يلاحظ زائر دبي الأعداد الكبيرة من السياح الأجانب في المدينة، ويتمنى خليجيون أن تتمكّن بلدانهم من تحقيق إنجازات في البنية التحتية والمشاريع السياحية، علماً أنها تملك الإمكانات ذاتها من بحر وشواطئ وأموال. فالكويتيون، مثلاً، لديهم العديد من الجزر القابلة للتحوّل إلى مناطق سياحية تستطيع أن تجذب، إذا توافرت لديها العوامل المناسبة، خليجيين وأجانب، ناهيك عن المواطنين الباحثين عن الترفيه. جزيرة فيلكا في الكويت، وهي جزيرة كانت مأهولة بالسكان قبل الغزو العراقي، تملك إمكانات مثالية لتصبح مزاراً سياحياً، وهي ما زالت تنتظر إنجاز مشروع كبير مطروح منذ نحو ربع قرن من دون تنفيذ. في المقابل، تمكّنت الإدارة السياسية في دبي من تطويع المعوقات والمصاعب، وأقدمت على خيار تحويل دبي إلى مركز سياحي وتجاري ومنطقة تسوّق ومحطة تواصل بين الشرق والغرب. يضاف إلى ذلك، أن دبي هي من أهم مناطق إعادة التصدير في العالم، إذ أصبح هذا النشاط يساهم بنسبة مهمة في ناتجها المحلّي الإجمالي. وتمكّنت فنادق دبي في 2014، من تحقيق إيرادات مقدارها 23.9 بليون درهم (6.6 بليون دولار)، وبمعدل نمو بلغ 9.8 في المئة عن العام السابق. وبلغ عدد الزوار في 2014، حوالى 11.6 مليون، وجاء الزوار السعوديون في المرتبة الأولى. وتبيّن المعلومات السياحية أن أعداد الصينيين الذين يزورون دبي تتزايد منذ سنوات. وبلغ عدد الفنادق 657، بزيادة 7.5 في المئة عن عام 2013، في حين زادت أعداد الغرف في الفنادق إلى 92 ألفاً و333 غرفة. ولا تقتصر السياحة على الزيارات العائلية أو الترفيه، فهناك نشاط المعارض ومهرجانات التسوق والمؤتمرات والمهرجانات الفنية التي تجذب العديد من المهتمين. وتعتمد هذه النشاطات على إنفاق الأفراد ومؤسسات القطاع الخاص وليس على دعم الحكومة، كما يجري في بلدان خليجية أخرى، وبذلك تجني حكومة دبي من هذا الإنفاق عائدات من خلال الضرائب والرسوم. وتشير الإحصاءات إلى أن الناتج المحلي الإجمالي لإمارة دبي يبلغ هذا العام 415 بليون درهم، ويساهم القطاع السياحي بنسبة 20 في المئة منه. وإذا أضفنا مساهمة قطاع النقل الجوي، تصل النسبة إلى 47 في المئة. ووفق المقاييس الدولية، تدخل مدينة دبي من ضمن أهم 25 مدينة جاذبة للسياح في العالم. وأوضاع دبي قابلة للتحسن أكثر خلال السنوات المقبلة، فعجلة الإنشاءات مستمرة من دون توقف. وتمكّن القطاع الخاص من تحسين أدائه هذا العام بعد تراجع محدود. ولا يقتصر الأمر على قطاع السياحة، فهناك قطاع التوزيع السلعي الذي نما في شكل جيد وكذلك قطاع الإنشاءات. ولا شك في أن الحكومة أقدمت خلال السنوات الماضية، على المساهمة في إنجاز العديد من المشاريع الرئيسة، وساهمت بنسبة مئة في المئة في عدد من المشاريع. واقترضت حكومة دبي أموالاً ضخمة من المصارف لتمويل تلك المشاريع. وأشار تقرير لصندوق النقد الدولي، إلى أهمية تحديد الأولوية للمشاريع الكبرى حتى لا تتفاقم ديون الحكومة. ويبدو أن حكومة دبي أخذت بهذه التوصيات لتفادي ما حصل بعد الأزمة المالية العالمية في 2008. فثمة ترشيد للإنفاق الرأسمالي ومحاولات للحد من القروض وأعباء خدمة الديون. وغني عن البيان، أن ترشيد التمويل في ظل تراجع أسعار النفط بات ضرورياً ومهماً. وتمكنت الحكومة من إعادة جدولة الديون المتعلقة بفترة 2008 - 2009 عندما بدأت الأزمة المالية، وبذلك أصبحت الالتزامات متوافقة مع إمكانات الحكومة. ويُفترَض أن دبي لن تتأثر كثيراً بتراجع أسعار النفط، إذ لا يساهم قطاع النفط سوى بنسبة اثنين في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي، لكن الإيداعات في المصارف شهدت تراجعاً في النمو خلال الشهور الماضية. ودبي التي نوّعت نشاطاتها الاقتصادية على مدى العقود الأخيرة مثل تعزيز دور السياحة وخدمات الطيران والنقل، تتميز بقدرات في قطاع إعادة التصدير. وتشير إحصاءات غرفة تجارة وصناعة دبي، إلى أن قطاع التصدير وإعادة التصدير حقق نمواً مهماً خلال الشهور الماضية، وربما تصل نسبة النمو إلى 10 في المئة سنوياً. وتمثل إيران سوقاً مهمة لإعادة التصدير، وربما تتمكن دبي من الاستفادة من هذه السوق بعد رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران خلال العام المقبل. وما يثير الاهتمام، أن البنية التحتية والأوضاع المؤسسية في دبي جاهزة للتعامل مع التطورات المحتملة في بلدان الجوار في شكل مهم. وهذه الإمكانات يجب أن تستفيد منها بلدان الخليج الأخرى وتوظّفها لتطوير أوضاعها. يمكن الكويت، مثلاً، أن توظف إدارة موانئ دبي للارتقاء بقدرات موانئها التي تعاني مصاعب لوجستية عديدة، كما يمكن أن تستفيد من خبرات دبي في تطوير خدمات النقل الجوي والطيران. فالخبرات المكتسبة في دبي يمكن أن توظف في مختلف بلدان الخليج من أجل تعزيز مساهمات القطاعات غير النفطية في النشاط الاقتصادي.
مشاركة :