القراء الأعزاء متى تكون الدولة المستقلة ذات السيادة أكثر قوة؟ السؤال مطروح لكم، أما عني فسأجيب عنه في سياق هذا المقال. فكرة السؤال تكونت لدي من خلال الكثير من الفيديوهات التي تصل إليّ عبر وسائل التواصل الاجتماعي وجميعها عبارة عن أصوات لأشخاص من جنسيات مختلفة، سأتطرق إلى نماذج منها، فأحدها لناشط بحريني قام بتصوير أوضاع عمالة أجنبية سائبة بلا مسكن ووثّق قيامها باستخدام مرافق عامة للسكنى، والآخر لشخص عربي تحدث عن الأسعار الباهظة المتعلقة بالمتاجرة بالفيزا وتصاريح دخول البحرين والإقامة لمواطني دولته مقارنة بمدى إمكانية الحصول على عمل وبالأجور المتوقعة، والأخير لإفريقي يؤكد لأبناء بلده أنه لا توجد فرص عمل في البحرين، فالمحور المشترك بين جميع هذه الرسائل كان فكرة العمل في البحرين وبالتالي دور وأثر الفيزا المرنة على حق المواطن في العمل. ولأن حقوق الانسان مترابطة ومتكاملة وغير قابلة للتجزئة، فإن من أهم حقوق الانسان التي تناولها العهد الدولي الأول ونص عليها دستور مملكة البحرين هو كفالة الحرية الشخصية، والحق في حرية التنقل وعدم جواز تقييد حرية الشخص في الإقامة أو التنقل إلا وفقا لأحكام القانون، ومن المعلوم أن الحريات الأساسية مكفولة لجميع الخاضعين لولاية الدولة القضائية سواء كانوا مواطنين أو سواهم، لذا تنظم كل دولة آلية وشروط الدخول إلى اقليمها بقوانين تتسّق مع سياستها وعلاقاتها الدبلوماسية المتكئة على قاعدة المعاملة بالمثل. وإن تقييد دخول الأجانب إلى البلاد حق لكل دولة، بهدف حماية النظام العام والأمن العام والآداب العامة وحقوق مواطنيها وحرياتهم، وهو يُعد من قبيل التنظيم والرقابة على أصعدة كثيرة عامة وخاصة، يهمنا منها حماية حقوق المواطن نفسه، لذا فإن تسهيل اشتراطات دخول وإقامة العمالة الأجنبية (الفيزا المرنة كمثال أو حتى الفري فيزا كظاهرة) قد يترتب عليه سلبيات تفوق إيجابياته، كحديثنا السابق عن مزاحمة العمالة الأجنبية في مهنة الصيد وغيرها من المهن، فالأمثلة كثيرة بالإضافة إلى استنزاف موارد الدولة. أما إجابتي عن السؤال الذي طرحته في بداية المقال فهي أنه في رأيي أن قوة الدولة تنبع من تقدير مواردها الداخلية وتقليص حاجتها إلى الخارج واكتفائها الذاتي بجميع مواردها الطبيعية والوطنية، من خلال الاستغلال الأمثل لهذه الموارد، مع التركيز على الموارد البشرية باعتبارها أهم الموارد المستدامة، لأن كل الثروات الطبيعية قابلة للنضوب، إلا الإنسان فهو المخلوق الذي وُجد ليُعمّر الأرض ويبقى فيها إلى أن تقوم الساعة. والشاهد أن تنمية الموارد البشرية كانت دائماً محوراً مهماً من محاور الخطط الوطنية والاستراتيجية في مملكة البحرين، حيث لم تخل الخطابات الملكية السامية ولا تصريحات القيادة والحكومة من تأكيده، لذا باعتبار أن من أهم المقومات لبناء المواطن والاستثمار فيه هما الحق في التعليم والحق في العمل، فقد تكفّلت الدولة برعاية العلوم وكفالة الخدمات التعليمية للمواطنين وجعلت التعليم إلزاميا ومجانياً في المراحل الأولى، كما أكّدت أن العمل واجب على كل مواطن تقتضيه الكرامة ويستوجبه الخير العام، «دستور مملكة البحرين المادتان (7 و13)». إذن العمل واجب على المواطن، والواجب يقتضي الالتزام بأدائه، ولكن تأدية المواطن لهذا الواجب تتطلب من الدولة تهيئة فرص العمل بمعرفتها أو عبر تشجيعها للاستثمارات الخاصة وتنمية القطاع الخاص ومن ثم إتاحة هذه الفرص للمواطن للحصول عليها دون مزاحمة من قبل الأجنبي، ذلك أن التزام الدول التي انضمت إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية هو التزام بكفالة وتعزيز واحترام هذه الحقوق لمواطنيها وليس سواهم. والخلاصة فإنني أرى أنه من الضرورة بمكان الالتفات إلى أهمية إعادة النظر في القوانين والاشتراطات المتعلقة بدخول وإقامة الأجانب لغرض العمل في مملكة البحرين وضرورة وضعها تحت مجهر المصلحة العامة للدولة والخاصة للمواطن، وأن يتم إعادة دراستها وتعديلها، بحصر مهنها بشكل ضيق، بحيث يُتاح للمواطن أن يحل مكان الأجنبي وأن يحصل على حقه في العمل لكي يستطيع أن يؤدي واجبه تجاه هذا الحق، وأن يعاد بناء الثقة في العامل البحريني، بما يُسهم في خير وصالح الوطن وفي تحسين المستوى المعيشي للمواطن في آن واحد، فالدولة تكون أقوى متى ما بُنيت بسواعد أبنائها لأن الحب والولاء سيكونان قواعد وأساسات هذا البناء. لذا نأمل أن تكون هناك خطة وطنية زمنية قصيرة المدى يكون هدفها إحلال البحريني في العمل محل الأجنبي حتى تتحقق البحرنة الكاملة في القطاعين العام والخاص، ويترتب على تحقيقها وإنجازها انهاء ملف التعطل عن العمل. Hanadi_aljowder@hotmail.com
مشاركة :