يتعامل عبدالحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الليبية المنتهية ولايتها، بجدية مع تلويحات منافسه باشاغا رئيس الحكومة المدعومة من البرلمان بشأن دخول العاصمة طرابلس وفرض حكومته فيها كأمر واقع. وقالت تقارير إعلامية ليبية إن الدبيبة أمر بتشكيل تجمع ميليشياوي جديد مشكل من مسلحين تابعين لمصراتة يحمل اسم “لواء ليبيا”، وإن هدف هذا التجمع سيكون قيادة عملية التصدي لدخول باشاغا تحت حماية عناصر ميليشيات كان بعضها إلى حد قريب حليفا للدبيبة، وتتمركز حاليا على مشارف طرابلس. وأضافت التقارير أن الدبيبة أصدر قرارا يقضي بإعادة تشكيل ميليشيا “القوة المشتركة مصراتة” تحت اسم “لواء ليبيا”، وخصّص لها مبالغ مالية إضافية، كما كلفها بحماية مقر رئاسة الوزراء في طريق السكة بالعاصمة طرابلس، وذلك بالاشتراك مع ميليشيا “قوة حماية الدستور والانتخابات”. الدبيبة يأخذ مأخذ الجد تصريحات باشاغا الذي يبدو أنه بات في وضع أفضل بعد تغير مواقف دول مؤثرة لفائدته كما شارك الدبيبة، بصفته وزير الدفاع، الاثنين في اجتماع عسكري موسع برئاسة محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي، القائد الأعلى للجيش، وحضور رؤساء الأركان التابعين لحكومة الدبيبة. وقال مراقبون إن الدبيبة يأخذ مأخذ الجد تصريحات باشاغا الذي يبدو أنه بات في وضع أفضل بسبب تغير مواقف الدول المؤثرة في الصراع لفائدته، وسط حديث عن تغير كبير في الموقف التركي داعم لاستلام باشاغا الحكومة، وهو ما يجعل الدبيبة المتحالف مع قائد الجيش في الشرق خليفة حفتر في وضع صعب. وكانت تركيا من أكثر الدول الداعمة لحكومة الدبيبة حتى بعد انتهاء فترة عملها في ديسمبر الماضي، حيث أصدرت الخارجية التركية بيانا أكدت فيه دعمها لحكومة الوحدة الوطنية وحذرت من تشكيل حكومة موازية. لكن علاقة الدبيبة بحفتر قد تكون وراء مساعي أنقرة لتشكيل سلطة تنفيذية جديدة تنهي الانقسام الحاصل، في ظل رفض الدبيبة تسليم السلطة لرئيس الحكومة الموازية باشاغا، وذلك بعد اللقاء الأخير الذي جمع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بكل من نائب رئيس المجلس الرئاسي الليبي عبدالله اللافي ورئيس البرلمان عقيلة صالح. وتتصاعد المخاوف داخل ليبيا وخارجها من أن يتم إدخال باشاغا إلى العاصمة بالقوة من أجل استلام السلطة من الدبيبة، الذي يرفض التخلي عنها قبل إجراء انتخابات في البلاد، ما قد يفجّر القتال بين الميليشيات الداعمة له والأخرى الموالية لباشاغا. ويعرف الدبيبة أن عليه الاستعداد لمعركة عسكرية كبيرة ستجري في طرابلس، سيكون الفائز فيها هو رئيس الحكومة المعترف به محليا وخارجيا، وأن تجهيز الميليشيات الحليفة سيكون شيئا مهما لوقف خطة باشاغا لفرض نفسه رئيسا للحكومة في طرابلس بالذات، في وقت كان يمكن لهذه الحكومة أن تعمل من آي مكان آخر، خاصة من بنغازي، حيث تحوز على ثقة حفتر الحاكم القوي في الشرق. ويلعب الدبيبة على أكثر من واجهة لتثبيت نفوذه في طرابلس، خاصة من خلال البرامج الموجه للشباب وسلسلة من خطط الإنفاق الشعبوية لنيل اعتراف الشارع به، من بينها توزيع الآلاف من قطع الأراضي والشقق الجاهزة والقروض الميسرة للزواج على الشباب. الدبيبة يستبق الأحداث ويؤمّن حكومته الدبيبة يستبق الأحداث ويؤمّن نفسه وفي يوليو الماضي فاجأ الدبيبة الليبيين بإعلانه عن توفير ما سماه بـ”صريرات المال” لعمداء البلاد بمناسبة عيد الأضحى، في تصغير لكلمة صرّة، وهي الكيس، ما تم اعتباره محاولة منه لشراء الذمم والترويج لنفسه وصورته خلال المرحلة القادمة. وفي مقابل ذلك يتمسك باشاغا بورقة شرعيته المستمدة من البرلمان وبعلاقاته الخارجية الأكثر وضوحا، خاصة الدعم الذي يلقاه من مصر. لكن هذه الشرعية لم تحقق له الكثير على الأرض، خاصة بعد فشل محاولته لدخول طرابلس، واكتفائه بترديد الشعارات نفسها بشأن معاودة الكرة، وأن حكومته هي الحكومة الشرعية. وأعلن باشاغا في منتصف مايو الدخول إلى طرابلس مع حكومته، لكنه انسحب بعد ساعات إثر وقوع اشتباكات في العاصمة بين مجموعتين مسلحتين مواليتين لكل من رئيسي الحكومتين، وأحبطت محاولته. وبعد ذلك برر باشاغا هذه الخطوة بأنها جاءت من أجل تجنّب إراقة الدماء من دون أن يتخلّى عن مهامه في طرابلس. وأوضح باشاغا في مقابلة مع وكالة فرانس برس في يوليو الماضي أن “كل الطرقات إلى طرابلس مفتوحة”، مضيفا “تلقّينا عدّة دعوات إيجابية لدخول العاصمة”. ويسود ليبيا انقسام كبير مع وجود حكومتين متنافستين، الأولى في طرابلس جاءت وفق اتفاق سياسي قبل عام ونصف العام برئاسة الدبيبة الرافض لتسليم السلطة إلا إلى حكومة منتخبة، والثانية برئاسة باشاغا عينها برلمان طبرق (شرق) في فبراير الماضي ومنحها الثقة في مارس. وخرجت تظاهرات في أوائل يوليو في جميع أنحاء البلاد ضد تدهور الظروف المعيشية وانقطاع التيار الكهربائي، وللمطالبة بتجديد الطبقة السياسية، من ضمنها الدبيبة وباشاغا. وتمكّن المتظاهرون من الدخول إلى برلمان طبرق (شرق)، قبل أن يضرموا فيه النيران.
مشاركة :