الجزائر/باريس - ما تريده فرنسا من الجزائر وما تريده الجزائر من فرنسا يبدو أكبر من أن تحله زيارة الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون للمستعمرة الفرنسية السابقة. وتجري الزيارة في أجواء مشحونة بينما الهدف المعلن منها طي صفحة التوترات وتدشين مرحلة جديدة من التعاون. ويعلق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون آمالا في أن تطوي رحلته إلى الجزائر والتي تستغرق ثلاثة أيام اعتبارا من يوم غد الخميس، صفحة الخلاف الدبلوماسي معها وتسمح له بتطوير علاقته مع الشبان الجزائريين، لكن قد يكون من الصعب كسب زعماء الدولة الواقعة في شمال أفريقيا. ويريد الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون التزامات استثمارية قوية، يبدو من غير المرجح الإعلان عنها هذا الأسبوع، وأن يتراجع ماكرون عن تعليقات أدلى بها العام الماضي حول تاريخ الجزائر والنخبة الحاكمة فيها. وبالنسبة لفرنسا، فإن العلاقات الأفضل مع مستعمرتها السابقة تزداد أهمية لأن نقص الطاقة بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا أدى إلى زيادة الطلب على الغاز من شمال أفريقيا، وكذلك بسبب الهجرة المتزايدة عبر البحر المتوسط. وتريد الجزائر الاستفادة من ارتفاع أسعار الطاقة لتأمين عقود كبيرة ومشروعات استثمارية، كما فعلت بالفعل مع إيطاليا وتركيا، لتأمين الإيرادات التي ستساعدها على تجاوز أي سنوات عجاف في المستقبل. وقال مسؤول جزائري طلب عدم ذكر اسمه "الجزائر تريد علاقات اقتصادية قوية وشراكة جادة". وقالت الرئاسة الفرنسية إن وفد ماكرون سيضم رئيسي شركة إنجي للهيدروكربونات وشركة فري للتكنولوجيا، لكن لن تكون هناك عقود أعمال كبيرة. وعندما زار ماكرون الجزائر آخر مرة في عام 2017، استقبله الشبان الجزائريون بحرارة المتلهف للتباين بين شبابه وشيخوخة زعمائهم، وعبروا عن سعادتهم بوصفه الحكم الاستعماري الفرنسي لبلدهم بأنه "جريمة ضد الإنسانية". وفي أحد شوارع الجزائر العاصمة، قال نورالدين أيوب اليوم الأربعاء "لن ننسى ما قاله عندما سُئل عن الحرب في الجزائر". ويبدو أن ماكرون حريص على البناء على هذه النية الطيبة هذا الأسبوع إذ من المقرر أن يقوم بزيارة لإحياء ذكرى "شهداء" استقلال الجزائر عن فرنسا وحضور حفل لرقص البريك دانس وزيارة متجر اشتهر بدوره في موسيقى البوب "الراي" في شمال أفريقيا. وقال مستشار لماكرون "اختار الرئيس التركيز على المستقبل خلال هذه الزيارة"، لكن رغبة ماكرون المعلنة منذ فترة طويلة في الخروج من الإرث القبيح للحكم الاستعماري الفرنسي في الجزائر وإحباطه من نظرة السلطات الجزائرية لتلك الفترة، تسبب في وقوعه في خطأ كبير العام الماضي قد يلقي بظلاله على رحلته. وفي تعليقات على مسار الانتخابات، أشار إلى أن الهوية الوطنية الجزائرية قد تشكلت في ظل الحكم الفرنسي وأن قيادة البلاد أعادت كتابة تاريخ النضال من أجل الاستقلال على أساس كراهية فرنسا. ودفع ذلك قادة الجزائر إلى سحب سفير البلاد للتشاور وإغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات الفرنسية، مما عرقل مسارات النقل أمام البعثة العسكرية الفرنسية في منطقة الساحل. وتشير الأجواء في الجزائر العاصمة إلى أن تبون وحلفاءه العسكريين ربما لا يزالون منزعجين. ونشرت وسائل الإعلام الحكومية، التي غالبا ما تعكس نبرتها التفكير الرسمي، قصصا تنتقد فرنسا قبيل زيارة ماكرون. ونقل تقرير لوكالة أنباء رسمية هذا الأسبوع عن منظمات جزائرية مطالبتها لماكرون بوقف استضافة مجموعات في فرنسا يرونها معادية للجزائر ومدعومة من خصمها الإقليمي الرئيسي المغرب. وعبر ساسة محافظون عن انزعاجهم من قرار ماكرون إحضار أسقف الجزائر وحاخام فرنسا الأكبر لزيارة مقبرة لغير المسلمين تعود إلى الحقبة الاستعمارية. وقال عبدالرزاق مقري رئيس حركة مجتمع السلم (حمس) أكبر الأحزاب الإسلامية في الجزائر، إن هذه الخطوة تهدف على ما يبدو إلى تشجيع الجزائر على تطبيع العلاقات مع إسرائيل. وقال المسؤول الجزائري "مواقف الجزائر معروفة. لن تتغير... فرنسا دولة علمانية. لا نعرف سبب وجود رجل دين في الوفد".
مشاركة :