المنامة - ياسر ابراهيم - القضاء أحد أضلاع مثلث السلطة في أي دولة، فإذا غاب تحول المجتمع إلى غابة. إذ لا معنى لوجود دولة بدون قضاء مستقل ونزيه، باعتباره القائم بتطبيق القانون، وإحقاق الحق، وتحقيق العدالة، وإنزال العقاب الرادع على المخالفين. أما في حال غياب القضاء، فسيكون المجتمع على النقيض من ذلك تمامًا، إذ يتحول إلى غابة، يكون البقاء فيه للأقوى، تنتشر فيه الجرائم، وتضيع الحقوق، ويندثر مفهوم العدالة من المجتمع تمامًا؛ باعتبار القضاء حلقة الوصل بين القانون وتطبيقه. والسلطة القضائية، تعدّ إحدى السلطات الثلاث، التي تقوم عليها الدولة، إلاّ أن المليشيا الحوثية، حولت هذه السلطة بمختلف أجهزتها منذ انقلابها إلى منصة لتصفية الخصوم، وأداة إرهاب على المواطنين، لضمان إحكام قبضتها على مناطق سيطرتها. وكثفت مليشيا الحوثي، من استهدافها للمؤسسة القضائية، من خلال إصدار الإعدامات وتنفيذ بعضها، إضافة إلى إحلال أتباعها غير المؤهلين في السلك القضائي، سوى تخرجهم من الحوزات الإيرانية، أو شبيهاتها في المنطقة، في استهداف واضح للقضاء ورسالته السامية وعمله الذي يجب أن يكون بعيداً عن أي صراع. إحلال 1200 من عناصرها وفي هذا الصدد، كشفت مصادر إعلامية عن مساع حوثية لإحلال أكثر من 1200 من عناصرها في مواقع قضائية متعددة المستويات والمهام، داخل المحاكم والنيابات والهيئات القضائية. يتزامن هذا مع انتهاكات تقوم بها المليشيا ضد عدد من القضاة، شملت حتى من الموالين لهم، بينهم خمسة أحالتهم إلى النيابة تمهيدا لعزلهم. وحسب المصادر، فأن العناصر التي تحاول المليشيا إحلالهم هم من صغار السن، وعديمي التأهيل والخبرة، مضيفة أن كافة الاجراءات التي يتبعها الحوثيون مؤخرا تهدف إلى إزاحة عدد من القضاة وأعضاء النيابات لإحلال عناصر أخرى في مواقعهم. وفي 18 اغسطس الجاري، أعلنت مليشيا الحوثي الإرهابية، عن إيقاف 70 قاضيا وعضو نيابة عن العمل تمهيدا لمحاكمتهم في صنعاء والمحافظات الخاضعة لسيطرتها. عزل القضاة ومحاكمتهم منذ انقلابها على الدولة عملت مليشيا الحوثي بكل قوتها على إحكام سيطرتها على القضاء بكل أجهزته ودوائره؛ في مسعى منها لتحويله إلى أداة لتركيع خصومها من جهة، وشرعنة ما تقوم به من نهب الممتلكات لمعارضيها سواء كانوا أفرادا أم مؤسسات من جهة أخرى. لم تكتف المليشيا بهذا؛ بل قامت بإجراءات تخالف مبدأ استقلال القضاء، حين قامت بإيقاف العشرات من القضاة، وإحالة البعض الآخر للمحاكمة؛ في اجراءات تؤكد مساعيها المليشيا لعزل القضاة؛ وإحلال الموالين لها بديلا عنهم. وكان آخر ما قامت به المليشيا الانقلابية، عبر مجلس القضاء التي تسيطر عليه، إقامة دعوى تأديبية تعسفية ضد خمسة قضاة لعـدم مباشرتهم لأعمالهم في المناصب بالمحاكم بالمناطق الخاضعة لسيطرتها. حيث أحالت المليشيا كلا من (القاضي/ عرفات قايد محمد جعفر، القاضي/ إبراهيم أحمد علي رزق، القاضي/ عفيف شرف عبدالله العماري، القاضي/ حازم سعيد عـبدالله الحمودي، القاضي/ مالك علي مقبل علي باشا) للمحاكمة غيابيًا بناء على دعاوى تأديبية لعدم مباشرتهم لأعمالهم تمهيدا لعزلهم. واعتبر مراقبون هذه الاجراءات الحوثية بأنها غير قانونية؛ كون قضاة اليمن غير قابلين للعزل وفقا لمبدأ عدم قابلية القضاة للعزل، ومدى ارتباطه بمبدأ الاستقلالية، مؤكدين أن هذه الاجراءات، تعد انتهاك صارخ لمبدأ الدستورية القضائية الدولية في ظل الحرب؛ نظرا لعدم تمكنهم من مزاولة اعمالهم لرفض سلطة الأمر الواقع "الحوثيين" صرف مرتباتهم ومستحقاتهم المشروعة. اعتداءات ضد منتسبي القضاء بالتوازي مع إحالة مليشيا الحوثي للعشرات من القضاء إلى المحاكمة؛ لأسباب غير قانونية، تعرض العديد من القضاة للاعتداء والضرب من قبل مسلحي المليشيا، في انتهاك صارخ لقدسية القضاء، في تعبير واضح عن مدى تدخل المليشيا في عمل السلطة القضائية. عمدت مليشيا الحوثي على استلاب استقلال القضاء، وبسط نفوذها على السلطة القضائية في مناطق سيطرتها، وتزايدت مؤخرا الاعتداءات التي طالت المنتمين للقضاء التي أدت الى تقويض الحريات القضائية وتراجع مبادئ النزاهة والعدالة. الخميس الماضي، قامت مليشيا الحوثي، باختطاف القاضي شمس الدين المليكي، رئيس محكمة الحشا الابتدائية في مديرية ذي السفال بمحافظة إب، والذي جاء بعد أيام من تهديد زعيم المليشيا بمعاقبة كل من يطالب بحقوقه. وكانت مليشيا قامت بنهب القاضي المليكي، مسدّسه الشخصي وجنبيته وهاتفه، وزجت به في سجن إدارة أمن مديرية القاعدة، وبطريقة مهينة، بعد استدعائه على ذمة شكوى تقدم بها ضد خصومه. وأدانت الحكومة اليمنية، هذه الجريمة التي قالت إنها تندرج ضمن مساعي مليشيا الحوثي إهانة الجهاز القضائي ومنتسبيه من القضاة الذين لا يدينون لهم بالولاء ودفعهم لترك أعمالهم. وأكدت الحكومة، أن المليشيا تسعى إلى إحلال عناصر عقائدية تابعة لها لإحكام سيطرتها على السلطة القضائية واستخدمها لشرعنة ممارساتها غير القانونية، والتغطية على جرائمها وتصفية حساباتها مع معارضيها. لجان حوثية بديلة عن القضاء مؤخرا أنشأت مليشيا الحوثي ما يسمى بـ"المنظومة العدلية"، واتبعتها بلجان انصاف على مستوى المحافظات، بالإضافة إلى لجان إنصاف تتبع بعض القيادات العليا والوسطى، للتدخل في أعمال المحاكم وحل النزاعات التجارية والعقارية، بغرض توزيع النفوذ العقاري والتجاري، والاطلاع على بيانات التجار وملاك العقارات. واعتبر قضاة يمنيون هذه المنظومة التي تتبع القيادي في مليشيا الحوثي بأنها انتهاك أخر لسلطة القضاء، والحد من استقلاليته، وفقا لبيان نادي القضاة اليمني في يونيو الماضي، الذي دعا أعضاء النادي والمحاكم والنيابات في المناطق التي تسيطر عليها مليشيا الحوثي إلى التوحد للدفاع عن استقلال القضاء. وأكد نادي القضاة، "على التماسك التام للقضاة ومواجهة من يحاول تجاوز مكتسبات السلطة القضائية، وسعيه الدائم للحفاظ على استقلال القضاء وخدمة رجاله"، مشيرا إلى أن "مجلس القضاء الأعلى (الخاضع للعصابة الحوثية) تراجع عن تأييد قرار محمد علي الحوثي بفتح لجان محاكمة للقضاة في نفس محاكمهم". وأضاف إن "النادي انتزع تأكيدا من مجلس القضاء الأعلى وهيئة التفتيش القضائي بأن طريقة محاسبة القضاة على تجاوزاتهم لا تكون إلا عبر التفتيش القضائي دون غيره". وكان لقاء تشاوري قد عقد بصنعاء، الشهر الماضي، نظمه منتدى قاضيات اليمن، بحضور عدد من القضاة، والذين أدانوا "انتهاك مبدأ استقلال القضاء الذي يقوم به بعض القادة الحوثيين"، في اشارة إلى لجنة محمد علي الحوثي والذي أسس لجان محاكمة للقضاة بديلة عن هيئة التفتيش القضائي، ورفضها معظم القضاة في المحافظات التي تسيطر عليها العصابة الحوثية التابعة لإيران. استلاب استقلال القضاء وكان نادي القضاة اليمني، قد اتهم في وقت سابق، مليشيا الحوثي بأنها تعمد على استلاب استقلال القضاء وبسط نفوذها على السلطة القضائية في مناطق سيطرتها، مستنكراً كل أنواع الاعتداءات التي طالت المنتمين للقضاء. وأكد النادي، أن "جماعة الحوثي عمدت إلى استلاب استقلال القضاء وتطويق الحريات وصناعة التأثير وتراجع النزاهة القضائية في أماكن سيطرتها". محمّلا إياهم "مسؤولية المساس بالحريات القضائية". وأشار إلى أن "جماعة الحوثي تمارس كافة أنواع الاعتداءات على السلطة القضائية، (قتل، وضرب، واختطاف، واعتقال تعسفي، وتعذيب، وانتهاك حرمات المنازل)، بحق المنتمين إلى القضاء"، مؤكدًا أن مثل هذه التصرفات تنال من استقلال القضاء والقضاة بشكل عام". يأتي هذا في الوقت الذي اتهمت فيه الحكومة اليمنية، ومنظمات حقوقية الجماعة المدعومة من إيران، استخدام القضاء ورقة لتنفيذ عمليات انتقامية من معارضي الانقلاب في صنعاء وبقية المحافظات الخاضعة لسيطرتها.
مشاركة :