1 - يقوم التنوير كما هو مفترض على أفكار تعلي من شأن العقل والطبيعة والتقدم وقيم الحرية والمساواة والإخاء.. هذا الفكر التنويري انطلقت شعلته الأولى مع ثورة «مارتن لوثر» في القرن السادس عشر، وتشكلت أفكاره وفلسفاته في القرن السابع عشر، وأثمرت نتائجه في القرن الثامن عشر من خلال الثورة الصناعية في إنجلترا والثورات الفرنسية والروسية والاستقلال الأمريكي، وكتابة الدساتير، وإعلان حقوق الإنسان.. لقد أشاع فكر التنوير عدة قيم إنسانية لا زالت قائمة إلى اليوم. 2 - إنجازات التنوير العظيمة ظهرت لها نتائج سلبية جانبية ضارة.. فرغم استقرار فكر التنوير في وجدان وفهم الإنسان الأوروبي إلا أنه لم يسلم من البربرية والوحشية في حروبه ودمويته في القرن العشرين.. وهو ما دعا مفكري الغرب إلى إعادة النظر في فكر التنوير، فانقلبوا على العقل ونقدوه بل وحطموه، فالاتجاهات التسلطية التي ارتكزت على العقل البحت في هيمنتها على الناس والتسلط عليهم حيث برزت الحركات النازية والفاشية والشيوعية والحكومات الشمولية التي هان عندها تحكم الكنيسة.. فقهرت الحريات الفردية باسم الأمن وحماية النظام ومصلحة الجماعة ومقاومة العدو الخارجي. 3 - يتهم بعض المفكرين التنوير بأنه نظر للبشر وللعلوم وللأشياء بمنظار عقلي بحت، مما حولهم إلى سلع.. وتم الفصل بين المعرفة والحكمة والعلم والمثل العليا، فأصبح البشر والعلوم والأشياء سلعاً تباع وتشترى.. وبُرِّرت الوسيلة في سبيل الغاية.. أي أن التنوير (من وجهة نظرهم) رغم أهميته الحيوية في تطور الإنسان وتقدمه إلا أنه لم يستطع أن يوفر المرجعية الأخلاقية للأجيال القادمة. 4 - حركة التنوير نشأت مناهضة للكنيسة وتعاليمها لذلك وُصِمت بأنها إلحادية.. وإن كان الآباء المؤسسون لها عرّفوها بأنها تعني التحرر من التعاليم الموروثة التي فرضت من سلطة عليا.. وأنها تهدف إلى إعادة صياغة الحياة على أساس النظر العقلي، وتنادي بأن العقل هو الوجود الحقيقي للإنسان، وأنه لا وصاية على الإنسان من أي سلطة عليا سوى العقل. 5 - ومن المظاهر الجانبية الضارة للتنوير اتضاح صورة الرأسمالية الجشعة التي أوجدت ذلك التفاوت في الثراء بين الناس.. فعادت الطبقية في أسوأ أشكالها، وأصبح استعباد الناس واستغلال المهاجرين ونهب ثروات الدول الضعيفة سياسة عامة فيها مصلحة خاصة تبرر وحشيتها.. وأصبحت الأنانية هي المقابل للمساواة، وتحول العقل إلى مادي بحت لا مكان فيه للأخلاق والرحمة بل للمصلحة العليا التي هي مصلحة السلطة. 6 - كان للفكر التنويري أثر سيىء آخر ظهر في طريقة استهلاك الناس واستغلال الموارد الطبيعية للأرض نتج عنه التلوث البيئي.. حيث سيطر الإنسان على الطبيعة فلوث الماء والهواء والتراب لصالح أعماله ومصلحته.. وهذا أثّر بدوره على المناخ الذي رفع من درجة حرارة الأرض ونشر التصحر وأصبح الماء والغذاء مهددين للبشر نتيجة شحهما. 7 - يقول (آدم سميث) مفكر الرأسمالية الأول: في المجتمعات هناك من يُنْتج وهناك من يستهلك.. وفي كل المجالات المنتجون قلة أما المستهلكون فهم البقية من الناس.. بما في ذلك الإنتاج في مجالات الفكر والمعلومات.. حيث يطرح هؤلاء على العامة الآراء والأفكار والعلوم الجديدة، جزء بسيط منهم يعرفون ما يقتنون، لكن البقية العظمى من الناس يشترونها من منتجي الفكر والمعلومات تماماً كما يشترون أحذيتهم ممن يصنعونها.. بمعنى أن أرباب الفكر والمعلومات ما هم سوى تجار يعرضون بضاعتهم للمستهلكين، وعلى المستهلك أن يعرف كيف يستخدمها.
مشاركة :