أكد معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي رئيس هيئة علماء المسلمين الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى أهمية المنتديات العالمية التي تُسهِم في تعزيز الوعي بأهمية التقارب والتفاهم والتعاون بين الأمم والشعوب، والتصدي لشعارات الكراهية والعنصرية وكذا نظرية حتمية الصدام والصراع الحضاري. وشدد في كلمة ألقاها بدعوةٍ من رئاسة منتدى ريمني الذي تحتضنه إيطاليا، ويُعدّ أكبر تجمُّع للشباب الأوروبي لتعزيز الصداقة بين الشعوب، على أهمية استشعار الحس الديني الذي يمثِّل القيمة الإيمانية لدى كل إنسان، ومن خلاله يتم استشعار سبب وحكمة وجودنا وقيمته. وعمَد معاليه في سياق محاضرته في أعمال المنتدى الذي يُعد الأكبر عالميًّا ويرتاده نحو مليون زائر سنويًّا إلى الملامسة والحفز لمشاعر الإيمان العميقة المغروسة في كل إنسان، في أجواء فكرية وفلسفية تخاطب الجميع، المؤمنين وغير المؤمنين، وتستخدم في ذلك منطق الحكمة التي تأخذ بالإنسان إلى فطرته الإيمانية، وتهديه إلى الإيمان بالخالق الذي أوجَدَ الإنسان ووضعَ فيه القِيم كفطرة إنسانية. وقال معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي خلال المحاضرة الرئيسية للمنتدى الذي حضره جمهور أوروبي غفير من الشباب والقيادات الدينية والسياسية والفكرية، ومن الأكاديميين والمثقفين وطلاب الجامعات: إن القيم العامة التي تُمثِّل المشترَكات الأخلاقية بين البشر، هي في الواقع انعكاسٌ لبعض آثار الفطرة النقية المغروسة داخل كل إنسان، مُضيفًا أن هذه الفطرة بكامل معناها تعني فطرة الإيمان في كل نفسٍ بشريةٍ، وحتى لو أنكر الإنسان الإيمان بالخالق فإننا نقول له: “إن هذه القيم الإنسانية هي أثر من آثار الإيمان الخفي بالله الواحد الأحد الذي تم تجاهله لأي سبب من الأسباب”. وأوضح أن التاريخ الإنساني حوى كثيرًا من الجدليات والفلسفات، لكنه سجّل بينها مشتركاتٍ أخلاقيةً، وقال: “نحن -المؤمنون بالخالق جل وعلا- نقول بأنها انعكاس لفطرة الإيمان، وغيرُنا يصفها بالقيم الإنسانية, ونحن لا نمانع من تسميتها “قيمًا إنسانيةً”، لأننا على يقينٍ بأن هذه القيم الإنسانية لم توجِدْ نفسها بنفسها، بل بفاعلٍ أوجَدها: وهو الإيمان الداخلي بالخالق الواحد الأحد. سواء أكان هذا الإيمانُ مُعلَنًا أو كان خفِيًّا في أعماق النفس البشرية. وبيّن الدكتور العيسى أن الإنسان حينما يتجرّد من هذا الإيمان، وبمعنى آخر يتجاهل هذا الوازع والدافع الإيماني الداخلي بآثاره الموضحة سابقاً التي تمنحه القيم الأخلاقية، وتميزه عن غيره من المخلوقات، يجد نفسه أمام تفسير مبهم وعبثي، ومن هنا جاءت عبثية النفعية المادية في صورتها الأنانية وبنتائجها السلبية، والخطيرة على الإنسان في السلم العالمي والوئام المجتمعي. وانتقد معاليه نظرية الصِّدَام الحتمي للحضارات، محذِّرًا من أن إغفال المشترك الإنساني يُفرِز مثل هذه النظرية، التي تولَّد عنها عددٌ من الأيديولوجيات المتطرفة. وأشار إلى أن الرابطة وشركاءها حول العالم قد أعلنوا عن “تحالف الحضارات”، ليكون بديلًا عن صدام الحضارات، وقد استوعبت الأمم المتحدة مؤخَّرًا أهمية هذا الأمر، وأنشأت لذلك منظمة دولية. وتناول الدكتور العيسى موضوع الحرية، مشدِّدًا على أن موضوع الحرية يمثِّل مرتكزاً أساسيًّا في القيم الدينية والإنسانية، كما شدّد على أن المعنى الحقيقي للحرية يقف عند قوانين الدول وقِيمها المجتمعية، داعيًا إلى ضرورة التمييز بين الحرية والفوضى، وبينها وبين احترام كرامة الآخرين، وبينها وبين احترام القوانين، وبينها وبين احترام سكينة المجتمعات وعدم إثارتها والتشويش على أفكارها بالمعلومات الكاذبة والمغلوطة، من خلال استخدام أساليب الخداع والتدليس. وبين أن هذا ما تنبَّه له مسؤولو وسائل التواصل الاجتماعي مؤخَّرًا، حيث تعاملوا مع أي حسابٍ أساء لمعنى الحرية بالكذب والتزوير بالتنبيه أو الإيقاف المؤقت، ثم الإغلاق. وأكَّد أن هذا تطوُّر إيجابي في إدارة تلك المواقع التي تمتلك منصاتٍ في غاية الأهمية، وغاية الخطورة متى ما استُخدمت بالأسلوب الخاطئ. وفي سياق محاضرته، قدَّم معالي الدكتور العيسى نقدًا تحليليًّا لأفكار ومقولات بعض أبرز المفكرين الغربيين الذين كانت لهم إسهامات كبيرة في الحقول الدينية والفلسفية.
مشاركة :