كليات التربية وسوق العمل - د.عقل عبدالعزيز العقل

  • 8/30/2022
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

اعتدنا أن نسمع ونقرأ كثيرًا عن دور الجامعات في تلبية احتياجات سوق العمل، وهذا بلا شك مطلب مهم ومُلِح، إذا لا يتصور أن يحصل طلاب وطالبات الجامعات على مؤهلات لا تُلبي احتياجات سوق العمل وتزيد من معدلات البطالة والهدر المالي والبشري. كما أن مِن الواضح مثلاً أن الكليات التطبيقية والعلمية البحتة تحقق احتياج المهن الأساسية في القطاع الخاص والعام، فالكليات الطبية مثلا تُخرّج كوادر طبية للمستشفيات، وكليات الهندسة تنتج مهندسين باختلاف تخصصاتهم الهندسية والمدنية والمعمارية للقطاع الخاص والعام، وقل مثل ذلك في بقية التخصصات التطبيقية والعلمية البحتة. ويبقى السؤال الكبير أين كليات التربية وما دورها في سوق العمل؟ من المعلوم بداهة أن في كل جامعة سعودية كلية تربية فأين سوقها وأين أثرها وتأثيرها؟! من هنا يقع اللبس والخلط حينما يطرح بعضهم مفهوم السوق المالي والتطبيقي بمفهومه الرائج ويقيسه على كليات التربية. إن هناك علاقة تأثير وتأثر بين التنمية وسوق المال وبين التعليم بعوائده الربحية المحسوسة وغير المحسوسة، وبالذات في مجال منظومة القيم التربوية وأخلاقيات المهنة، فكليات التربية ومدارس التعليم العام هي الأم الحاضنة لجميع منتجات سوق العمل ومنها تبدأ عملية التدوير لسوق العمل ومنها يتخرج الطيار والمهندس والطبيب والمفكر والمخترع والقاضي والفيلسوف والمفكر. ومرة أخرى نقول أين كليات التربية من سوق العمل؟! إن سوق العمل لكليات التربية هو أكبر سوق تزدحم فيه البشرية وهو (سوق المدارس، والتعليم العام، والتعليم العالي، الذي يمكن قياس أثره أثناء تنفيذ العملية التعليمية، وربما لا يمكن قياس أثره إلا بعد فترة من الزمن). إنّ مهام كليات التربية جسيمة وخطيرة ويتعذر حصرها لكن من أبرز مهامها ومؤشرات ارتباطها بسوق العمل ما يلي: 1 - إعداد وتأهيل مشرفي المدارس ومديريها ووكلائها ومرشديها ومعلميها إعدادًا علميًا احترافيًا. 2 - تطوير كفاءات المعلمين المهنية باستمرار وإعدادهم قبل الالتحاق في الخدمة وأثناء التحاقهم في الخدمة. 3 - إعداد المناهج وتطويرها وتقويمها وقياس أثر مخرجاتها بشكل نوعي ومتجدد. 4 - إقامة البرامج والأنشطة الاثرائية للتعليم العام والعالي. 5 - مساندة الجامعات بكلياتها في إنتاج الأبحاث لتطوير أعضاء هيئة التدريس وكفاءتهم المهنية والأخلاقية. 6 - إقامة الدورات ذات العلاقة بأساتذة الجامعات وبالذات الدورات التي تُعنى بطرائق التدريس ومناهج التعليم وتقويمها. 7 - وكليات التربية مطالبة أيضًا بإعداد الدبلومات المجتمعية المتنوعة ومنها التنمية المستدامة ومنظومة القيم التربوية لكل أبناء المجتمع. 8 - كما أن كليات التربية هي المسؤولة الأولى عن دراسة المشكلات والظواهر المجتمعية التربوية ومعالجتها من خلال الأبحاث العلمية الرصينة. 9 - ومن أدوار كليات التربية عقد الملتقيات والمؤتمرات التي تحقق هدف اجتماعيات التربية. 10 - وكذلك قياس أثر مخرجات التعليم العام والعالي ومدى تلبيتها لسوق العمل. وبرؤية سريعة للتعليم العام فإنه لا يتصور بحالٍ أن يؤدي المدرس دوره التربوي وهو لا يمتلك الأصول والجذور التربوية الفلسفية التي يستلهم منها نظريات التعلم والتعليم ويأخذ منها ما يناسب وينتقد من خلالها المنظومة التعليمية ويحلل ويقارن ويفكر! - كما أنه لا يتصور أن يؤدي المعلم والمرشد الطلابي دوره دون معرفته بالأسس النفسية التي يتلقاها من علم النفس التربوي ويتعرف من خلالها على الفروق الفردية ومعالجة وتقويم السلوك! - ولا يدور بمخيلة أحد أن تُدير المدرسة ذاتها بذاتها، دون التعرف على مهارات القيادة التربوية وتطبيقاتها كما تدرس في كليات التربية! 11 - وقل مثل ذلك في تكنولوجيا التعليم وتقنياته المتسارعة والحاجة إلى اللحاق بركب المدارس العالمية والتي قطعت فيه أقسام تكنولوجيا التعليم في الجامعات السعودية شوطًا كبيرًا وأبدعت فيه. 12 - ومن نافلة القول ان المدرس لا يكاد يخطو خطوة دون علم ودراية بمناهج وطرائق التدريس وأدواتها الحديثة وتطبيقاتها ومقاييسها ونظرياتها المتنوعة! 13 - وحديث الساعة اليوم رياض الأطفال وكذلك الاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة وهذا لا يتأتى إلا من خلال الأقسام التربوية الأكاديمية! إنها بِحق مسؤوليات جسيمة وكبيرة تقع على عاتق كليات التربية لتلبي حاجات سوق عملها أولاً من خلال مدارس التعليم العام ومن خلال الجامعات في التعليم العالي ثم تتجه بعد أداء واجباتها المنوطة بها إلى المحاور الفرعية الأخرى لسوق العمل الآخر بمفهومه العصري الدارج في التنمية البشرية والاقتصادية. وحينما تتخلى كليات التربية لأي سببٍ من الأسباب عن سوق عملها الأساس والنزول للميدان التعليمي التربوي فمن الطبيعي أن يقوم غيرها بدورها. كما أن دراسة القضايا الاقتصادية المتعلقة بالتعليم من خلال اقتصاديات التعليم أمرٌ في غاية الأهمية، بما في ذلك الطلب على التعليم وتمويل التعليم وتوفيره، والكفاءة النسبية لمختلف البرامج والسياسات التعليمية ونتائج سوق العمل للأفراد والتي من خلالها ينمو مجال اقتصاديات التعليم بسرعة ليغطي عمليًا جميع المجالات ذات الصلة بالتعليم. إن عمل كليات التربية شاق وصعب ومتجدد وربما لا تستطيع كليات التربية الوفاء به مهما حاولت، وأعتقد أن كليات التربية اليوم في مرحلة حرجة جدًا حيث تريد أن يفهمها الجميع بأن سوق العمل لديها أكبر من أن يُختزل بالتنمية المهنية المحددة في سوق العمل العُرفي، وكأني بكليات التربية تناشد الجميع بأن أعطوني فرصتي وحقي وفرصتي لأنهض بالتعليم الذي من خلاله تنهض الأمم وتأكدوا أن عملية التصحيح تبدأ من أساتذة التخصص في كل قسم تربوي.

مشاركة :