صدر عن مؤسّسة الفكر العربي الترجمة العربيّة لكتاب «أوضاع العالم 2016»، الذي حمل هذا العام عنوان «عالمُ اللّامساواة»، وذلك في إطار برنامج «حضارة واحدة» الذي أطلقته المؤسّسة منذ سنة 2008. وقد أشرف على الكتاب الباحثان الفرنسيّان الأستاذان في معهـد الدراسات السياسية في باريس، برتران بادي ودومينيك فيدال، ونقله إلى العربية نصير مروّة. لم تُجدِ فلسفة عصر الأنوار، ومن ثمّ رواج المُثُل الديمقراطية والاشتراكية، في نقل مسألة اللّامساواة من الهامش إلى المركز، أو من العتمة إلى الضوء. كما أنّها لم تفضِ إلى التخلّص بصورة نهائيّة من اقتناعٍ ساد في الماضي البعيد مفاده أنّ اللّامساواة من طبيعة الأمور. إذ بَين غريزة الإحسان والوعي الأممي الخجول، تابعت اللّامساواة مسارها في العالم، مدعومةً بخليطٍ من التنموية والثقافوية يعمل على الحطّ من شـأن التفكير بالتفاوتات العالمية القائمة: فمن التنموية سادت مقولة: إنّ التباينات والفوارق الملحوظة ليست سوى أزمات نموّ عائدة إلى قوانين التطوّر التي تبرّر التجاوزات السياسية كافة، فضلًا عن الانتهاكات الملحوظة لحقوق الإنسان في الجنوب. في حين جاءت الثقافويّة لتُسنِد ربط التخلّف بثقل ثقافات الجنوب التي لا تزال راسخةً، وتفتقد إلى ما يكفي من الدنيويّة والعلْمَنة. انطلاقًا من هذه الخلفية، وبالاستناد إلى مقاربة بانوراميّة شاملة، جالت الأبحاث الثلاثون للكتاب في مختلف المجالات التي تتجلّى فيها اللّامساواة والتفاوتات القائمة في العالم، سواء على مستوى الصحّة أم التربية أم الحصول على المعارف أم التمييز القائم بين الرجال والنساء..إلخ. فتقاطعت هذه المقاربة البانورامية الأفقيّة مع أخرى عاموديّة ترصد اللّامساواة سواء على مستوى القارّات (من أمريكا اللّاتينية إلى أوروبا مرورًا بالسـاحل الأفريقي) أم على مستوى البلدان (من المملكة المتحدة واللوكسمبورغ إلى الصين مرورًا بالهند والعـراق وجمهورية الكـونغـو الديمقراطية)، وبالاستناد إلى دراسة حالات معمّقة. فالعالم يواجه اليوم بحسب ما ورد في الكتاب «ضغطًا تفاوتيًا، أو ضغط لامساواة كذلك الذي أخافَ البرجوازيات الوطنية الأوروبية في نهاية القرن التاسع عشر؛ فكانت ردّة فعلها هي اختراع السياسات الاجتماعية: لكن ردّة الفعل اليوم أبعد من أن تكون هي نفسها، والجماعة الدولية تحيد بوجهها، وتشيح بنظرها عمّـا يمكن أن يكون سياسة إعادة توزيع عالمية». الدراسات والأبحاث الواردة في الكتاب، ولاسيّما الاقتصادية والتنموية منها، تشكّك في الأرقام التي تطلقها المنظّمات الدولية للإيهام بتراجع الفقر، حيث إنّ الأرقام تظلّ إشكالية ويعتورها الكثـير من علامات الاستفهام. ويبقى الفقر المثال الأكثر كلاسيكية وتعبيرًا عن الظواهر أو القضايا أو المعلومات التي يُستعصى تكميمها، أي تحويلها إلى كمٍّ يمكن حسابه أو إحصاؤه. ويطلعنا الكتاب بأنّ ثمّة لامساواة وتفاوتًا في حيازة الثروات، ولامساواة وتفاوتًا في إنتاجها. حيث إنّ 83.4% من الثروات المتراكمة في العالم هي في حيازة 8.4% من سكّان العالم، في حين أنّ 68.7% من هذه الثروات تعود إلى 8% من سكّان المعمورة. بل إنّ مصادر تؤكّد أنّ 1% من البشر يملكون حوالى نصف الثروة العالمية، وأنّ أمريكا الشمالية وأوروبا تحوزان معًا ثلثَيْ الثروة النقدية العالمية، الأمر الذي يحجّم على نحوٍ قبلي النصيب الذي يُنسَب إلى آسيا. أما على صعيد إنتاج الثروات، وما يحققه الناتج الوطني القائم للفرد محسوبًا على أساس الفرد الواحد من السـكّان، فتبدو هذه التفاوتات أعظم وأشـدّ. فالفرد الواحد من سكّان البلدان الثمانية عشر الأولى في العالم، هو أغنى بـ 33.5% مرّة من نظيره من مواطني مجموعة البلدان الأفقر. .
مشاركة :