«في سباق السفن الشراعية، يتجلى البحث دائماً عن السؤال الثقافي، الذي في عمقه الإنساني، يمثل جوهر الممارسة المجتمعية، ورافد لأبعاد الموروث البحري لدولة الإمارات، فالنوخذة على ظهر السفينة، يبحث بشكل أساسي على «السايبه» تلك الرياح المعروفة بحركتها بين الشدة والخفة، ويقف بينهما كالمايسترو، يحيّي مع كامل أفراد الطاقم، معزوفة الارتباط الوجودي بين الإنسان والبحر»، يقول محمد عبدالله حارب، المدير التنفيذي لنادي دبي الدولي للرياضات البحرية. محمد عبدالله حارب محمد عبدالله حارب أخبار ذات صلة «العمل الإماراتي- التايلندي» يناقش سبل استقدام العمالة لطيفة بنت محمد والرئيس التشيكي يبحثان التعاون بين البلدين لغة خاصة ويؤكد حارب لـ «الاتحاد»، أن تنافسية السفن الشراعية في سباق «القفال»، رغم أهميتها الرياضية ومجهودها الذهني والبدني، إلا أنها في مشروعها الوطني والحضاري تعكس لغة خاصة، تتربع في أرواح أهل البحر، وتعبر عن ذاكرتهم المتفردة. ويتابع: «فنحن في عمق السباق، بينما تعلو الأصوات بالأدعية والأهازيج، تتولد فينا مكامن أصالة الموروث، الذي لا يمكن استشعار أهميته وأثره في الفكر المجتمعي، دونما استمرارية للتجربة، فالشخص يحتاج إلى ذلك التلامس المباشر مع الخشب، والحبال، وأقمشة الشراع، إلى صوت الموج العصيّ أحياناً، والمستسلم أحيان أخرى، حيث تشهد شمس النهار على جّل التكاتف بين البحارة، من ينسجمون في لحظة واحدة، لتحقيق احترافية الفوز، الذي إذا ما اقتربنا من المبحث العلمي والمعرفي، فهو يجسد التعابير المكانية لملامح الهوية، ويهديها تصوراً تاريخياً لرحلة الغوص قديماً في الخليج، والتي تنتهي باسم «القفال»، ذو الدلالة الاصطلاحية على انتهاء موسم الغوص لدى أهل الإمارات». ترسيخ الموروث ويعتبر حارب، أن الحديث عن ترسيخ الموروث البحري من الأجداد والآباء وانتقاله إلى الأبناء، يستدعي إدراك تفاصيل تطور الوسائط المعرفية، والتكنولوجيا الإعلامية لماهية أشكال نقل المعلومة، وأهمية مواكبة التطور الذي قد يلقي بظلاله على مضامين العناصر التراثية، فمثلاً السفينة التي تستخدم في السباق، تم تطوير آليات عملها، إضافة إلى استخدام اللجنة المنظمة لسباق «القفال» برامج وتقنيات رصد، تسهم في بيان مواقع السفن، وتسهيل توضيح خطوط المسارات البحرية، ما يطرح مسألة الفهم، لكيفية الموازنة بين العنصر التراثي والتقنية، دونما تغير في الممارسة المجتمعية لحركة السفن الشراعية التقليدية، فالتجربة تحتاج أن يبقى النوخدة والبحارة في مواجهة تامة مع صعوبات الرياح، أن تتحرك أجسادهم في التوافقية التامة مع الطبيعة الأم، وهو بحد ذاته يوجهنا لإحداث التوازن في علاقتنا مع البيئة البحرية، إضافة إلى احترام رغبة الطبيعة في تشكلاتها عبر الرياح الموسمية، فبمجرد العودة لمخزون الموروث البحري، سنلاحظ عمق الحوار الذي يجمع أهل البحر مع الطبيعة، يتغزلون بالرياح والموج، في قصائدهم الشعرية، ويتغنون بجملها اللحنية المتعددة في النهمات، ويوثقونها في الدفاتر والصدور، لكل شيء اسم ودلالة ومعنى، نُقل تدريجياً عبر الحكايا والأمثال الشعبية إلى اليابسة، واتخذ الكثيرون من الدلالات البحرية، مفاهيم فلسفية وفكرية، ساهمت في ازدهار وانفتاح البنى الثقافية للمجتمعات البحرية القريبة من الساحل. دراسة وتوثيق ويرى حارب أن «سباق «القفال» يمثل فضاء معرفياً، لتجربة حيّة، تُلهم المبدعين والمثقفين بمختلف تخصصاتها والأشكال الإبداعية»، داعياً الدارسين في القطاعات الجمالية والإبداعية، للتأمل وتحفيز الرؤى الثقافية والاجتماعية، والمساهمة في تعزيز مكانة السفن الشراعية وممارستها المجتمعية، وبالنسبة لهم في نادي دبي الدولي للرياضات البحرية، فإنهم على أهبة الاستعداد، لتسهيل كل ما يحتاجون إليه، على مستوى المعرفة بالموروث، من معلومات وبيانات تتعلق بالفضاء العام لرحلات الغوص في الإمارات قديماً، وكذلك تجربة النواخذة الحاليين، وتوثيق قصصهم ذات الامتداد العائلي، الذي يضيف حباً لا يزال يُدهش الكثيرين من زوار الوكالات الإعلامية العالمية، والدارسين في مجالات التراث من مختلف دول العالم، ممن يحرصون على فهم هذه الرياضة في كونها انعكاساً مجتمعياً، يقرب مسألة التبادل الثقافي بين مجتمع دولة الإمارات ومجتمعات العالم أجمع، وقد يستغرب البعض، كيف أن إعادة اكتشاف سباق السفن الشراعية، يلعب دوراً جوهرياً في التعريف بالموروث، باعتباره متحفاً بحرياً مفتوحاً لأكثر من جنسية وثقافة تعيش على أرض الدولة، بالمقابل يستشعر فيها الإماراتيين، في كونهم مشاركين في الحفاظ على ثقافتهم ومشروعهم الإنساني في التواصل مع أنفسهم عبر ممارستهم للموروث البحري، ومسؤولية تطوير أشكاله والدراية بقوة حضوره في طرح الأسئلة وفهم مكونات المجتمع. أثر البحر في التفسيرات العديدة لمحمد عبدالله حارب، المدير التنفيذي لنادي دبي الدولي للرياضات البحرية، لأشكال الحياة وتفاصيلها على ظهر السفينة، التي يصل فيها أعداد الطاقم إلى نحو 30 شخصاً، وعلاقتهم الدائمة لفهم «الدقل» و«الدستور» و«الشراع العود» و«الساطور» و«النيم»، وغيرها من المسميات الخاصة بمكونات السفينة، والتي توكل لأشخاص بعينهم من الطاقم، قد حضرت الأسئلة حول كيف للثقافة أن تظهر أثر بيئة البحر على المنتج الإبداعي للمجتمعات الأدبية والفنية، وماذا يمكن أن تقدم التفسيرات الثقافية لسباق السفن الشراعية، من أبعاد تعزز مكانته في التجربة المجتمعية اليومية، بأن تتحول تلك السباقات الرياضية التراثية إلى منتدى اجتماعي وثقافي وإنساني، وتنتقل بمجهوداتها الرياضية، إلى محافل الفضاءات العامة للمبادرات الثقافية، لكونها فعلاً ثقافياً ومجتمعياً وإنسانياً.
مشاركة :