الفيزا المرنة والحق في العمل

  • 8/28/2022
  • 01:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

القراء‭ ‬الأعزاء‭ ‬ متى‭ ‬تكون‭ ‬الدولة‭ ‬المستقلة‭ ‬ذات‭ ‬السيادة‭ ‬أكثر‭ ‬قوة؟‭ ‬السؤال‭ ‬مطروح‭ ‬لكم،‭ ‬أما‭ ‬عني‭ ‬فسأجيب‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭.‬ فكرة‭ ‬السؤال‭ ‬تكونت‭ ‬لدي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الفيديوهات‭ ‬التي‭ ‬تصل‭ ‬إليّ‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وجميعها‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬أصوات‭ ‬لأشخاص‭ ‬من‭ ‬جنسيات‭ ‬مختلفة،‭ ‬سأتطرق‭ ‬إلى‭ ‬نماذج‭ ‬منها،‭ ‬فأحدها‭ ‬لناشط‭ ‬بحريني‭ ‬قام‭ ‬بتصوير‭ ‬أوضاع‭ ‬عمالة‭ ‬أجنبية‭ ‬سائبة‭ ‬بلا‭ ‬مسكن‭ ‬ووثّق‭ ‬قيامها‭ ‬باستخدام‭ ‬مرافق‭ ‬عامة‭ ‬للسكنى،‭ ‬والآخر‭ ‬لشخص‭ ‬عربي‭ ‬تحدث‭ ‬عن‭ ‬الأسعار‭ ‬الباهظة‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالمتاجرة‭ ‬بالفيزا‭ ‬وتصاريح‭ ‬دخول‭ ‬البحرين‭ ‬والإقامة‭ ‬لمواطني‭ ‬دولته‭ ‬مقارنة‭ ‬بمدى‭ ‬إمكانية‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬عمل‭ ‬وبالأجور‭ ‬المتوقعة،‭ ‬والأخير‭ ‬لإفريقي‭ ‬يؤكد‭ ‬لأبناء‭ ‬بلده‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬فرص‭ ‬عمل‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬فالمحور‭ ‬المشترك‭ ‬بين‭ ‬جميع‭ ‬هذه‭ ‬الرسائل‭ ‬كان‭ ‬فكرة‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬وبالتالي‭ ‬دور‭ ‬وأثر‭ ‬الفيزا‭ ‬المرنة‭ ‬على‭ ‬حق‭ ‬المواطن‭ ‬في‭ ‬العمل‭. ‬ ولأن‭ ‬حقوق‭ ‬الانسان‭ ‬مترابطة‭ ‬ومتكاملة‭ ‬وغير‭ ‬قابلة‭ ‬للتجزئة،‭ ‬فإن‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬حقوق‭ ‬الانسان‭ ‬التي‭ ‬تناولها‭ ‬العهد‭ ‬الدولي‭ ‬الأول‭ ‬ونص‭ ‬عليها‭ ‬دستور‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬هو‭ ‬كفالة‭ ‬الحرية‭ ‬الشخصية،‭ ‬والحق‭ ‬في‭ ‬حرية‭ ‬التنقل‭ ‬وعدم‭ ‬جواز‭ ‬تقييد‭ ‬حرية‭ ‬الشخص‭ ‬في‭ ‬الإقامة‭ ‬أو‭ ‬التنقل‭ ‬إلا‭ ‬وفقا‭ ‬لأحكام‭ ‬القانون،‭ ‬ومن‭ ‬المعلوم‭ ‬أن‭ ‬الحريات‭ ‬الأساسية‭ ‬مكفولة‭ ‬لجميع‭ ‬الخاضعين‭ ‬لولاية‭ ‬الدولة‭ ‬القضائية‭ ‬سواء‭ ‬كانوا‭ ‬مواطنين‭ ‬أو‭ ‬سواهم،‭ ‬لذا‭ ‬تنظم‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬آلية‭ ‬وشروط‭ ‬الدخول‭ ‬إلى‭ ‬اقليمها‭ ‬بقوانين‭ ‬تتسّق‭ ‬مع‭ ‬سياستها‭ ‬وعلاقاتها‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬المتكئة‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬المعاملة‭ ‬بالمثل‭.‬ وإن‭ ‬تقييد‭ ‬دخول‭ ‬الأجانب‭ ‬إلى‭ ‬البلاد‭ ‬حق‭ ‬لكل‭ ‬دولة،‭ ‬بهدف‭ ‬حماية‭ ‬النظام‭ ‬العام‭ ‬والأمن‭ ‬العام‭ ‬والآداب‭ ‬العامة‭ ‬وحقوق‭ ‬مواطنيها‭ ‬وحرياتهم،‭ ‬وهو‭ ‬يُعد‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬التنظيم‭ ‬والرقابة‭ ‬على‭ ‬أصعدة‭ ‬كثيرة‭ ‬عامة‭ ‬وخاصة،‭ ‬يهمنا‭ ‬منها‭ ‬حماية‭ ‬حقوق‭ ‬المواطن‭ ‬نفسه،‭ ‬لذا‭ ‬فإن‭ ‬تسهيل‭ ‬اشتراطات‭ ‬دخول‭ ‬وإقامة‭ ‬العمالة‭ ‬الأجنبية‭ (‬الفيزا‭ ‬المرنة‭ ‬كمثال‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬الفري‭ ‬فيزا‭ ‬كظاهرة‭) ‬قد‭ ‬يترتب‭ ‬عليه‭ ‬سلبيات‭ ‬تفوق‭ ‬إيجابياته،‭ ‬كحديثنا‭ ‬السابق‭ ‬عن‭ ‬مزاحمة‭ ‬العمالة‭ ‬الأجنبية‭ ‬في‭ ‬مهنة‭ ‬الصيد‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المهن،‭ ‬فالأمثلة‭ ‬كثيرة‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬استنزاف‭ ‬موارد‭ ‬الدولة‭.‬ أما‭ ‬إجابتي‭ ‬عن‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬طرحته‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬المقال‭ ‬فهي‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬رأيي‭ ‬أن‭ ‬قوة‭ ‬الدولة‭ ‬تنبع‭ ‬من‭ ‬تقدير‭ ‬مواردها‭ ‬الداخلية‭ ‬وتقليص‭ ‬حاجتها‭ ‬إلى‭ ‬الخارج‭ ‬واكتفائها‭ ‬الذاتي‭ ‬بجميع‭ ‬مواردها‭ ‬الطبيعية‭ ‬والوطنية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الاستغلال‭ ‬الأمثل‭ ‬لهذه‭ ‬الموارد،‭ ‬مع‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬الموارد‭ ‬البشرية‭ ‬باعتبارها‭ ‬أهم‭ ‬الموارد‭ ‬المستدامة،‭ ‬لأن‭ ‬كل‭ ‬الثروات‭ ‬الطبيعية‭ ‬قابلة‭ ‬للنضوب،‭ ‬إلا‭ ‬الإنسان‭ ‬فهو‭ ‬المخلوق‭ ‬الذي‭ ‬وُجد‭ ‬ليُعمّر‭ ‬الأرض‭ ‬ويبقى‭ ‬فيها‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬الساعة‭.‬ والشاهد‭ ‬أن‭ ‬تنمية‭ ‬الموارد‭ ‬البشرية‭ ‬كانت‭ ‬دائماً‭ ‬محوراً‭ ‬مهماً‭ ‬من‭ ‬محاور‭ ‬الخطط‭ ‬الوطنية‭ ‬والاستراتيجية‭ ‬في‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬تخل‭ ‬الخطابات‭ ‬الملكية‭ ‬السامية‭ ‬ولا‭ ‬تصريحات‭ ‬القيادة‭ ‬والحكومة‭ ‬من‭ ‬تأكيده،‭ ‬لذا‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬المقومات‭ ‬لبناء‭ ‬المواطن‭ ‬والاستثمار‭ ‬فيه‭ ‬هما‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬والحق‭ ‬في‭ ‬العمل،‭ ‬فقد‭ ‬تكفّلت‭ ‬الدولة‭ ‬برعاية‭ ‬العلوم‭ ‬وكفالة‭ ‬الخدمات‭ ‬التعليمية‭ ‬للمواطنين‭ ‬وجعلت‭ ‬التعليم‭ ‬إلزاميا‭ ‬ومجانياً‭ ‬في‭ ‬المراحل‭ ‬الأولى،‭ ‬كما‭ ‬أكّدت‭ ‬أن‭ ‬العمل‭ ‬واجب‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬مواطن‭ ‬تقتضيه‭ ‬الكرامة‭ ‬ويستوجبه‭ ‬الخير‭ ‬العام،‭ ‬‮«‬دستور‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬المادتان‭ (‬7‭ ‬و13‭)‬‮»‬‭. ‬ إذن‭ ‬العمل‭ ‬واجب‭ ‬على‭ ‬المواطن،‭ ‬والواجب‭ ‬يقتضي‭ ‬الالتزام‭ ‬بأدائه،‭ ‬ولكن‭ ‬تأدية‭ ‬المواطن‭ ‬لهذا‭ ‬الواجب‭ ‬تتطلب‭ ‬من‭ ‬الدولة‭ ‬تهيئة‭ ‬فرص‭ ‬العمل‭ ‬بمعرفتها‭ ‬أو‭ ‬عبر‭ ‬تشجيعها‭ ‬للاستثمارات‭ ‬الخاصة‭ ‬وتنمية‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬إتاحة‭ ‬هذه‭ ‬الفرص‭ ‬للمواطن‭ ‬للحصول‭ ‬عليها‭ ‬دون‭ ‬مزاحمة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الأجنبي،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬التزام‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬انضمت‭ ‬إلى‭ ‬العهد‭ ‬الدولي‭ ‬الخاص‭ ‬بالحقوق‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والثقافية‭ ‬هو‭ ‬التزام‭ ‬بكفالة‭ ‬وتعزيز‭ ‬واحترام‭ ‬هذه‭ ‬الحقوق‭ ‬لمواطنيها‭ ‬وليس‭ ‬سواهم‭.‬ والخلاصة‭ ‬فإنني‭ ‬أرى‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الضرورة‭ ‬بمكان‭ ‬الالتفات‭ ‬إلى‭ ‬أهمية‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬القوانين‭ ‬والاشتراطات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بدخول‭ ‬وإقامة‭ ‬الأجانب‭ ‬لغرض‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬وضرورة‭ ‬وضعها‭ ‬تحت‭ ‬مجهر‭ ‬المصلحة‭ ‬العامة‭ ‬للدولة‭ ‬والخاصة‭ ‬للمواطن،‭ ‬وأن‭ ‬يتم‭ ‬إعادة‭ ‬دراستها‭ ‬وتعديلها،‭ ‬بحصر‭ ‬مهنها‭ ‬بشكل‭ ‬ضيق،‭ ‬بحيث‭ ‬يُتاح‭ ‬للمواطن‭ ‬أن‭ ‬يحل‭ ‬مكان‭ ‬الأجنبي‭ ‬وأن‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬حقه‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬لكي‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬واجبه‭ ‬تجاه‭ ‬هذا‭ ‬الحق،‭ ‬وأن‭ ‬يعاد‭ ‬بناء‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬العامل‭ ‬البحريني،‭ ‬بما‭ ‬يُسهم‭ ‬في‭ ‬خير‭ ‬وصالح‭ ‬الوطن‭ ‬وفي‭ ‬تحسين‭ ‬المستوى‭ ‬المعيشي‭ ‬للمواطن‭ ‬في‭ ‬آن‭ ‬واحد،‭ ‬فالدولة‭ ‬تكون‭ ‬أقوى‭ ‬متى‭ ‬ما‭ ‬بُنيت‭ ‬بسواعد‭ ‬أبنائها‭ ‬لأن‭ ‬الحب‭ ‬والولاء‭ ‬سيكونان‭ ‬قواعد‭ ‬وأساسات‭ ‬هذا‭ ‬البناء‭.‬ لذا‭ ‬نأمل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬خطة‭ ‬وطنية‭ ‬زمنية‭ ‬قصيرة‭ ‬المدى‭ ‬يكون‭ ‬هدفها‭ ‬إحلال‭ ‬البحريني‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬محل‭ ‬الأجنبي‭ ‬حتى‭ ‬تتحقق‭ ‬البحرنة‭ ‬الكاملة‭ ‬في‭ ‬القطاعين‭ ‬العام‭ ‬والخاص،‭ ‬ويترتب‭ ‬على‭ ‬تحقيقها‭ ‬وإنجازها‭ ‬انهاء‭ ‬ملف‭ ‬التعطل‭ ‬عن‭ ‬العمل‭.‬ Hanadi‭_‬aljowder@hotmail‭.‬com

مشاركة :