من المعلوم أن التغير المناخي قد أصبح من أكثر الظواهر الطبيعية المقلقة عالميًا، ولم تعد أي دولة بمنأى عن تأثيراته، وجوهر هذا التحدي لدول الخليج هو المواءمة بين إنتاجها من النفط الخام ومشتقاته -الذي مازال إلى الآن يمثل عماد اقتصادها، وعماد أمن الطاقة العالمي- والضغوط الواقعة على هذا المورد، باعتبار أن تزايد استهلاكه يعد من أهم مسببات التغير المناخي. وفي هذا الإطار، تستضيف دولة الإمارات العام القادم مؤتمر «المناخ»، كما ستكون دول الخليج مشاركا كبيرا في مؤتمر المناخ الذي تستضيفه مصر في «شرم الشيخ» هذا العام، ولهذا أيضًا فإن السعودية، قد عينت في مايو الماضي مبعوثًا لها لشؤون المناخ، وهو «عادل الجبير»، وزير الدولة للشؤون الخارجية، وسبقتها في ذلك في نوفمبر 2020 دولة الإمارات، التي اختارت الدكتور «سلطان بن أحمد الجابر» وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة مبعوثًا خاصًا لتغير المناخ والاستدامة، وكانت مملكة البحرين سباقة في هذا الشأن حين أولت الدكتور «محمد بن مبارك بن دينه»، منصب المبعوث الخاص لشؤون المناخ في 2014، وبهذا فإن هذه الدول الخليجية قد دشنت ما يمكن تسميته بـ«دبلوماسية المناخ». وتسعى هذه الدبلوماسية إلى التعامل مع احتمالية اتجاه بعض دول العالم إلى تقليص استخدام النفط والغاز والفحم في السنوات القادمة، من أجل تقليل الانبعاثات المتسببة في ارتفاع درجات الحرارة، ومن ثم الحد من الآثار السلبية لتغير المناخ، كما تسعى إلى التعامل مع ما تتعرض له منطقة الخليج -التي تعاني أصلًا من ارتفاع درجات الحرارة- إلى مزيد من هذا الارتفاع بفعل التغيرات المناخية. ويأتي الولوج الخليجي إلى هذه الدبلوماسية متواكبًا مع التغير الحادث في سياسات الدول الكبرى بشأن التعامل مع ظاهرة التغير المناخي، فقد وضعت الولايات المتحدة الأمريكية منذ قدوم «بايدن» شؤون المناخ على رأس اهتماماتها، وكذلك فعلت المملكة المتحدة التي استضافت مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي في نسخته «26»، وأعلنت الصين -ثاني أكبر مصدر للانبعاثات في العالم بعد الولايات- هدف الوصول إلى الحياد الكربوني في 2060، وأعلن الاتحاد الأوروبي الوصول إلى هذا الهدف في 2050 وكذلك الولايات المتحدة. وبهذا، يكون نحو 70% من الاقتصاد العالمي قد تبنى هذا الحياد والوصول إليه في هذا التاريخ، ما يمكن من جعل الاحتباس الحراري عند حد 1.5 درجة مئوية قابلًا للتنفيذ، ومفهوم الحياد الكربوني يعني: «التوازن ما بين إطلاق الغازات الدفيئة وإزالتها»، وفي هذا الشأن أعلنت ثلاث دول خليجية هي السعودية والإمارات والبحرين الوصول إلى هدف الحياد الكربوني في 2050 بالنسبة للإمارات و2060 لكل من السعودية والبحرين، كما قدمت دول الخليج خططها الوطنية بموجب التزاماتها في اتفاقية باريس للتغير المناخي 2015. يأتي هذا فيما تعهدت شركة «أرامكو» الوصول إلى الحياد الكربوني في2050م، وتعهدت شركة بترول أبوظبي الوطنية «أدنوك» بخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 25% بحلول عام 2030م، كما استثمرت قطر في تكنولوجيا الغاز الصديق للبيئة، حتى أمكنها تصدير شحنة غاز طبيعي مسال خالية من الكربون إلى سنغافورة، وأعلنت عن دمج تكنولوجيا احتجاز الكربون في خطط توسعاتها، وانضمامها إلى مبادرة الوصول إلى هدف صفر في انبعاثات غاز الميثان. وفيما يعد إنتاج النفط الخام وتصديره ومشتقاته، وإنتاج الغاز وتصديره أعمدة الاقتصادات الخليجية، ولا بديل حتى الآن تستغني به عنه، وهي أيضًا تسعى لزيادة الإنتاج وتتبنى تكنولوجيا تخرج منتجًا صديق للبيئة، وتتجنب الضغوط العالمية لخفض هذا الإنتاج، ولذا فـ«دبلوماسية المناخ» التي اتبعتها الدول الخليجية تتبنى استراتيجية متوازنة، ففي الوقت الذي تؤيد وتدعم فيه الجهود العالمية لمواجهة التغير المناخي، وتدخل في اللغة المشتركة لحوارات هذه الجهود، تشجع على استخدام التقنيات الجديدة مثل التقاط وتخزين الكربون وإنتاج الهيدروجين الأخضر، كما تسعى هذه الدبلوماسية إلى أن يكون أمن الطاقة العالمي بعيدًا عن زيادة استخدام موارد أكثر انبعاثًا للغازات الدفيئة كالفحم، بالإعلان عن زيادة إنتاجها النفطي، كما أعلنت السعودية الوصول إلى رقم إنتاج 13 مليون برميل يوميًا بحلول 2027، ومن المعلوم أن السعودية وحدها تزود سوق الطاقة العالمي بنحو 10% من احتياجاته النفطية، وتمتلك احتياطيات نفطية بنحو 265 مليار برميل قيمتها الحالية نحو 22.5 تريليون دولار. وفي مايو 2021 أعلنت السعودية مبادرة السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر، في اتجاه زيادة الاعتماد على الطاقة النظيفة، وتحييد الآثار السلبية الناتجة عن استخدام النفط، ودعت في هذا الشأن إلى إطلاق صندوق إقليمي لضخ استثمارات بأكثر من 10 مليارات دولار لتمويل تكنولوجيا خفض الانبعاثات الكربونية، وتطوير الطاقة النظيفة وزيادة نسبتها في توليد الكهرباء إلى 50% بحلول 2030، وتنفيذ أكبر برنامج إعادة تشجير في العالم بزراعة 50 مليار شجرة، منها 10 مليارات في السعودية، وأعلنت السعودية كذلك تأسيس مؤسسة المبادرة الخضراء كمنظمة غير ربحية تسعى إلى دعم وضمان تنفيذ أهداف مبادرة السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر. وفي السياق ذاته تعتزم دولة الإمارات العربية المتحدة تنفيذ استثمارات بقيمة نحو 164 مليار دولار في مجال الطاقة النظيفة محليًا ودوليًا، وإنشاء مشاريع في مجال إنتاج الطاقة الشمسية والهيدروجين الأخضر، ما يعزز الجهد العالمي في الاعتماد على مصادر منخفضة الكربون. ومن المنتظر أن تسفر دبلوماسية المناخ الخليجية عن عقد شراكات طويلة الآجل بين دول الخليج المنتجة والمصدرة والدول المستوردة، مع تبني الطرفين تكنولوجيا تقليل الانبعاثات الكربونية، ما يؤمن للدول الخليجية أسواق مستدامة، ويجنبها الآثار الاقتصادية للتحول عن استخدام النفط والغاز كمصادر للطاقة. وإذا كان العالم في الوقت الحالي لا يستطيع الاستغناء عن النفط والغاز، وسيظل النفط المصدر الأول للطاقة عالميًا على الأقل حتى 2045 بحسب تقديرات الـ«أوبك»، وأنه في الأجل القصير ستبحث وتتبنى الدول المنتجة والمستوردة على حد سواء، حلولًا تكنولوجيا تجعل من النفط والغاز ومنتجاتها أصدقاء للبيئة، إلا أن الجانب الثاني في تحدي التغير المناخي لدول الخليج، وهو الارتفاع الكبير في درجة الحرارة في منطقة تعاني أصلًا من هذا الارتفاع، سيكون أيضًا محل اهتمام هذه الدبلوماسية، كما هو محل اهتمام الحكومات الخليجية. وتشير التقارير الدولية ذات الصلة إلى أن ارتفاع درجات الحرارة نتيجة التغير المناخي، يجعل الحياة في الخليج بعد عام 2050 محفوفة بالمصاعب، ويوضح التقرير الصادر عن اللجنة الحكومية الدولية لشؤون التغير المناخي، بمناسبة مؤتمر العام الماضي للتغير المناخي أن المناطق المحيطة بالخليج وبحر العرب والبحر الأحمر هي أكثر عرضة للضرر من آثار التغير المناخي العالمي، ومن المعلوم أن درجات الحرارة فوق كوكب الأرض في ارتفاع مستمر منذ 1850 حين بدأت تسجيل هذه الدرجات، وفي الآونة الأخيرة شهدت الجزيرة العربية تسجيل هطول أمطار غزيرة في شهر يوليو أكثر شهور السنة في هذه المنطقة حرارة وجفافًا. وللحد من حدة ارتفاع درجة الحرارة تبرز حلول التحول إلى الطاقة الشمسية في إدارة محطات المياه، والعناية بنظافة مياه الخليج الذي يعد من أكثر بحار العالم تلوثًا بسبب تسرب النفط، كما تبرز حلول زراعة الأشجار بكثافة، والحفاظ على الحيوانات والمزروعات البرية، وترشيد استهلاك المياه حيث يوجد إفراط كبير في هذا الاستهلاك. ولمواجهة تحدي التغير المناخي بجوانبه المختلفة، تبنت دول الخليج كما أسلفنا خططًا وطنية، كخطة الإمارات الوطنية للتغير المناخي 2017- 2050 التي أطلقتها في 2017، وأعلنت مملكة البحرين أنه بحلول 2035 ستقوم بخفض الانبعاثات بنسبة 30% من خلال مبادرات إزالة الكربون، ومبادرات تعزيز كفاءة استخدام الطاقة، وزيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، وأعلنت في أكتوبر 2021استهداف الوصول إلى الحياد الصفري بحلول 2060، وقد بين المجلس الأعلى للبيئة أن ارتفاع منسوب سطح البحر يعد من أهم تداعيات التغير المناخي في مملكة البحرين مما يؤثر على المناطق الساحلية والتنوع الحيوي بفعل ارتفاع درجات الحرارة، إلى جانب التأثير على موارد المياه الجوفية، وزيادة وتيرة العواصف الترابية وموجات الجفاف، ويعد المجلس الأعلى للبيئة هو الجهة الرئيسية المكلفة بإدارة قضايا المناخ ويندرج تحته إدارة تغير المناخ والتنمية المستدامة. ومنذ 2007 تم تكليف اللجنة الوطنية المشتركة لتغير المناخ بالإشراف على جميع قضايا المناخ في المملكة، وهي تناقش وتتخذ القرارات بشأن جميع الأنشطة والمشاريع والبرامج ذات الصلة بتغير المناخ في المملكة، بما في ذلك تدابير التخفيف والتكيف ورصد ومتابعة آخر التطورات الدولية ذات الصلة بتغير المناخ، وتشكيل مواقف وطنية ووضع مقترحات اجتماعات المناخ الدولية، فضلًا عن ضمان التوازن والتكامل بين التزامات تغير المناخ والجوانب الاقتصادية والاجتماعية للتنمية المستدامة في البحرين. وفي مارس 2019 أعدت الكويت خطتها للتكيف الوطني مع التغيرات المناخية تضمنت وضع وإدارة استراتيجية لخفض الانبعاثات، وتعزيز تخطيط المناطق منخفضة الانبعاثات، والالتزام بضمان تنفيذ قانون حماية البيئة، والاستثمار في تطوير خدمات المعلومات المتعلقة بالتغير المناخي، وفي أكتوبر 2021 أعلنت قطر تفاصيل خطتها للتكيف مع التغير المناخي، وضمنتها رؤيتها الاستراتيجية 2030، واشتملت على 35 مبادرة للتخفيف وأكثر من 300 مبادرة للتكيف، كما ضمنتها سلطنة عُمان في خطتها الخمسية العاشرة. وستكون دول الخليج على موعد خلال العام القادم 2023 في الإمارات مع قادة دول العالم للتصدي لتحدي تغير المناخ، يعرض كل منها آثار التغير المناخي وتداعياته على بلاده، والإجراءات التي اتخذتها بشأنها وتنفيذها لالتزاماتها الدولية ورؤيتها المستقبلية ومبادراتها الاستراتيجية، وصولاً إلى حماية شعبها ومواردها، والمشاركة الجدية في حماية كوكب الأرض، وقد كان الإجماع الدولي على اختيار دولة الإمارات لاستضافة هذا المؤتمر مؤشرًا على الوضع الخاص لتحدي التغير المناخي في هذه المنطقة من العالم من ناحية، والدور الذي لعبته دولة الإمارات من ناحية أخرى على المستويين المحلي والدولي، وإلى أن ينعقد هذا المؤتمر فإن دبلوماسية المناخ الخليجية يقع على عاتقها إحداث قناعة دولية بتبني تكنولوجيا تحرر النفط والغاز من الانبعاثات الكربونية وتجعلها موارد طاقة صديقة للبيئة.
مشاركة :