انتفضت قبائل اليمن ضد المتمردين الحوثيين وحلفيهم المخلوع علي صالح، بعد أن كادت قوتها تختفي بسبب غياب الدولة وسقوطها بيد الميليشيات الانقلابية، وكشفت الأحداث التي مرت بها البلاد - أخيرا - أن القبيلة صمام أمان للبلاد، ورقم يصعب تجاوزه في أي مرحلة من مراحل التاريخ اليمني، بعد أن حاولت الميليشيات تدمير القبيلة وإطلاق رصاصة على النسيج القبلي، بدءا من بلدة دماج؛ أقصى شمال البلاد، وصولا إلى أولى حملاتهم ضد قبيلة حاشد المشهورة بمحافظة عمران التي تمكن فيها المخلوع من شق صف القبيلة، عبر استخدام المشايخ القبليين الموالين له، للتخلي عن زعيم القبيلة صادق الأحمر، وأجبره مع أشقائه على الانسحاب من معقلهم التاريخي في منطقة «العصيمات»، التي كانت تمثل القوة الموازية للدولة، وتكرر الأمر في كل محافظة سيطروا عليها، عبر استخدام أسلوب التفجير للمنازل، واقتحام منازل زعماء القبائل وسيلة لترهيب خصومهم. وبحسب دارسات وإحصاءات غير رسمية، فإن عدد قبائل اليمن يتجاوز مائتي قبيلة، منها 141 قبيلة تستوطن في المناطق الجبلية الوعرة، و27 قبيلة تعيش في مناطق تهامة، وباقي القبائل تتوزع على المناطق الشرقية والجنوبية للبلاد، وتعود أصول القبائل اليمنية إلى جذور عدنانية وقحطانية وهمدانية، وأشهرها قبائل: بكيل، وحاشد، ومذحج، والزرانيق، والعوالق، والحواشب، وقبائل الضالع، ويافع وردفان، وقبائل أبين وشبوة، وكندة والحموم في حضرموت، وهناك ثلاث قبائل رئيسة تعد الأكبر من حيث العدد والانتشار والنفوذ السياسي والاجتماعي في اليمن، خلال العقود الأخيرة؛ هي قبائل حاشد، وبكيل، ومذحج، وتعد قبائل حاشد الأكبر نفوذًا وتأثيرًا من بين القبائل اليمنية. وصرح الشيخ الحسن أبكر، الزعيم القبلي البارز في محافظة الجوف الذي قتل اثنان من أحفاده في معارك مع المتمردين، لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «دور القبيلة كان مساندا للشرعية والدولة على الدوام، والانقلاب كاد يحقق أهدافه لولا تدخل القبائل ووقفوها ضدهم، حيث صمدت بإمكاناتها البسيطة في وجه أسلحة الجيش التي نهبتها الميليشيات من الدولة». وأكد القيادي البارز في المقاومة الشعبية، أن القبيلة على مر تاريخ اليمن كانت صمام أمان، وذكر أنه «رغم أننا لا نملك العتاد العسكري الثقيل ولا الخبرة العسكرية الكافية، فإننا تمكنا من صد عدوان الحوثي والمخلوع». وأوضح الحسن أبكر أن قبائل دهم في الجوف كانت السباقة في مواجهة المتمردين قبل سنوات عدة، وقال: «بعد أن تأكد لنا وقوف المخلوع وراء دعم الحوثيين أثناء حكمه في 2009، شكلنا المقاومة الشعبية وكنا نسميها (اللجان الشعبية)، وتحركنا بعدها لمحاربة الحوثيين في مديرية الزاهر، وتمكنا من دحرهم، لكن الدولة التي كانت رهينة بيد المخلوع أرسلت الوساطات لإيقاف الحرب ضدهم». ويتابع الزعيم القبلي: «أنشأنا معسكرات خاصة بنا، وتواصلنا مع الحكومة الشرعية والرئيس عبد ربه منصور هادي بعد انتخابه رئيسا للبلاد، وخضنا بسلاحنا الشخصي معارك الدفاع عن قبيلتنا، ورفضنا الاتهامات لنا بالإرهاب التي كان يطلقها المخلوع وحلفاؤه الحوثيون ضدنا»، موضحا: «عندما انهار الجيش اليمني تسلمت القبيلة مهام إعادة الاستقرار والتصدي للمشروع الإيراني، وتحول مقاتلو القبيلة إلى شوكة في حلق المتمردين». وحول الدعم الذي تقدمه السعودية، قال الحسن أبكر إن «مصير اليمن من مصير السعودية، وما قدمته لنا لا يمكن أن نوفيه، حيث قدمت دعما غير محدود لاستعادة الدولة التي اغتصبت من قبل عصابات إجرامية»، مؤكدا أن «هناك من زعماء القبائل من تمكن المخلوع من إغرائهم بالمال والجاه لدعم انقلابه، فمنهم من ارتهن له ومنهم من رفض»، وقال: «أثبتت قبيلة همدان في الجوف أنها ضد الحوثيين، وكان لها دور كبير في تحرير أجزاء واسعة من الجوف وعاصمتها الحزم»، معتبرا أن «من ارتهن للمتمردين وضع نفسه في موقف الخائن لبلده وقبيلته مقابل مال لا يدوم». ودعا الشيخ الحسن أبكر قادة المقاومة والجيش لإيلاء القبائل، التي ما زالت في محايدة، اهتماما كبيرا، «لأن أغلبهم ضد الحوثيين وضد الانقلاب، لكنهم بعيدون عن أي تنسيق أو تواصل، وهو ما يتطلب تطمينهم بأن الدولة والشرعية هي الطريق الوحيد لاستعادة الأمن والاستقرار في اليمن». ولفت القيادي في المقاومة إلى أن «أغلب المقاتلين لا يمتلكون إلا سلاحهم الشخصي الذي كان يتقاسمه أكثر من مقاتل، لكن أبناء القبيلة تدافعوا بكل إمكاناتهم للدفاع عن أنفسهم، وتقاسموا الغذاء والذخائر مع المقاومة. في المقابل كان الانقلابيون يحاربوننا بجيش وإمكانات الدولة التي نهبوها في 2014، ومع ذلك فشلوا في تحقيق هدفهم وتلقوا الهزائم المتتالية، وقريبا سنقطع دابرهم وندحر انقلابهم بدعم الأشقاء في التحالف العربي، وعلى رأسهم السعودية والإمارات». ومنذ سبتمبر (أيلول) 2014، تعيش المناطق القبلية حول صنعاء والمدن الرئيسية الظلم والقهر والعدوان بسبب ممارسات عصابات الحوثي والمخلوع بعد أن انقلبوا على الشرعية وعلى كل الاتفاقيات السياسية ومخرجات الحوار الوطن، فقد غلّبوا لغة السلاح ونشروا الخراب والدمار والتفجيرات والتفخيخ. وقال عبد الكريم ثعيل، عضو المجلس الأعلى لمقاومة صنعاء، ومن مشايخ قبيلة بكيل المشهورة: «التكامل الذي يحدث بين القبائل كمقاومة والجيش وفئات المجتمع كافة، يمثل ثورة شعبية كاملة كاسحة لدحر الانقلابيين المتطرفين واستعادة الشرعية وبناء اليمن الحديث، يمن النظام والقانون والحرية والكرامة». وصرح ثعيل لـ«الشرق الأوسط»، بأن «دور أبناء القبائل في دعم واستعادة الشرعية كان واضحا وحاسما في كثير من المناطق، سواء بالمحافظات الشرقية مثل مأرب والجوف أو محافظات الوسط في البيضاء وتعز، وأخيرا محافظة صنعاء، وأثبتت القبائل أنها أكثر وطنية من ضباط الجيش اليمني الذين ارتهن كثير منهم في 2014 للمخلوع». وذكر ثعيل أن «أغلب قبائل اليمن بقيادة مشايخها الوطنيين في خندق واحد مع الجيش الوطني، لدعم واستعادة الشرعية، ويقدمون أرواحهم رخيصة في سبيل دحر الانقلابيين في كل المحافظات من أجل استعادتها وبناء دولة النظام والقانون». ورأى القيادي في مقاومة صنعاء أن «القبيلة في اليمن هي المؤثر الأول في تغيير أي معادلة، فعندما صعد علي صالح إلى الحكم، قبل عقود، كانت القبيلة أهم من سارع إلى الاستنجاد به لمساندته، وعندما اتجه أبناء القبائل إلى التعلم تنامى الوعي عندهم، مما أدى إلى رفضهم ممارسات صالح لتوريث البلاد لعائلته، حيث كان للقبائل دور كبير في إسقاط نظام صالح في الثورة الشبابية السلمية في 2011، وشاركوا بإيجابية.. واليوم الجميع شاهد الدور الذي تقوم به القبائل المنخرطة في المقاومة، في عامة اليمن، وعلى سبيل المثال القبائل التي يقودها (المجلس الأعلى لمقاومة صنعاء) حققت انتصارات عظيمة ونقلوا المعركة من محافظة مأرب إلى صنعاء، حيث كانوا القوة الضاربة لدحر الانقلابيين، وتابع أبناء القبائل على أبواب العاصمة بقيادة البرلماني منصور علي الحنق زعيم مقاومة صنعاء، وهو أيضا شيخ مشايخ قبائل أرحب التي مرغت أنف المخلوع في التراب خلال حروبها السابقة معه». وعن دور التحالف العربي بقيادة السعودية، رأى ثعيل أن «قوات التحالف مثلت العمود الفقري لقوات الشرعية»، وقال: «ما قدمه الأشقاء في التحالف، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، هو ما ساهم في التصدي للانقلابيين، وتمكّنت قوات الشرعية من استعادة أكثر من 70 في المائة، من المحافظات المحتلة».
مشاركة :