وزعت إسرائيل، العدو الإقليمي اللدود للجمهورية الإسلامية، جهودها على جبهات عدة، من زيارات لمسؤوليها الى واشنطن، ومباحثات مع قادة دول غربية، وتصريحات للصحافة الأجنبية. وفي خضم حملته للانتخابات التشريعية المقررة في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر، حث رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد الدول الغربية الأربعاء على وقف مباحثات إحياء الاتفاق التي بدأت العام الماضي، معتبرا أن أي تفاهم سيمدّ خزائن إيران بالمال و"يقوض" استقرار الشرق الأوسط. أتى ذلك في أسبوع شهد زيارة مستشار الأمن القومي الإسرائيلي الى واشنطن التي يتوجه إليها أيضا صباح الخميس وزير الدفاع بيني غانتس لبحث ملفات عدة بينها النووي الإيراني، وفق ما أفاد معاونوه وكالة فرانس برس. أتاح اتفاق العام 2015 بين إيران والقوى الكبرى (الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، روسيا، الصين وألمانيا)، رفع عقوبات دولية كانت مفروضة على طهران، مقابل خفض أنشطتها النووية وضمان سلمية برنامجها وعدم تطويرها سلاحا ذريا، وهو ما نفت مرارا السعي الى تحقيقه. الا أن مفاعيله باتت في حكم اللاغية مذ قرر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب سحب بلاده أحاديا منه في 2018، معيدا فرض عقوبات قاسية على طهران. ولقيت الخطوة ترحيب إسرائيل، ودفعت إيران اعتبارا من العام التالي، للتراجع عن التزامات أساسية في الاتفاق وتسريع وتيرة برنامجها النووي خصوصا لجهة تخصيب اليورانيوم. لكن جو بايدن الذي خلف ترامب في الرئاسة الأميركية، أبدى عزمه على إعادة بلاده الى متن الاتفاق، بشرط عودة إيران لالتزاماتها. وبعد مباحثات متقطعة بدأت منذ نيسان/أبريل 2021، بلغت المفاوضات غير المباشرة بين الطرفين مرحلة حاسمة: فقد طرح الاتحاد الأوروبي، منسق المباحثات، مسودة تسوية "نهائية"، علّقت عليها إيران الأسبوع الماضي، وتنتظر رد الولايات المتحدة بشأن ذلك. وألمح مسؤول أميركي الثلاثاء الى أن طهران قدمت "تنازلات بشأن قضايا حاسمة" في الآونة الأخيرة، ما قد يمهّد الطريق أمام تفاهم، على رغم تأكيده تبقي نقاط تباين. ووفق المتداول، وضع الطرفان جانبا حاليا طلب شطب اسم الحرس الثوري من القائمة الأميركية للمنظمات "الإرهابية" الأجنبية، بينما يتم الحديث عن ليونة متبادلة في الملف المفتوح من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن مواقع غير معلنة يشتبه بأنها شهدت أنشطة نووية، على رغم عدم اتضاح الصورة نهائيا بعد بشأن هذه المسألة. وأثار التقدم مخاوف إسرائيل ودفعها الى الضغط لمنع إحياء اتفاق كانت من أشد منتقديه. وقال لبيد للصحافيين "على الطاولة الآن صفقة سيئة، ستمنح إيران 100 مليار دولار سنويا". وأضاف أن هذه الأموال ستستخدمها فصائل مسلحة مثل حركة حماس وحزب الله والجهاد الإسلامي "لتقويض الاستقرار في الشرق الأوسط ونشر الرعب في جميع أنحاء العالم". ولم يشرح رئيس الوزراء الإسرائيلي ما يستند إليه لطرح هذا الرقم. وأضاف إن الاتفاق "في نظرنا، لا يفي بالمعايير التي حددها بايدن نفسه: منع إيران من أن تصبح دولة نووية". وأبدى مسؤول إسرائيلي كبير اليوم انتقادات لأن مشروع التفاهم الذي لم يتم كشف مضمونه بشكل رسمي، لا يلحظ التخلص بالكامل من أجهزة الطرد المركزي الإيرانية المتطورة لتخصيب اليورانيوم، ما سيسمح لطهران بـ "إعادة تشغيلها" متى رأت الفرصة سانحة لذلك. وعلى رغم عدم اعترافها رسميا بذلك، يؤكد خبراء أن إسرائيل هي الوحيدة في المنطقة تمتلك ترسانة من الرؤوس النووية. كما اتهمتها طهران خلال الأعوام الماضية، بالوقوف خلف عمليات اغتيال لعلمائها وتخريب منشآتها النووية. وعلى الرغم من تبدّل في موقف إيران، ما زالت إسرائيل تعارض بشدة الصفقة التي ستفضي إلى رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على الجمهورية الإسلامية. وأضاف لبيد الذي تحدث إلى قادة بريطانيا وفرنسا وألمانيا في الأيام الأخيرة "أخبرتهم أن هذه المفاوضات وصلت إلى النقطة التي يجب أن يتوقفوا فيها ويقولوا ’كفى’. ... نحن ضد هذا الاتفاق لانه سيئ". من جهته، حضّ رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت الثلاثاء بايدن على "الامتناع، حتى في اللحظة الأخيرة، عن توقيع اتفاق مع إيران". وطرحت الصحافة الإسرائيلية الأربعاء أسئلة بشأن ما اذا كانت الحكومة مقتنعة فعليا بقدرتها على اقناع الغربيين بترك طاولة المفاوضات، أو إنها بدأت تتحضر للتعامل مع فكرة إحياء الاتفاق المعروف رسميا باسم "خطة العمل الشاملة المشتركة". وبالتوازي مع المباحثات بين إيران والغربيين، تنخرط إسرائيل بدورها في مفاوضات غير مباشرة مع لبنان بوساطة أميركية، تتعلق بترسيم الحدود البحرية بين البلدين بشكل يتيح استخراج الغاز والنفط من شرق المتوسط. وشدد مسؤول إسرائيلي الأربعاء على عدم وجود تناقض بين رفض الاتفاق مع إيران، والتفاوض في الوقت عينه مع لبنان حيث يعد حزب الله المدعوم من طهران، أبرز قوة سياسية وعسكرية وعدوا لدودا للدولة العبرية. ورأى المسؤول أن اتفاقا بين البلدين سيتيح للبنان الاستفادة من الموارد المالية التي يحتاج إليها بشدة في ظل أزمته الاقتصادية الراهنة، من دون أن يؤدي ذلك الى تعزيز موقع حزب الله الذي يلوّح منذ أسابيع بالتصعيد عسكريا ما لم تحصل بيروت على حقوقها في مسألة الترسيم الحدودي البحري. وأضاف "لا أرى سببا لمواجهة مع حزب الله حول هذه المسألة".
مشاركة :