بقلم: ملفين غودمان أولاً، كان هناك في البدء احتواء - ثم كان هناك احتواء مزدوج. يعود الفضل إلى جورج ف. كينان في إطلاق مفهوم الاحتواء للحد من الامتداد الجيو-سياسي الذي كان يستهدف الاتحاد السوفييتي. لسوء الحظ، استخدم عدد كبير جدًا من القادة والاستراتيجيين الأمريكيين أيضًا فكرة الاحتواء لدعم حملة صليبية أخلاقاوية نيابة عما يسمى العالم الحر - أي الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. فالرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن، على سبيل المثال، قسّم العالم بغير حكمة إلى استبداد وديمقراطية. نادرًا ما ينجح مثل هذا النوع من العالمية في تشكيل تحالف فعال والتاريخ الحديث والمعاصر يشهد على ذلك. الاحتواء المزدوج هو أكثر إشكالية من أي مفهوم وحيد التفكير للاحتواء. وجدت إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق هاري ترومان نفسها لفترة وجيزة في سياسة الاحتواء المزدوج في أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات من القرن الماضي، عندما سعت لوقف أي هيمنة سوفييتية على المسرح الأوروبي ثم خاطرت بتوسيع الحرب الكورية إلى الصين. كان رئيس هيئة الأركان المشتركة في ذلك الوقت، الجنرال عمر برادلي، قد أطلق على تلك الحرب التي شهدتها شبه الجزيرة الكورية «الحرب الخاطئة، في المكان الخطأ، في الوقت الخطأ، ومع العدو الخطأ». أصبح الجنرال دوايت دي أيزنهاور أول رئيس في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية يتخلى عن هدف النصر في الحرب، والذي كان ينبغي لسلسلة من الرؤساء الأمريكيين إعلانه قبل ذلك بكثير في مشاريع أمريكا الخاسرة في فيتنام والعراق وأفغانستان. مارست إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون بدورها سياسة الاحتواء المزدوج على نطاق أصغر في منطقة الخليج العربي وذلك في حقبة التسعينيات من القرن العشرين الماضي غير أنها عادت بنتائج مماثلة غير ناجحة. أعلن عضو مجلس الأمن القومي التابع لإدارة بيل كلينتون، مارتن إنديك، رسمياً في عام 1994 سياسة احتواء كل من إيران والعراق، والتأكد من أن طهران وبغداد لا تستطيعان التدخل في إمدادات النفط في المنطقة أو سعي الرئيس بيل كلينتون للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية. في نهاية المطاف، انتهج الرئيس جورج دبليو بوش الابن سياسة «الاحتواء المزدوجة» ضد إيران والعراق، وهي السياسة التي منيت بالفشل ولم تحقق أهدافها، إذا باتت إيران اليوم اللاعب الأكثر نفوذاً في العراق إلى فشل الولايات المتحدة الأمريكية. كما تشهد مشاركتنا العسكرية المطولة في الخليج العربي على هذا الفشل أيضًا. لنا أن نتساءل اليوم عما حدث لـذلك «المحور» الممتد من الشرق الأوسط إلى المحيطين الهندي والهادئ الذي أعلنته إدارة الرئيس باراك أوباما في عام 2011؟ لسوء الحظ، أعاد الرئيس الحالي جو بايدن إحياء فكرة الاحتواء المزدوج، هذه المرة ضد روسيا والصين، اللتين شكلتا العلاقة الثنائية الأقرب والأكثر تعاونًا التي كانت موجودة بين هؤلاء الخصوم السابقين. لقد فهم الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، الذي أطاحت به فضيحة واترغيت، ووزير الخارجية هنري كيسنجر، فن موازنة القوى مع موسكو وبكين، ونتيجة لذلك، وهو ما أسهم في تعزيز المصالح الأمريكية مع كلا البلدين. لم يُظهر فريق الرئيس جو بايدن أي اهتمام باستخدام الدبلوماسية مع موسكو أو بكين، وقد عرقله إجماع من الحزبين على الزيادات الهائلة في الإنفاق العسكري، لا سيما من أجل التحديث الاستراتيجي غير الضروري. نتيجة لذلك، تلاشت أهمية الحد من التسلح ونزع السلاح من الأجندة الدولية لأمريكا، وخاصة في أعقاب التراجع عن الحد من التسلح من قبل الرئيسين السابقين جورج دبليو بوش الابن ودونالد ترامب. من خلال دعمه لفكرة الاحتواء المزدوج، فتح جو بايدن الباب أمام السياسيين والمثقفين لدعم الاحتواء الأكثر عدوانية لموسكو وبكين، بما في ذلك رحلة النائبة في الكونجرس الأمريكي نانسي بيلوسي غير المدروسة إلى تايوان، والتي لا تخدم أي غرض استراتيجي على الإطلاق. عارض الرئيس بايدن (والبنتاغون) رحلة بيلوسي، لذا فإن قرارها بالمضي قدمًا سلط الضوء فقط على ضعف الرئيس والارتباك الموجود في صنع السياسة الأمريكية تجاه الصين. في غضون ذلك، ذكرت صحيفة واشنطن بوست في افتتاحيتها أن «الولايات المتحدة يمكنها مواجهة كل من الصين وروسيا»، فيما تفاخر صحيفة نيويورك تايمز بأن «نانسي بيلوسي قد وقفت باقتدار في وجه بكين. حسنا فعلت». فيما يتعلق بالولايات المتحدة الأمريكية، تمثل تايوان جزيرة لا يمكن الدفاع عنها في المحيط الهادئ. لذلك ستظل مسألة توفير الدعم لتايوان تمثل كابوسًا لوجستيًا حقيقيا بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية. لحسن الحظ، أرجأ البنتاغون اختبارًا روتينيًا لصاروخ باليستي عابر للقارات من طراز «لمينيوتمان 3»، وأبقى على حاملة الطائرات يو. إس. إس -رونالد ريغان بعيدًا عن مدخل مضيق تايوان لوعي إدارة جو بايدن بضرورة تجنب التصعيد من خلال الانغماس في سلوكيات محفوفة بالمخاطر. يواجه الرئيس الصيني شي جين بينغ تحدياته السياسية والاقتصادية المحلية، ويفترض أنه ليس لديه مصلحة في حل عسكري لمشكلة تايوان في هذا الوقت، لكنه أحسن استغلال الفرصة التي أتاحتها له نانسي بيلوسي لإظهار القوة الجوية والبحرية والصاروخية التي ستستخدمها الصين في أي عرض للقوة ضد تايوان. يمكن للرئيس الصيني بالتأكيد تعقيد الأمور لإدارة جو بايدن فيما يتعلق بعملية صنع القرارات الخاصة بأوكرانيا من خلال زيادة الدعم العسكري والاقتصادي لحرب الرئيس فلاديمير بوتين تمامًا كما قد تصل الولايات المتحدة إلى حدود دعمها لأوكرانيا في حربها ضد روسيا ولن تقدر سلطات واشنطن أن تذهب إلى أبعد من ذلك المدى. في غضون ذلك، يضغط خبراء وصناع السياسة والمحللون على حد سواء من أجل دعم أكبر للقدرات العسكرية لكل من أوكرانيا وتايوان. دعا العدد الحالي من مجلة الإيكونوميست إلى «مساعدة عسكرية على غرار إسرائيل» لتايوان «لشراء أسلحة أمريكية»، كما لو أن المصالح الأمريكية قد تم خدمتها من خلال مساعدة العسكرة الإسرائيلية في الشرق الأوسط على غرار وسائل الإعلام السائدة في الولايات المتحدة الأمريكية، تعتقد مجلة الإيكونوميست أن المساعدات العسكرية الأمريكية ستجعل تايوان «أكثر مرونة». كمحلل استخباراتي في وكالة الاستخبارات المركزية وأستاذ في الكلية الحربية الوطنية، فقد لعبت شخصيا دورا في العديد من المناورات الحربية المتعلقة بالصراع الصيني الأمريكي حول تايوان. كانت الولايات المتحدة في الجانب الخاسر في كل مرة. إن فكرة احتواء الصين هي مجرد وهم خطير. استفادت عملية احتواء الاتحاد السوفيتي من الضعف العسكري والاقتصادي الذين كانت تعاني منه الدولة السوفيتية نفسها؛ كان انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991 يعزى إلى هذا الضعف أكثر ويعود إلى الإنفاق العسكري الأمريكي وحرب النجوم التي أطلقها رونالد ريغان في خضم الحرب الباردة. تعد الصين قوة عسكرية إقليمية وقوة اقتصادية عالمية، لذلك فإنه من الصعب اليوم احتواؤها. في أوروبا، استفادت الولايات المتحدة الأمريكية من مشروع مارشال لدعم دول أوروبا الغربية التي خرجت منهارة ومدمرة من أتون الحرب العالمية الثانية، مثلما استفادت واشنطن من إنشاء منظمة حلف شمال الأطلسي. في آسيا، لدينا سلسلة من العلاقات الثنائية الجيدة مع الدول التي ليس لها مصلحة في أن تكون جزءًا من الحرب الباردة الصينية الأمريكية. كان عدم استعداد الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول للقاء بيلوسي مؤشراً على مصالح سيول في استرضاء الصين. على أي حال، فإن مبادئ الاحتواء التي تم استخدامها في أوروبا ضد الاتحاد السوفيتي ليس لها أي تأثير على الإطلاق على أي سياسة لاحتواء الصين. كومونز
مشاركة :