القاهرة – لا تزال الحكومة المصرية تعاني من تركيز بعض وسائل الإعلام الغربية على السلبيات، وبدت كأنها عاجزة عن التصدي لما وصفته بالحملات الممنهجة التي تسعى لتشويه صورة الدولة من خلال تقارير يتم نشرها بشكل شبه متكرر، وتقول إنها تخالف الحقيقة وتتعارض مع الإنجازات التي تحدث على أرض الواقع. يأتي هذا في وقت يقول فيه خبراء إن المشكلة تكمن في أن القاهرة تدفع فاتورة فشلها في جعل الإعلام المصري قادرا على تقديم صورة حقيقية عن مصر، واكتفائه بترديد ما تقوله الحكومة. وقال مصطفى مدبولي رئيس الوزراء المصري الاثنين إن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع له رصد 150 مقالا تم نشرها في صحف ومواقع إخبارية عالمية، أغلبها يحمل صورة سلبية عن مصر، مدفوعة من جانب جهات معينة، لم يسمها، ولا بد من الرد عليها بشكل عقلاني. واعتادت جهات حكومية، مع كل أزمة تتعرض لها البلاد بسبب الإعلام الأجنبي، تجاهل الأسباب الحقيقية التي أدت إلى عدم نقل صورة دقيقة، في ظل اعتمادها على تصورات إعلامية لا تتواكب مع التطورات الحديثة وأدبيات الإعلام التي تتطلب هامشا كبيرا من الحرية، وبدا الإعلام المصري كأنه يخاطب نفسه، والحكومة تدفع ثمن ذلك. الحديث عن المؤامرة لم يعد كافيا، ولا بد من الاعتراف بوجود أزمات يعاني منها الإعلام حتى صار عاجزا عن نقل الحقيقة ويقول خبراء إن هناك أزمة ظاهرة نتيجة عدم قدرة الجهات الرسمية على الرد على ما تنشره وسائل إعلام عالمية حول وقائع سياسية واقتصادية وأمنية واجتماعية محددة، وغالبا ما يأتي الرد عبر وسائل إعلام محلية لا نفوذ كبيرا لها ودون امتلاك أدوات تأثير ومعلومات قوية للرد على ما يتم نشره هنا وهناك. ونشرت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية أخيرا مقالا للكاتب ستيفن كوك، أشار فيه إلى أن الكثير من المشروعات الضخمة التي أقيمت في مصر ليست إلا “محاولة لإظهار الثراء المجتمعي، بينما يعيش الشعب المصري في معاناة بسبب الضغوط الاقتصادية والحوادث المتعاقبة”. ويبدو أن تأثير شركات العلاقات العامة التي توسعت القاهرة في التعاقد معها بات محدودا، لأن المعضلة الحقيقية تكمن في مواصلة جهات مصرية ترديد نظرية المؤامرة أكثر من الاهتمام بصياغة خطاب إعلامي ناضج وموجه إلى الخارج، ووجود إصرار على العمل بطريقة تقليدية لا تقوى على مجابهة وسائل الإعلام المعادية. ويشير الخبراء إلى أن استمرار الحديث عن المؤامرة التي تتعرض لها الدولة لم يعد كافيا، ولا بد من الاعتراف بوجود أزمات يعاني منها الإعلام حتى صار عاجزا عن نقل الحقيقة، وهو ما يضاف إلى مشكلة انكفاء المسؤولين ورفضهم التجاوب والحوار مع وسائل الإعلام المحلية والأجنبية والرد على ما يتم ترديده من معلومات مغلوطة. ويطالب الخبراء الحكومة بأن تدرك حقيقة المشكلة بلا رتوش، بدلا من تسطيحها والعزف دوما على وتر أن هناك حملة ممنهجة لتشويه صورة الدولة، وتعي أن قوة الإعلام ضمانة أكثر فاعلية لإظهار الحقيقة وإبراز الإنجازات والرد على ما تعتبره شائعات. وترتب على ضعف الإعلام المحلي أن ثقة المراسلين الأجانب في ما تقدمه المنابر المصرية من محتويات باتت شبه منعدمة، ما جعلهم ينصرفون عن متابعته كما يفعل الجمهور المصري نفسه، وهو ما يتطلب اعترافا حكوميا بالمشكلات التي تجابهها الدولة في مؤسساتها قبل إلقاء اللوم على الإعلام الأجنبي، مهما كانت نواياه. مصر وتعاني الهيئات التي تقع على عاتقها مسؤولية صناعة وتصدير صورة مصر في الخارج من مشكلات لا تقل خطورة عن تلك التي تواجه وسائل الإعلام، لأنها تعمل في جزر منعزلة وعاجزة عن التوافق حول رؤية تلتزم بها أطراف تتعامل مع الإعلام الأجنبي. وخلصت دراسة بعنوان “مصر في عيون الإعلام الغربي” إلى أن الكثير من وسائل الإعلام الأجنبية تركز على جانب واحد بشكل لا يصل بالصورة كاملة، والردود الرسمية، إن وجدت، لا تدحض الفكرة الأساسية التي قام عليها المحتوى المنشور، وبالتالي تظل الصورة الذهنية عن الدولة المصرية سلبية. وقال حسن علي، أستاذ الإعلام بجامعة السويس ورئيس جمعية حماية المشاهدين، إن تحدث الإعلام المصري مع نفسه جعله يغيب عن الساحة الدولية، واستغلت بعض المنابر المعادية للدولة هذا الفراغ، وصارت لها تأثيرات على الرأي العام، لأن الرد المصري في أحيان كثيرة لا يكون مقنعا للجمهور. وذكر لـ”العرب” أن مصر بحاجة إلى توصيل صوتها بعيدا عن الكم الهائل من المنابر المحلية قليلة المصداقية التي لم تستطع إقناع المواطن بما يحدث بالقرب منه، وعلى الحكومة أن تُدرك أهمية التحرك بطريقة تتناسب مع التطورات في حقل الإعلام. ويُتهم الإعلام المصري من بعض العاملين فيه بأنه يهتم بالاصطفاف خلف الحكومة والترويج لإنجازات القيادة السياسية باللغة المحلية، وعندما يتبنى وجهة نظر الدولة ويدافع عن حقوقها المشروعة لا يستطيع مجاراة المنابر الخارجية، وإذا شعر بعدم القدرة على الرد يلجأ إلى إقناع المشاهد بأن ما يحدث في صميم “المؤامرة”. وأكد حسن علي لـ”العرب” أن مصر ليست لديها أزمة تمويل لتقوم بإطلاق قنوات إخبارية دولية تضاهي نظيرتها العربية والإقليمية، كما أعلن مؤخرا، فالإعلام المصري يمتلك كفاءات تؤهله لصناعة محتوى قوي ومؤثر، لكن المشكلة تكمن في الاعتماد على وجوه مكررة وعدم تقديم كفاءات مهنية ومحترفة وواعية بطبيعة ما يدور حولها. وأصبحت الحكومة تدفع فاتورة باهظة لأنها تتجاهل وضع إستراتيجية إعلامية واضحة ومحددة الملامح، وتصر على استمرار الحال القائم بلا تغيير حقيقي ويتم قصر الأمر على تدوير بعض الوجوه بين القنوات، وبقيت العقليات نفسها في الصدارة حتى غرق الإعلام في الفوضى وغابت عنه المهنية التي منحت فرصة لآخرين لاستغلال المساحة الكبيرة من الفراغ وتصدير خطاب إعلامي حاد لمصر. مصداقية الإعلام المصري في تراجع مستمر مصداقية الإعلام المصري في تراجع مستمرّ وعندما سيطرت أجهزة حكومية على معظم مؤسسات الإعلام، وسلمتها إلى شركة وطنية لتدير المشهد بقيت المعضلة في الاهتمام بالمردود المادي من منطق اقتصادي مع أن الكثير من القنوات الأجنبية الناطقة بالعربية وتصل إلى الجمهور المصري لا تهتم بالنواحي المالية بقدر ما تبحث عن وجود معنوي قوي على الساحة. وتكمن الخطورة في أن الكثير من المنابر الإعلامية التي تصدر صورة قاتمة عن مصر تحظى بنسب مشاهدة عالية من المواطنين لأسباب مرتبطة بمحاولة وسائل الإعلام المصرية إخفاء الحقيقة أو تجميل الصورة، أو أنها تفتقد إلى المصداقية، وبالتالي مهما حاول إعلام الحكومة إقناع الناس بالإيجابيات تظل هناك منابر أخرى تقنعه بالسلبيات. وأمام تراجع مصداقية الإعلام المصري أصبحت خيارات الجمهور محدودة، فهو يعتمد على منصات التواصل للحصول على المعلومة أو مشاهدة قنوات خارجية توحي للناس بأنها مهنية ومتوازنة مع أن رسائلها قد تكون مسمومة فعلا وتتعمد تشويه الصورة، وهناك قطاع اضطر إلى مقاطعة الإعلام المحلي أو متابعته على استحياء. وقد يصبح الإعلام المصري مؤهلا للتأثير شريطة التعامل بواقعية مع متطلبات المهنة العصرية والاستعانة بمتخصصين محترفين، فليس من المعقول أن تبحث القاهرة عن دور ونفوذ والبعض فيها يصرّ على أن يخاطب نفسه، وبلغة لا يقبلها الجمهور.
مشاركة :