للوهلة الأولى، هناك القليل من القواسم المشتركة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وهو إسلامي وقومي، مع دوجو بيرينجيك، الاشتراكي المستقل والأوراسيوي والعلماني والكمالي المتشدد، ومع ذلك، فإن السيد بيرينسك، وهو رجل له عالم من الاتصالات في روسيا والصين وإيران وسوريا، والذي تحدد رؤيته التآمرية للعالم الولايات المتحدة على أنها جوهر كل الشرور، هو الذي يلجأ إليه أردوغان في بعض الأحيان للمساعدة في حل القضايا الجيوسياسية الحساسة. قبل سبع سنوات، توسط السيد بيرينجيك في المصالحة بين روسيا وتركيا بعد أن توترت العلاقات في أعقاب إسقاط القوات الجوية التركية لمقاتلة روسية. الآن، يتوجه السيد بيرينجيك إلى دمشق ليهندس تقاربًا مدعومًا من روسيا مع الرئيس السوري بشار الأسد، والذي شجع علي الإطاحة به "أردوغان"، على مدى السنوات الـ 11 الماضية منذ اندلاع مظاهرات حاشدة مناهضة للحكومة في حقبة الربيع العربي، التي تحولت إلى حرب أهلية دامية. هناك احتمالات بأن جهود السيد بيرينجيك ستكون أكثر نجاحًا مما كانت عليه عندما حاول آخر مرة في عام 2016، لرأب الصدع بين السيد أردوغان والأسد، لكنه تعثر في النهاية بسبب رفض الزعيم التركي التخلي عن إصراره على ضرورة رحيل الرئيس السوري، وقد اقترح السيد أردوغان الكثير في الأيام الأخيرة، وأصر على أن تركيا بحاجة للحفاظ على الحوار مع حكومة الأسد. وقال أردوغان: ليس لدينا مثل هذه القضية سواء هزمنا الأسد أم لا... عليك أن تقبل أنه لا يمكنك قطع الحوار السياسي والدبلوماسية بين الدول، وأضاف "يجب أن تكون هناك مثل هذه الحوارات دائمًا". وتابع: "نحن لا نتطلع إلى الأراضي السورية... سلامة أراضيهم مهمة بالنسبة لنا، ويجب أن يكون النظام على علم بذلك". يأتي استعداد أردوغان لدفن بلطة الحرب بعد فشله في حشد الإذعان الروسي والإيراني لعملية عسكرية تركية متجددة في شمال سوريا، حيث كانت العملية تهدف إلى ضمان عدم قيام الأكراد السوريين المدعومين من الولايات المتحدة، والذين تعتبرهم تركيا إرهابيين، بإنشاء منطقة كردية تتمتع بالحكم الذاتي على الحدود التركية مثل منطقة الحكم الذاتي الكردية في شمال العراق. كانت تركيا تأمل في أن تسمح العملية لها بإنشاء منطقة عازلة بطول 30 كيلومترًا تسيطر عليها قواتها ووكلائها السوريين على الجانب السوري من حدود البلدين، ولكن رفضت روسيا وإيران دعم المخطط، الذي كان سيقوض سلطة حليفهما، السيد الأسد، وأجبر تركيا على قصر عمليتها على قصف مواقع عسكرية كردية وسورية. ويبدو أن عدم رغبة الولايات المتحدة في تقديم أي شيء للأكراد أكثر من الدعم اللفظي، وربما هذا بشكل ضئيل، دفع الأكراد إلى الاقتراب من دمشق، وبالتالي روسيا وإيران حيث توسع سوريا بهدوء وجودها العسكري في المنطقة، لطالما اعتمدت الولايات المتحدة على الأكراد لمواجهة تنظيم داعش في شمال سوريا. إن إعادة تنظيم العلاقات والتحالفات في سوريا تحدث على المستويين الدبلوماسي والعسكري، ويبدو أن الهجمات وردود الفعل التركية من قبل قوات سوريا الديمقراطية، مع وحدات حماية الشعب الكردى، في جوهرها هي عسكرية بقدر ما هي رسم سياسي لخطوط القتال، تحسبًا لتغيير العلاقات التركية والكردية مع تنظيم القاعدة، وحكومة الأسد. فمن خلال استهداف القوات العسكرية السورية، تشير تركيا إلى أنها لن تقف مكتوفة الأيدي إذا دعمت سوريا الأكراد أو وفرت لهم غطاءً، بينما يشير الاستهداف الكردي غير المسبوق للقوات التركية إلى أن الأكراد قد تبنوا قواعد اشتباك جديدة، وترسل تركيا رسائل أخرى مفادها أنها تحتفظ بالحق في استهداف القوات الكردية كما تشاء، مثلما تفعل في شمال العراق. رهانات محفوفة بالمخاطر ويأمل الأكراد رغم كل الصعاب أن يرد الأسد فضل السماح للرئيس بالمضي قدمًا في هدفه المتمثل في السيطرة على أجزاء من سوريا تسيطر عليها قوات المتمردين وإجبار القوات الأمريكية على الانسحاب من المنطقة من خلال منح الأكراد فرصة. الاستقلالية، ومع اقتراب موعد الانتخابات في تركيا في العام المقبل، يأمل أردوغان أن يساعده الأسد، في تلبية المشاعر القومية المعادية للأكراد والمهاجرين من خلال السيطرة على المناطق الكردية. تريد تركيا البدء في إعادة نحو أربعة ملايين لاجئ معظمهم من السوريين الذين تستضيفهم، وفى أوائل أغسطس، أعلنت وزارة الداخلية التركية أنها أكملت بناء أكثر من 60 ألف منزل لعودة اللاجئين إلى شمال شرق سوريا. وأثُير القلق بشأن صفقة محتملة مع الأسد ودعوة من وزير الخارجية التركي مولود جاويشلوغلو للمصالحة بين جماعات المعارضة ودمشق، مع تصاعد احتجاجات مناهضة لتركيا في المناطق التي تسيطر عليها تركيا في شمال سوريا وكذلك إدلب التي يسيطر عليها المتمردون. وتتوقع تركيا أيضًا من الأسد، الذي يحرص على "استعادة" وليس فقط السيطرة على الأراضي ولكن أيضًا الحفاظ على سلطة مركزية، أن يقوم في نهاية المطاف بقمع الجماعات الكردية المسلحة، والجهود المبذولة للحفاظ على المناطق الكردية الخاضعة للحكم الذاتي. ونتيجة لذلك، فإن عمل السيد بيرينسك، إلى جانب اتصالات المخابرات التركية السورية، قد توقف عن العمل ويبدوا أن الفجوة بين التطلعات التركية والسورية واسعة. الأسد يريد انسحابًا كاملًا للقوات التركية وعودة السيطرة السورية على المناطق الكردية والمعارضة، ومن غير المحتمل أن يكون راغبًا أو قادرًا على توفير الضمانات الأمنية التي قد تطلبها تركيا. قد يُترك الأكراد بلا خيارات إذا نجح التقارب التركي السوري أو في مواجهة هجوم تركي إذا فشل، وبالمثل، فإن المصالحة بشروط مقبولة لدى السيد أردوغان قد تصل إلى حد انتزاع أرنب من القبعة. وسواء اتفق مع الأسد أو تصاعد العنف في شمال سوريا، فإن السيد أردوغان يخاطر بإثارة موجة جديدة من اللاجئين تشق طريقها إلى تركيا في وقت لا يستطيع تحمله اقتصاديًا وسياسيًا. ومشكلة أردوغان هي أن الوقت ينفذ قبل الانتخابات القادمة وقبل حل العقدة التي هي "سوريا"، من جانبه، يمكن للأسد انتظار انتهاء هذا الأمر - لأنه بعد أن فشلت تركيا مرة أخرى في طريقها للخروج من المشكلة الشمالية الشرقية، سيحتاج أردوغان إلى الأسد أكثر من العكس.
مشاركة :