خطيب الحرم المكي: مقاطع بعض مشاهير التواصل قد تهدم بنيان الأسر

  • 8/26/2022
  • 12:42
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور فيصل بن جميل غزاوي المسلمين بتقوى الله في السر والعلن. وقال "غزاوي" إن الأسرة المسلمة هي نواة المجتمع الإسلامي وأساس بنيانه. وقد حرَص الإسلام على إرساء وتثبيت الأسرة والمحافظة على تماسكها واستقرارها والتحذير من أسباب تفككها وعوامل تصدعها. ومن أهم مُهمات إبليس إفساد الصلات الأُسْرية ونقض العلاقات الزوجية، والتَّفريق بين الزَّوجينِ يُعجب إبليس لما يترتب عليه مِن مفاسد عظيمة كانقطاع النسل، وسوء تربية الأطفال، وتشتت الأولاد وضياعهم، وقطيعة الرحم، وما في ذلك مِن التباغض والتشاحن وإثارة العداوات بين الناس. وأوضح أن الله تعالى خاطبنا بقوله: "وَأصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ أي أصلحوا ما بينكم من الأحوال حتى تكون أحوالَ ألفة ومحبة، والواجب على الزوجين أن يعاشر كل منهما الآخر بالمعروف، قال جل وعلا: وعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وقال تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ? وذلك بأن يتعاونا على الخير ويكون كل واحد منهما ناصحا للآخر حريصًا على القيام بحقه في مودة ووئام، وبُعدٍ عن النزاع والخصام والتنابز والشتام، وجرح المشاعر وكسر الخواطر، ويكون ديدنَهما التصافي وحفظُ الجميل، والثناءُ على الفعل النبيل والاعترافُ بالخطأ والاعتذار، والتماسُ الأعذار. وأشار إمام وخطيب المسجد الحرام إلى أن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في حسن العشرة قوله: (ألا واسْتَوصُوا بالنِّساءِ خَيْراً فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٍ عِنْدَكُمْ) فعلى كل زوج أن يتقي الله ربه في زوجته التي جعلها الله تحت ولايته وفي عصمته، وهذا يقتضي رعايتها وحفظها وصيانتها، فهو القائم على مصالحها كما قال تعالى: ?الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ? وهي قوامة إصلاح ورعاية وإدارة وتدبير، وليست قوامةَ تسلط وبغي وأذية وتنفير، كما يستوجب معاملتَها بالإحسان والرحمة والصفح والغفران، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لاَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقاً رَضِيَ مِنْهَا آخَر)، ولا يعني ذلك أن يطيعها في معصية ربه استرضاء لها. كما أن الله عز وجل أدب الزوج بألا تحمله كراهةُ زوجته على سوء العشرة قال تعالى: ?وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا?. وعند نشوز المرأة ينبغي المعالجة بما يُصلح المسار ويُقوِّم الصلة بين الزوجين وَفق ما شرع الله. وبيّن أن المرأة الشريفة البرة تراقب ربها وتحافظ على العشرة الزوجية؛ كما أن المرأة العاقلة الرشيدة تحرص على أداء حقوق زوجها، فأحسني عشرته ولا تخالفي أمره فيما ليس بمعصية، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. كما أن طاعةَ الزوجة لزوجها تقوي المحبة القلبية بين الزوجين، وتحافظ على الحياة الزوجية من التصدُّع والانشقاق، قال ابن الجوزي رحمه الله: "وينبغي للمرأة العاقلة إذا وجدت زوجًا صالحًا يلائمها أن تجتهد في مرضاته، وتجتنب كل ما يؤذيه، فإنها متى آذته أو تعرضت لما يكرهه أوجب ذلك مَلالته، وبقي ذلك في نفسه". وأكد "غزاوي" أن من المخاطر التي تهدد بنيان الأسر المسلمة التأثرَ بمقاطع بعض مشاهير التواصل الاجتماعي التي تحمل في ثناياها رسائل هدم للبيوت ودمار للقيم والمبادئ فالحذر الحذر من ذلك، كما أن من أخطر ما يفسد العلاقة الزوجية التخبيبَ وهو من كبائر الذنوب قال عليه الصلاة والسلام: (ليسَ منَّا من خبَّبَ امرأةً علَى زوجِها)، وعلى أولئك الّذين يسعَون بالفتنة بين الأصفياء ويلتمسون العنت للبرآء أن يتقوا الله؛ فكم من بيوت آمنة تفرق جمعها وتصدع بنيانها وكم من أسر متماسكة تشتت شملها وتقاطع أفرادها من جراء هذا الجرم العظيم والفعل الأثيم. وليحذر الزوجان ما يفسد العشرة بينهما وألا يكونا سمّاعَين لمن يريد الوقيعة بينهما من القرابة أو من غيرهم فإن المخببين جند لإبليس في مُهمته المتمثلة في إلقاء العداوة بين الزوجين، بتزهيد الزوج في امرأته بغير حق، بذكر مساوئها عنده وتحقيرها في عينه حتى ينقلب عليها بغضا وذما، وتزهيدِ المرأة في زوجها بغير حق، بذكر مساوئه عندها والقدح فيه وإيغار صدرها عليه؛ حتى تنفر منه وتؤذيَه. وأفاد أن الفرق بين عمل المخببين وعمل المصلحين الذين ينشدون أن تكون بيوت المسلمين هادئة مطمئنة مستقرة وصلة الزوجين قويةً متماسكة مستمرة، ويحرصون على بقاء أواصر الصلة بين الزوجين محكمة لا تنقطع لمجرد خلافات طارئة ولا تضعف لأسباب تافهة؛ فقد كان صلى الله عليه وسلم حريصا على معالجة الخلافات الزوجية كما صنع مع ابنته فاطمة وزوجها علي رضي الله عنهما، بعد أن حصل بينهما شيء، وكان يشفع للإصلاح بين الزوجين كما شفع لزوج بريرة أن تراجعه، موضحاً كم من بيت كاد أن يتهدّم بسبب خلاف يسير نشأ بين الزوجين وأوشك الزوج أن يوقع الطلاق فإذا بأحد المصلحين من مفاتيح الخير بكلمة طيبة ونصيحة غالية يصلح بينهما بفضل الله وتوفيقه؛ فهؤلاء المصلحون يؤرقهم ويقلقهم ما يرونه من تشتت الأسر وضياع الذرية فيعملون على الإصلاح بين المتقاطعين من أفراد الأسرة وإزالة الخلاف بينهم، وإن تقوية الأبوين صلتهما بالله، بالمحافظة على إقامة الصلاة وغيرها من شعائر الدين، ولزومِ التقوى والمراقبةِ أساسٌ في استقامة الأولاد وثباتِ بناء الأسرة، وتأملوا قول الله تعالى: ?وكان أبوهما صالحاً? ففيه دَلالة على أنَّ صلاح الآباء يفيد الحفظ في ذريتهم، وأن بركة صلاحهم تشمل من وراءهم من نسلهم. وأوضح إمام وخطيب المسجد الحرام أنه يعين المرء على استصلاح أهله وذريته تعاهدهم بالدعاء؛ ومن ذلك ما تضمنه الدعاء النبوي المأثور: (اللهم إني أسألك العفوَ والعافيةَ في ديني ودنياي وأهلي ومالي)؛ ففيه طلبُ الوقاية للأهل من الفتن والبلايا وسوء المعاشرة، ومن كل الشرور والآثام. ومما تلهج به ألسنة عباد الرحمن: ?رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ?، ومما ينبغي أن يحذره الوالدان الدعاءُ على أولادهم لنهيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وقد شكى رجل إلى عبدالله بن المبارك عقوق ولده، فسأله ابن المبارك رحمه الله: "أدعوت عليه؟"، قال: "نعم"، قال: "اذهب فقد أفسدته" ويستشعر الوالدان وهما يدعوان الله بصلاح الأولاد واجبهما في تعليمهم وإرشادهم وعدم إهمالهم، مبيناً إن من الآثار السلبية لعقوق الوالدين انهيارَ العلاقات الأسرية فتصبح الأسرة ضعيفة مفككة، فعلى الأبناء أن يتقوا الله ويراعوا حق والديهم ويحذروا عواقب العصيان، وعلى الوالدين أن يتقيا الله ولا يكونا سببا في خراب بيوتهم وضياع أبنائهما بسبب سوء العشرة بينهما، وإن وقعت خصومة بينهما بادرا بالإصلاح وإزالة أسباب النزاع خشية أن يتفاقم الخلاف فتسوءَ العشرة وتحصل الفرقة، عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه كان يقول لزوجته: "إذا غضبت فرضيني، وإذا غضبتِ رضيتك، فإذا لم نكن هكذا ما أسرع ما نفترق". أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ، والحرص على تحصين بيوتنا من الشيطان، وأن تُملأَ بالنور والبركة بعمل الطاعات فيها من ذكر وقراءة للقرآن وصلاة ودعاء. وأشار إلى أنه ينبغي على المصلحين استثمارُ كل وسيلة مشروعة نافعة تخدُم أهداف الإصلاح الاجتماعي، كالخَطابة وإلقاء الدروس الشرعية ونشر فتاوى العلماء وكتابة الكلمات الموجهة والمقالات الهادفة في وسائل الإعلام المختلفة. وتابع بالقول: من تلك الأعمال الإصلاحية القائمة في مجال الحفاظ على البناء الأسري التي يشاد بها تأسيس مراكزِ بحوث ودراسات أسرية وإنشاء جمعيات ومؤسسات خاصةٍ بشؤون الأسرة. وإعدادُ برامج علمية وإنشاء منصات تعليمية تعنى بتقديم دورات تأهيلية وتثقيفية وتدريبية للمقبلين على الزواج ودوراتٍ في حسنِ التعامل بين الزوجين ومقوماتِ البيت المسلم والأسسِ السليمة في تربية الأطفال والأبناء ومشروعاتٍ في علاجِ الانحرافات الفكرية والسلوكية وإقامةِ برامج مختصة في الاستشارات الزوجية والمشكلات العائلية ومعالجةِ الخلافات الأسرية والأمراضِ النفسية والظواهرِ الاجتماعية السلبية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن تقوم جميع هذه الأعمال وَفق المنهج الإسلامي الصحيح والضوابط الشرعية وأن يُجتنب كل ما يخالف الكتاب والسنة من محاذير ومنكرات وما يضاد العقيدة السليمة.

مشاركة :