في الرمادي مقابل أن يكون هناك دور لأبناء العشائر التي تلقت تدريبا وتسليحا أميركيا. ويضيف المسؤول الأمني أن الأميركيين كانوا قد أبرموا تفاهمات مع عشائر الأنبار والكثير من القيادات السنية السياسية سواء من هو جزء من العملية السياسية أو من الذين يعارضون العملية السياسية حيث قاموا باستدعاء ممثلين عن الطرفين علما أن هذه اللقاءات جرت في واشنطن بمعزل عن الحكومة العراقية وبعدم رضا منها بهدف تكوين تصور عن الكيفية التي يؤمن بها الطرفان لمستقبل الأنبار. وأوضح المصدر أنه في الوقت الذي كان فيه الأميركيون ركزوا على تحرير المدينة والمحافظة بأكملها بالتعاون مع الحكومة المركزية فإن السياسيين المعارضين كانوا قد طلبوا من واشنطن العمل على تحقيق إقليم سني يشمل المناطق المحررة والتي تمتد إلى الموصل بعد تحريرها وهو ما لم يحظ بقبول كامل من قبل الأميركيين لكنهم لم يعارضوا الفكرة كليا لا سيما في أوساط الكونغرس الأميركي. وعما إذا كانت هناك معادلة سياسية جديدة يمكن أن تنشأ بعد تحرير الرمادي، يقول السياسي العراقي إن الأميركيين وطبقا لما أعلنوه مؤخرا عن القضاء على 90 في المائة من قدرات «داعش» النفطية واستعادة 40 في المائة من أراضيه أرادوا إيصال رسالة لخصومهم، وفي مقدمتهم الإيرانيين، مفادها أن الدور الأكبر في تحقيق هذه الإنجازات إنما يعود لضربات التحالف الدولي التي تكثفت خلال الشهرين الأخيرين لا سيما بعد اقتراب بغداد من التحالف الرباعي الذي تمثله روسيا وإيران رغم استجابة العبادي للطلب الأميركي بعدم دعوة الروس لشن ضربات ضد «داعش» داخل الأراضي العراقية. ومع أن الثقل الأميركي بات يزداد قوة بإعلان الولايات المتحدة الأميركية قبيل المباشرة بتحرير الرمادي بيوم واحد من أنها سترسل قوات خاصة بموافقة الحكومة العراقية لتنفيذ مهمات داخل العراق فإن بغداد تبدو حائرة بين الكيفية التي تستطيع بموجبها الخروج من عنق الزجاجة الاقتصادية وبين الاستمرار في الحرب ضد «داعش». فالشكوك لا تزال هي سيدة الموقف لدى أطراف داخل التحالف الوطني (الشيعي) الحاكم من النيات الأميركية حيال «داعش» في العراق. وفي هذا السياق يرى القيادي في ائتلاف دولة القانون صلاح عبد الرزاق، الذي كان يشغل منصب محافظ بغداد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن الحديث المكرر عن إدخال قوات خاصة تكرر كثيرا لا سيما خلال الشهور الأخيرة عندما تم الإعلان عن غرفة التنسيق الرباعي بين العراق وروسيا وسوريا وإيران، مشيرا إلى أن الفارق واضح على صعيد الضربات ضد تنظيم داعش وقوى الإرهاب في سوريا من قبل الطيران الروسي وبين الضربات التي ينفذها طيران التحالف الدولي في العراق. وأضاف عبد الرزاق أن «أداء التحالف الدولي في العراق والذي يضم نحو 60 دولة يعد ضعيفا يضاف إلى ذلك أن الولايات المتحدة الأميركية التي تقود هذا التحالف لم تف بوعودها سواء للحكومة المركزية، على صعيد التسليح والتدريب، أو حتى العشائر السنية في الأنبار التي طالما طالبتها بأن تعمل على تسليحها لمحاربة «داعش» وهم ما لم يتحقق بالطريقة التي كانت تتمناها. لكن في ظل ما يجري في الرمادي اليوم من تقدم للقوات العراقية ومقاتلي العشائر وإسناد التحالف الدولي مع عدم مشاركة ميليشيات الحشد الشعبي فإن موازين القوى على وشك أن تتغير ليس في هذه المحافظة بل في عموم العراق. فالعراق المهزوز اقتصاديا بات يحتاج إلى نصر عسكري وإن كان له ثمنه على صعيد ترتيب الأوضاع السياسية في محافظة تعد هي مفتاح استقرار العراق بينما لم يعد بمقدور «داعش» بعد هذه الضربات تحقيق مفاجأة حقيقية على صعيد المعارك بعد فشل آخر هجوم كبير له قبل أيام في إقليم كردستان حيث تولت قوات البيشمركة هناك وبإسناد أميركي إحباطه.
مشاركة :