في سنة 2020، قمت بنشر كتاب بعنوان «أصوات عربية: ماذا يقولون لنا ولماذا يهم». لقد كانت تلك محاولة لتعرية الأساطير التي شكلت الخطاب الغربي حول العالم العربي وفهم سبب ترسيخ هذه الأساطير وتقديم حلول لتبديدها وتفنيدها. في فصول منفصلة، طرح الكتاب عددًا من هذه الأساطير أو الأكاذيب الصريحة من قبيل «العرب أكثر عنفًا ويميلون إلى التطرف»، و «العرب يكرهون الغرب»، وما إلى ذلك - ثم أوضحت من خلال استطلاع مكثف للرأي العام العربي كيف أن كل واحد من هذه الأساطير ينطوي على تصور خاطئ للمنطقة وشعوبها. اختتم ذلك الكتاب بعدد من الدروس العملية للحكومات والشركات والتربويين وعامة الناس ليكونوا قادرين على اتخاذ تدابير تصحيحية والعمل على تعزيز فهم أفضل لمثل هذه المسائل الهامة. ما كشفته استطلاعات الرأي التي أجريناها في الولايات المتحدة وأوروبا هو أن التصورات الغربية للعالم العربي غالبًا ما تتشكل من خلال الصور النمطية السلبية والأدلة القصصية المستخدمة لتبرير الآراء المتحيزة. ونتيجة لذلك، فإن فهم الغرب عن من هم العرب وما هي القيم والتطلعات لديهم غالبًا ما جانبت الصواب وسقطت في التجني. غالبًا ما يتحدث صانعو السياسة والمحللون السياسيون الغربيون عن العرب وللعرب، لكنهم نادرًا ما يفكرون في الاستماع إلى العرب من أجل فهم حياتهم بشكل كامل وتلمس احتياجاتهم ومعرفة آمالهم في المستقبل. وكانت إحدى نتائج ذلك التبسيط المفرط لمنطقة معقدة، مما أدى إلى كوارث سياسية مكلفة ووخيمة العواقب. بعد أكثر من عقد من الزمان، لم تستمر هذه الأساطير فحسب، بل استمرت معها، وبسببها، السياسات المضللة والأحكام المسبقة التي كثيرًا ما شوهت تعامل الغرب مع هذه المنطقة الحساسة من العالم. رغم إدراكها لهذه الإخفاقات والأخطاء الماضية، ومع استمرار المواقف المتحيزة التي شكلتها التصورات السلبية، فإن بعض الأصوات القيادية في الغرب تنادي الآن بفك الارتباط بالمنطقة والانسحاب منها. لهذا السبب، كان من المهم بالنسبة لنا أن نتعاون مع معهد توني بلير للتغيير العالمي هذا العام حيث أجرينا استطلاع رأي محدثا في شهر يوليو الماضي شمل سبع دول عربية. واعترافا بأن العالم العربي يقع في النقطة المحورية لثلاث قارات استثمرت فيها الدول الغربية الكثير، وبأنها منطقة ذات إمكانات بشرية هائلة، أوضح المعهد اعتقاده بأن تصحيح المسار هو الخيار الأفضل من الانسحاب وأن المطلوب هو العمل على استبدال الأساطير والمفاهيم الخاطئة بفهم حقيقي. بالنسبة لنا، فإن استطلاعات الرأي تفتح نافذة تتيح سماع الأصوات العربية. أسمي هذه النافذة «العلم المحترم» لأننا نسجل آراء كل مشارك. عند تحليل النتائج تظهر صورة يمكن أن تساعدنا في تبديد الصور النمطية وتصحيح المفاهيم الخاطئة. وإذا انتبهنا لما يقوله لنا الناس، فيمكننا صياغة سياساتنا بشكل أفضل للاستجابة وتلبية احتياجاتهم الحقيقية - وليس تلك التي افترضنا وجودها. في جميع أنحاء المنطقة، تدعم أغلبية قوية من العرب حقوقا متساوية للمرأة في التوظيف وفي مكان العمل. إنهم يفضلون تزويد الشباب بالمهارات التكنولوجية حتى يتمكنوا من المنافسة بشكل أفضل في اقتصاد المستقبل. إنهم هم إما متدينون باعتدال أو علمانيون. إنهم يعتقدون أنه عندما تحكم الحركات الدينية، فإنها تجعل الدول أضعف كما أنهم يعتقدون أن الممارسات الدينية، كما يتم تدريسها في بلدانهم، بحاجة إلى التحديث. لاحظت في كتاب «أصوات عربية» التصور الأمريكي السائد بأن العرب يكرهوننا ويحتقرون قيمنا ويقضون الكثير من الوقت في الاستماع إلى الدعاة والبرامج التلفزيونية التي تعزز هذه الكراهية. كشفت مقارنة هذه النتائج مع استطلاعات الرأي التي أجريناها من جميع أنحاء العالم العربي عن انفصال عميق. لقد وجدنا أن العرب، في الواقع، يحترمون الولايات المتحدة الأمريكية وقيمها في الحرية والابتكار والفرص. أما ما لا يعجبهم فهي سياساتنا تجاههم. إن أولوياتهم السياسية تشبه إلى حد كبير أولوياتنا: عمل آمن، وفرص تعليمية أفضل، ورعاية صحية متطورة. علمنا أيضًا أن معدلات حضور المساجد كانت قابلة للمقارنة مع معدلات حضور الكنيسة، وعندما يشاهد العرب التلفزيون، فإن برامجهم المفضلة هي الأفلام والمسلسلات والبرامج الواقعية وبرامج الألعاب - وبعبارة أخرى، يشاهد العرب التلفزيون للترفيه عن أنفسهم – تماما مثل الأمريكيين. بالنظر إلى أن هذا كان أهم عمل ننجزه في حياتنا فإنه يسعدنا أن المعهد أتاح لنا الفرصة لإجراء استطلاع جديد لاستكشاف القضايا الحساسة التي تواجه العالم العربي اليوم، كما تعهد المعهد أيضا بالنظر بعمق في المواقف العربية ووضع أجندة استشرافية تستجيب للتطلعات العربية. ملاحظة أخيرة لواضعي السياسات والنقاد السياسيين: تحققوا من تحيزاتكم واستمعوا إلى ما يخبرنا به العرب حول ما يريدون. لقد كانت والدتي تقول لي دائما: «إذا كنت تريد أن يسمعك الآخرون، فعليك الاستماع إليهم أولاً». بفضل جهود معهد توني بلير وآخرين، تتكلم أصوات عربية إليكم. استمعوا لما يقولون. { رئيس المعهد العربي الأمريكي
مشاركة :