هي هكذا السنوات لا تعرف الانتظار تمر مسرعة في اتجاه تراكمي يعود على الإنسان بالكبر المفضي إلى الشيخوخة ومن ثم مغادرة دنيا الأحياء هذه هي الحياة وهذه سننها. هذا إذا لم يعاجلك تسارع أيامها بالمفاجآت غير السارة، كأن تفقد فيها عزيزاً مثلما فقدت أنا الصديق الحبيب يوسف يتيم رحمة الله عليه، وغيره ممن أحب وتحبون. السنوات لا تعرف الانتظار بدليل أننا اليوم صرنا في العام 2016، بحسب إدراكات البشر في تسجيل تواريخها. إخواننا في بلاد الشام يعبرون عن تسارع الأيام وتواليها بالقول إن السنوات بتمرق، ونحن هنا في البحرين نقول إنها تدبج دبج. دبجة هذه الأيام، قارئي الكريم، أومرقانها، ولا أعلم إن قلتها صح، تتكتل بتسارع عجيب في أسابيع، ومن ثم في أشهر، وهذه الأشهر في مجموعها تصبح أسرع إلى أن تكون لك رصيداً في بنك الزمن لا تنتفع منه إذا لم يكن هذا الرصيد عبارة عن تراكم خبرات يتم توظيفها فيما ينفعك وينفع أهلك وناسك وأرضك. اليوم ودعنا وإياك قارئي الكريم عام 2015 بكل ما حفل به من أحداث كان مهينة للكرامة الإنساني في غير بلد، وها نحن نحتفل معاً باستقبال عام آخر يزيح الرقم خمسة ويرتسم محله الرقم ستة لنضيفه إلى متراكم السنين التي تشكل مجتمعة قرونا. نبدأ معاً السنة الجديدة بالعد من اليوم الأول هذا الذي بجمعه مع الأيام الستة الأخر يصبح الأسبوع الأول من عام جديد، ويتبعه الأسبوع الثاني فالثالث ليكتمل الشهر الأول بتراكم الأيام والأسابيع، ويكتمل العام بتراكم الشهور فتضاف إلى جملة السنوات التي تشكل في نهاية المطاف قرناً آخر يضاف إلى بنك زمننا، وبنك الزمن هو البنك الوحيد الذي كلما أضفت إليه أياماً من عمرك تكون النتيجة بالسالب، ما يفضي إلى تقليص فرص العيش لديك استجابة لنواميس الطبيعة وقوانين استمرار الحياة القاضية بأن للعمر نهاية على عكس البنوك التجارية والزراعية والصناعية وغيرها. هذه السنوات التي تمضي مسرعة ينبغي أن تكون حافلة بالعطاء الإنساني. وينبغي أن تشكل إضافة نوعية للحضارة الإنسانية. وإلا كفت عن أن تكون إضافات نوعية وصارت روتينا يرقب الشمس في شروقها وغروبها فحسب، وبالتالي تكف أن تكون أعمارنا إضافات إذا تعطلت قاطرة التنمية عن أن تكون سكة لهذه القاطرة. مر علينا هذا العام مثلما نحن نرصد اليوم تلاشي هذا العام الوليد حتى نبلغ منتهاه ومعايشة تفاصيل غروبه ! من يدرك الفرق؟ هو هكذا يمر علينا ونحن لم نستقد شيئاً مما كنا في حنين إليه مثل مغادرة محطة الآلام التي وجدت أمتنا العربية نفسها محشورة فيه الطائفية والغدر والخيانية. اليوم نحن في مملكة البحرين، على سبيل المثال، نستعيد المبادرة في حسم بعض الأمور، وبداية تلك المتعلقة بالمستقبل. بمناسبة السنة الجديدة نذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين إلى أننا الآن نلج إلى السنة السادسة من عمر الأزمة الطائفية التي افتعلتها الجمعيات الوطنية جدا والديمقراطية جدا جدا. ولعل المواطن اليوم يلحظ أننا تخطينا الصعاب، وتجاوزنا المآسي التي كانت ستكون حاكمة لسلوكنا المواطني في هذه الأرض الطهور، بفضل وحدة هذا الشعب، وبفضل الفهم العميق المتراكم لديه بحقيقة الحراك المذهبي، وبطبيعة الأيادي العابثة التي كانت تدير مثل هذا الحراك الذي استوطنته المذهبية وجاست فيه الكراهية. لقد انحسرت المياه التي كانت يوماً ما في 2011 دافقة في بئر الطائفية الطافحة من سلوك كثير من السياسيين المتأسلمين، وأضحى بئراً آسناً لا يلوي إلا على بعض من المجانين المؤمنين حتى اللحظة بتدخل خارجي يحقق لهم أحلام يقظتهم البائسة. أضحت البحرين اليوم واحة أمن وفضاء أحلام تنموية مفتوحة على المدى يتصدى لتحقيقها الشعب بقيادته الرشيدة. البحرين لم يعد يخيفها اليوم بعض أدعياء حقوق الإنسان، لأن قافلة العمل فيها تسير قدماً إلى الأمام غير عابئة بعواء البعض. لا أحسبك، قارئي العزيز إلا أن تكون فطناً وتكتشف أنني واقع تحت درجة ما من ارتفاع الضغط العصبي العالي، وهي حالة، في اعتقادي، مبررة في وقت نبدأ معاً سنتنا الجديدة. وإني لأسألك هذا السؤال هل يجوز اليوم أن يطل علينا اليوم من يقترح حوارا أوتفاوضا؟! القراءة اليومية لصفحات الرأي في الصحافة البحرينية، التي ترفل بمساحة من الحرية قلما تجدها في بلدان أخرى، قادتني إلى قراءة مقال جاء من خارج السياق الوطني فأسهم في طبع هذه الحالة، حيث ان كاتب المقال مازال يحلم بشيء من بقية حضور في المشهد السياسي حتى يطرح الحوار أو التفاوض!! ولعل طرحه هذا يقودنا إلى استدعاء التاريخ غير البعيد الذي كنا نستجدي فيه الجماعة الخارجة على نواميس الوطنية البحرينية أن تثوب إلى رشدها وتقلع عن صلفها وغيها حفظا لمصلحة الوطن وتماسك نسيجه الاجتماعي. القيادة السياسية أول من دعا إلى ما سماه الكاتب إياه حوارا الذي لم أذكر اسمه، وراح البعض منهم يفلسف مفهوم الحوار ويجترح بدائل من مستويات أخرى، فوجدوا في التفاوض ضالتهم، أي في ما يمكنهم أن يعبروا بشكل صريح عن حراكهم المذهبي الضال. وعلى عكس ما كانوا إليه يسعون التقط كتاب كثيرون، أسمتهم الجمعيات المذهبية واليسارية بكتاب السلطة، فكرة القيادة السياسية التي كانت تسعى إلى تحجيم الخسائر الوطنية، ورغبتها في الحوار، إلا أن من كانوا يعسكرون في الدوار قد شطح بهم الخيال وذهبوا بعيدا إلى درجة جعلتهم يعبثون بهيبة الدولة وينادون بإسقاط النظام، وإقامة جمهوريتهم الإسلامية، ولعل بعضهم قد أقام هذه الدولة الموهومة في خياله المريض وصار يوزع المناصب ويقسم الغنائم ويقرر مصائر من اعتبرهم أعداء فهجر بعضهم ونصب المشانق لبعضهم الآخر. هذه كانت حقيقة صعب نكرانها، مهما السنون مضت. فتباً لكم كيف ارتضيتم أن تستمدوا العون ممن كان يتاجر بمذهبكم ليهتك عرض عروبتكم، ويربح سياسيا على حساب خسارتكم....؟ اليوم الحياة السياسية باتت في صحة جيدة وليس عليكم إلا ركوب سفينة الوطن والانخراط في العمل الوطني ضمن بقية شعب البحرين من خلال مؤسساته الدستورية. وغير ذلك في اعتقادي يبقى تنازلاً ممن خسر النزال مع الشعب بقيادته الرشيدة. باختصار مؤسساتنا الدستورية مشرعة أبوابها وتستوعب الكل، وبلا حوار وبلا بطيخ. قافلة الوطن تحركت ولعل هذا العام يكون العام الفاصل نهائياً بيننا وبين السنوات الخمس العجاف التي خلت.
مشاركة :