قبل 53 عاماً؛ وفي 21 أغسطس 1969 تحديداً، أفاق الفلسطينيون والبشر في أصقاع العالم على جريمة إسرائيلية جديدة بحق المسجد الأقصى المبارك، بعد احتلال مدينة القدس بعامين. وبدأت أحداث إحراق الأقصى باقتحام متطرف أسترالي الجنسية يدعى دينس مايكل روهان، للمسجد من باب المغاربة، وإشعال النار في المصلى القبلي. وشبَ الحريق في الجناح الشرقي للمصلى الواقع في الجهة الجنوبية من المسجد الأقصى، وأتت النيران على واجهات الأقصى وسقفه وسجاده وزخارفه النادرة وكل محتوياته من المصاحف والأثاث، وتضرر البناء بشكل كبير، مما تطلب سنوات لترميمه وإعادة زخارفه كما كانت. والتهمت النيران منبر المسجد التاريخي الذي أحضره صلاح الدين الأيوبي من مدينة حلب السورية، وذلك عندما استعاد المسلمون بيت المقدس عام 1187. وكان لهذا المنبر الجميل مكانة خاصة، حيث إن السلطان نور الدين زنكي أمر بإعداده ليوم تحرير الأقصى، فيما تبين أن المادة الحارقة الشديدة الاشتعال سكبت من داخل المصلى القبلي ومن خارجه. وفي الوقت الذي هرع الفلسطينيون إلى إخماد النيران، بملابسهم ومياه موجودة في آبار المسجد الأقصى، قام الاحتلال بقطع الماء عن المصلى القبلي ومحيطه، وتباطأ في إرسال سيارات الإطفاء. وكعادته؛ زعم الاحتلال أن الحريق كان بفعل تماس كهربائي، غير أن إثبات المهندسين العرب أنه تم بفعل فاعل، أجبر "تل أبيب" أن تكشف أن شاباً أستراليا هو المسؤول عن الحريق، وأنها ستقدمه للمحاكمة، ولم يمض وقت طويل حتى ادعت أن الشاب "معتوه" ثم أطلقت سراحه. منذ ذلك الحريق وهيئات وحقوقيون وشخصيات مقدسية وفلسطينية تؤكد أن جريمة إحراق الأقصى لم تنته، وكانت فصلاً من فصول معركة يشنها الاحتلال على المسجد، تستهدف تقسيمه زمانياً ومكانياً، وإعادة بناء "الهيكل" المزعوم مكانه. وشددوا على أن جريمة الإحراق "لا تقارن بحجم الجرائم الصامتة التي تستهدف واقع القدس اليوم، وحجم التغيير الذي فرضه الاحتلال في المسجد الأقصى منذ إحراقه". وتشير مؤسسات معنية برصد انتهاكات الاحتلال بحق المسجد الأقصى إلى أنه بعد مرور 53 عاماً؛ إلا أن الحريق ما زال مستمراً، ويتواصل بأوجه مختلفة، تتمثل بالاقتحامات والأنفاق والاعتداءات والاعتقالات، ومصادرة الحقوق من أصحاب الحق. ولعل أحدث هذه المخططات؛ قيام آليات الاحتلال الإسرائيلي بأعمال حفر في باب المغاربة وساحة البراق، المؤدية لحارتي الشرف والمغاربة في القدس القديمة، والتي زادت وتيرتها في الفترة الأخيرة لتشمل أماكن متعددة في آن واحد. وتهدف الحفريات لإقامة نفق أرضي بطول 159 مترا، يصل بين منطقة "حارة الشرف"، التي استُبدل اسمها بـ"حارة اليهود"، إلى بداية جسر باب المغاربة المؤدي إلى داخل المسجد الأقصى الذي تستخدمه قوات الاحتلال والمستوطنون في الاقتحامات. وتسعى سلطات الاحتلال إلى تنفيذ مخططاتها التهويدية والاستيطانية بحق المسجد الأقصى، بهدف السيطرة الكاملة عليه، وتغيير معالمه الإسلامية وفرض واقع جديد فيه. من جهتها أكدت "دائرة الأوقاف الإسلامية" بالقدس المحتلة أن "المسجد الأقصى المبارك اليوم وبعد ثلاثة وخمسين عاماً من الحريق، لا يزال يقف صامدا أبياً، رغم جميع ما يتعرض له ومحيطه من محاولات لتهويده وتغيير واقعه الديني والتاريخي والقانوني القائم منذ أمد، كمسجد إسلامي للمسلمين جميعا لا يقبل القسمة ولا الشراكة بكامل مساحته. وأضافت الأوقاف في بيان صدر عنها، أنه "رغم جميع ما يتعرض له المسجد الأقصى المبارك من حفريات في محيطه وأسفل جدرانه، ومحاصرة واقتحامات منظمة من قبل الجماعات اليهودية المتطرفة بحماية الشرطة إلا أنه سيبقى وبإذن الله تعالى مسجدا إسلاميا". وشددت "دائرة الأوقاف الإسلامية" على أن "جميع حراس المسجد الأقصى المبارك والعاملين فيه ومن خلفهم المسلمين جميعا حراساً أوفياء مدافعين عن مسجدهم". وبينت الأوقاف أنه "لا يزال ما تبقى من منبر صلاح الدين الأيوبي في المتحف الإسلامي في المسجد الأقصى المبارك شاهدا على هذه الجريمة النكراء". منذ القدم وإسرائيل تبحث عن التقسيم الزماني والمكاني جريمة إحراق الأقصى كانت البداية لمعركة أكثر دموية وفتكاً
مشاركة :