قليلة هي البحوث الجادة في قضايا الآثار السلبيّة لوسائل التواصل الاجتماعي، وكيف تؤثر بشكل خاص في تشكيل الوعي واعتلال الصحة النفسيّة والعقليّة للمدمنين على هذه الوسائل. وفي ذات الوقت سيجد من يبحث بشكل عميق أن أغلب الدراسات الضخمة حول شبكات التواصل الاجتماعي تتركز على الوقت الذي تستقطعه والعادات وشخصيّة مستخدم هذه المنصات ونحو ذلك مما يخدم التسويق الإلكتروني الضخم. ولا عجب إذ تقدر بعض التقارير حجم سوق الإعلان والتسويق الرقمي العالمي بـ 350 مليار دولار في العام 2020 وتتوقع أن يصل إلى 786.2 مليار دولار بحلول العام 2026. وفي النصف الأول من العام 2022، استقطعت وسائل التواصل الاجتماعي وحدها 33 ٪ من مجمل الإنفاق على الإعلانات الرقميّة العالميّة. والمعروف أن تمويل البحوث يعمد بشكل كبير على ممولين لهم مصالحهم ولهذا كان نصيب دراسات السوق والجوانب الإيجابيّة للشبكات الاجتماعيّة أكبر من الاهتمام بالجوانب ذات التأثير السلبي. ولكن بعض المراكز البحثيّة المستقلة سلمت من هذا المنزلق ولهذا بدأت تظهر في السنوات القلائل الأخيرة دراسات جادة حول متلازمات الشبكات الاجتماعيّة أو ما يعرف علميا أيضا باسم "اضطراب وسائل التواصل الاجتماعي (SMD)". وتعرّفه الدراسات على أنه ذلك الإدمان السلوكي المرتبط بالاكتئاب والوحدة والنرجسيّة وتدني احترام الذات وسوء جودة النوم والأداء الدراسي المنخفض. وتشير أطروحات لمتخصصين مثل Reya Mehrotra إلى أنماط من متلازمات الشبكات الاجتماعيّة مثل متلازمة "التعلّق" حيث يؤدي الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي إلى تجاهل أفراد الأسرة أو الأصدقاء من خلال الانغماس المتواصل على الهاتف. وقد يصل المرء في هذه الحالة لأن يصبح فظا ومتعجرفا بسبب هذه العادة ما يمكن أن يشكل تهديدًا لتقدير الذات والوجود الهادف. وفي الولايات المتحدة رصدت الأكاديميّة الأمريكيّة لطب الأطفال (AAP) ما وصفته باكتئاب الفيس بوك وهي حالة شائعة بين الأطفال والمراهقين ترتبط بالشعور بعدم الشعبيّة حين تنعدم أو تقل الاستجابات على صفحاتهم أثناء تحققهم من موجز الأخبار والصور والمشاركات وما إلى ذلك وقد تكون النتيجة تدني احترام الذات لدى هؤلاء الصغار. وتشخص مراكز الإدمان الإفراط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي مثل أي اضطراب آخر كتعاطي المخدرات. وقد يتعرّض مدمن شبكات التواصل الاجتماعي حَسبَ مركز Addiction Center الأميركي إلى تعديل الحالة المزاجيّة (أي إن المشاركة في وسائل التواصل الاجتماعي تؤدي إلى تغيير إيجابي أو سلبي في الحالات العاطفيّة). كما قد تبدو على مدمن الشبكات أيضا أعراض الانسحاب (أي المعاناة من أعراض جسديّة وعاطفيّة مزعجة عند تقييد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أو إيقافه). وأيضا الانتكاس (أي، يعود الأفراد المدمنون بسرعة إلى استخدامهم المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي بعد مدّة الامتناع). قال ومضى: ما قلَّ على باب الحقيقة ذَلَّ.
مشاركة :