سيرة الجد والحفيد: التاريخ العبقري للحكمة

  • 8/30/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

ما بين زمنين ممتدين ومتعانقين، ضاربين في أعماق الأرض، وشاخصين إلى السماء، تتبلور سيرة الجد والحفيد، ويتشكل تاريخ صاعد إلى الذرى في مملكتنا الناهضة. وينهل هذا التاريخ الممتد من منابع الحكمة والبصيرة، فيما تسير المنطقة من حوله قديماً وحديثاً على حافة البراكين، لكنّ الرؤية تنتصر، فتظل المملكة، وستبقى طوداً شامخاً، ومدرسة في الصبر وعرك الأحداث، وطحن العواصف، وصناعة الأمل. وتأتي هذه التحولات، فيما يشهد المجتمع الدولي أحداثاً وأزمات إقليميّة ودوليّة متسارعة، تشكل تحديات خطيرة أنتجت تداعيات لها بالغ الأثر على مقومات النظام الدوليّ ككل، وأسهمت، وما انفكّت، في خلط الأوراق على المستويات كافة؛ الجيو سياسية والجيو اقتصادية، بما في ذلك الأمن والتنمية المستدامة، علماً بأنّ مثل هذه التفاعلات جرّت، فيما مضى، القوى العظمى إلى الحروب والمواجهات التي دمرت أوروبا واليابان، وأودت بمصائر الكثير من الشعوب والدول. ولا يسع المراقب الغارق في خضم هذه الأحداث إلا أن يستعيد مواقف الملك عبدالعزيز -طيّب الله ثراه- وقدرته الفائقة على التعامل مع معطيات السياسة الدولية ومنعرجاتها، في تلك الحقب الزمنية وما تلاها ونجم عنها من أزمات متعاقبة، هذه الحكمة الفريدة والتعامل بواقعية مع مختلف المتغيرات، ميّز المملكة، دون الانزلاق في أتون المواجهة، أو الانجرار وراء سياسات الاستقطاب والتمحور، إبان حقب ملتهبة تمثلت في الحربين العالميتين، وانهيار أربع إمبراطوريات عظام، كبيرة النفوذ، مترامية الأطراف؛ الإمبراطورية القيصرية في روسيا، والإمبراطورية النمساوية المجرية، والإمبراطورية الألمانية، والإمبراطورية العثمانية، لقد عاين الملك الراحل، بثاقب نظره، تراجع الكثير من مفاهيم السياسة الدوليّة كمبدأ توازن القوى والهيمنة الأوروبية، ما جعله يتفادى الإفرازات التي تمخّضت عنها تلك الأحداث وأصابت العالم بالاضطراب. كانت شخصية الملك عبدالعزيز وحنكته ووعيه السياسي محط إعجاب القادة الكبار في العالم، ممن أصبحوا يتطلعون إلى لقائه للاستفادة من وجهة نظره في الأحداث القائمة، حيث طلب الرئيس الأميركي فرانكلين د. ي. روزفلت عام 1945، وكذلك رئيس وزراء البريطاني ونستون تشرشل مقابلة الملك عبدالعزيز والاجتماع به، والوقوف على مواقفه وآرائه، لقد شكلت هذه اللقاءات لحظات مهمة في تاريخ العلاقات بين هذه الدول، وكانت لها انعكاساتها الفارقة، سواء على صعيد العلاقات الثنائية، أو كيفية التعاون والبناء في خدمة الإنسانية، وتثبيت دعائم الأمن والسلم الدوليين. وها هو الحفيد، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع، وبتوجيه من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، -يحفظهما الله-، يرقّي المملكة مكانة مرموقة ويجعلها ذات ريادية دولية، بفضل ثاقب نظرته ومهارته السياسية في القيادة ببصيرة واضحة وحكمة لافتة ورؤية واقعية، تأخذ التفاعلات السياسية والمواقف الدولية بحسن المقاربة، وبالثقة التي عزّ نظيرها، الأمر الذي جعل رؤساء العالم وقادته يطلبون مقابلته ويتقاطرون من أجل ذلك على المملكة، لمقابلة هذا القائد الملهم الذي يعيد إلى الأذهان مواقف الزهو التي سطّرها في كتاب التاريخ الملك المؤسس، وجعل الحكمة تسري في عروق الأبناء والأحفاد، جيلاً بعد جيل. أثبت مسيرة الدولة السعودية في الحقب التاريخيّة المختلفة كيف تعاملت المملكة مع التفاعلات والمتغيّرات وَفق أعلى معايير التعايش والندية، واليوم، وفي ظل القيادة الشابة تسير بلادنا على درب هذا الامتداد التاريخي الخلّاق، حيث أثبتت هذه القيادة قدرتها على استيعاب الظروف الصعبة بفضل التفكير السياسي والإستراتيجي المدروس، الذي كان له أثره الكبير والواضح فيما تنعم به البلاد اليوم من التجدد والنهوض والتوق إلى معانقة الشموس، في المجالات كافة. ونحن على أعتاب مرحلة جديدة، أصبحت المملكة بوحي من البصيرة النافذة نقطة ارتكاز وجذب للاستثمارات الأجنبية الدوليّة، وملتقى للتقنية الرقمية والتبادل المعرفي، في ظل تدفق المعلومات والفضاء السيبراني. هذه الإنجازات، وسواها الكثير الكثير مما تتسم به المملكة الجديدة، ساهمت في إغناء المواهب وإنتاج المهارات المبدعة التي تزخر بها البلاد. إنّ تعامل المملكة مع الديناميات المتجدّدة، في عالم يغمره التفكير الجديد، يصدر عن إيمان راسخ بوحدة المصير العربي والمستقبل الواحد، وأهمية التعاون والتكاتف، للوقوف سداً منيعاً في وجه كل من يحاول النيل والتغلغل ونشر الفتن والخراب، عبر نشاط محركاته السياسية، أو تنمّر أذرعه الطائفية وميليشياتها الإرهابية. وبصرف النظر عما يثار، في بعض القمم التي تعقد، من مواقف يُسوَّق لها بين الحين والآخر، فإنّ المملكة هي الدعامة الأساسية للأمن والاستقرار في هذه المنطقة الحيوية، أياً كانت الصعوبات والتحديات. المملكة برهنت، وما تزال، على مدى قدرتها على الانطلاق إلى ذرى الحداثة ومواكبة روح العصر، وّفق مسار التحديث والنهوض بالمجتمع، بما يكفل مستقبلاً واعداً يجعل المملكة أنموذجاً خلّاقاً وملهماً للنجاح، وإحياء الأمل. *كاتب ودبلوماسي سابق

مشاركة :