ترتفع الضرائب والرسوم ومعدلات التضخم وتصبح تكاليف المعيشة مرهقة للكثيرين هنا في أوروبا حيث أمضي إجازتي السنوية، وتطغى أحاديث بل وهموم تكاليف فواتير الكهرباء والوقود والتدفئة والغذاء على غيرها من الأحاديث، والكل: حكومات وأفراد ومؤسسات ومصانع وأعمال يتوجس خشية من الشتاء القادم، الذي سيكون قارسا بكل تأكيد، بل وطاحنا لكثير من الفئات التي لا تعرف كيف ومن أين ستتدبر أمورها. في خضم هذه الأحاديث والأحداث تصلك الأخبار السارة من البحرين، صاحب السمو الملكي الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس الوزراء يأمر بمنح جميع الطلبة بالمدارس الحكومية قسيمة مالية بقيمة 25 دينارا، تساعد أسرهم وأولياء أمورهم على توفير الحقيبة المدرسية ومستلزمات العملية التعليمية، والتي تتحمل الدولة أساسا عبئها كاملا من خلال تقديم تعليم مجاني وذي جودة. توجيهات سمو ولي العهد رئيس الوزراء ترجمها وزير التربية الدكتور ماجد النعيمي على أكمل وجه، بما في ذلك ضمان توزيع ملف دراسي على كل طالب بالمدارس الحكومية يتضمن أهم المعلومات المتعلقة بالعام الدراسي الجديد، وتخصيص ثلاثة أيام لإقامة اليوم التعريفي بكل المدارس الحكومية، بما يعزز تكامل الجهود بين الكوادر التعليمية والإدارية وأولياء الأمور، ويسهم في النهوض بمخرجات العملية الدراسية، ويوفر بيئة محفزة على التفوق الدراسي. هذه المبادرة تؤكد مرة أخرى على قرب قيادتنا الرشيدة من المواطن، وحرصها على تحقيق تطلعاته ومساندته من أجل التخفيف من الأعباء التي يواجهها، وقيامها برصد ما يتم طرحه في وسائل الإعلام والشارع بشأن تلك الأعباء، خاصة وأن الحديث كان يدور مؤخرا حول ارتفاع أسعار القرطاسية في البحرين، وفي المنطقة والعالم أيضا. وتؤكد المبادرة أيضا اهتمام قيادتنا بشكل خاص في تنمية الكوادر الوطنية الناشئة، وصقل معارفها وبناء قدراتها وضعها على المسار الصحيح للمساهمة في البناء والتنمية، ويأتي في هذا السياق العديد من البرامج، من بينها برنامج ولي العهد للمنح الدراسية العالمية، وبرنامج سموه لتنمية الكوادر الحكومية، وما تقوم به «تمكين» من دعم لتدريب وتنمية معارف ومهارات البحرينيين في مختلف المجالات، وغيرها الكثير. وفي الواقع إن كل دينار يجري استثماره في نظامنا التعليمي يعود علينا بعشرة أضعاف من حيث الفوائد التي يجنيها الاقتصاد والثقافة والمجتمع ككل، وإذا نظرت إلى الأمر كرجل أعمال يمكنني التأكيد على أن زيادة الاستثمار في التعليم هي الوسيلة الأكثر جدوى حتى من الاستثمار في الثروات الطبيعية. فلدى البحرين واحد من أقدم أنظمة التعليم العام في الخليج العربي والمنطقة، حيث ظهرت المدارس بمفهومها الحديث منذ مطلع القرن الماضي، كما كانت البحرين أول دولة خليجية تفتح مدارس حكومية نظامية لإناث، وقد حصدت البحرين ثمار ذلك لاحقا منذ الخمسينيات، عندما بدأت طلائع الخريجين والخريجات البحرينيين تندمج في قطاعات المصارف والصحة والصناعة وغيرها، وهو ما وضع البحرين في صدارة دول المنطقة في تلك الفترة. الاهتمام في تطوير التعليم يحقق عوائد استثمارية أيضا، فقد سمعت مرات عديدة عن خطط لجعل البحرين وجهة إقليمية للطلاب الدوليين في الوقت الذي تحتاج فيه الدولة إلى الاعتماد على مصادر أكثر تنوعا من الإيرادات، ولدى البحرين الكثير من العوامل التي تجعل منها وجهة كبيرة للطلاب الأجانب، لديها تكاليف معيشة أرخص بكثير من العديد من دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، مما يجعلها في متناول سكن الطلاب، وربما بالإمكان أيضا جعل رسوم التعليم ذات قدرة تنافسية عالية. لقد زرعت أمي رحمها الله في داخلي حب العلم والتعلم، كانت أمي واحدة من بين القلائل الحاصلات على تعليم عال في لبنان، واستطاعت أن تقنع وزارة التعليم بافتتاح مدرسة لتعليم البنات في أحد أفقر مناطق بيروت، برج البراجنة، هذه المدرسة أصبحت خلال أربع سنوات من كبرى مدارس بيروت بأكثر من 1500 طالبة، ورغم وفاتها المبكرة إلا أنني عملت بوصيتها، وأكملت تعليمي في المدرسة الدولية ثم الجامعة الأمريكية معتمدا على ذاتي، وهذا ما شكل الأساس الصلب لمسيرتي اللاحقة. وربما حملت ذلك الحب طيلة الفترة الماضية ليظهر مؤخرا من خلال إقدامي على دخول الاستثمار في مجال التعليم، بما في ذلك المدرسة البريطانية في البحرين ومدرسة السلام. أحسست أنني أحقق حلم أمي، وشغف الطولة، وآمل أن أتمكن من التوسع في هذا النوع من الاستثمارات، وأن أسهم أكثر في نشر الثقافة والعلم في أرجاء الوطن العربي وفقا لأحدث طرق ومناهج التدريس العالمية، خاصة مع الحاجة الماسة إلى غرس الإبداع والابتكار والتنوير والانفتاح في عقول وتصرفات الجيل الجديد. يعمل لدي عشرات من البحرينيين، وأدرك تماما أنهم قابلين للتعلم الدائم، لكن علينا الاستثمار بهم دائما لناحية التدريب والتطوير، فغالبا ما يجد الخريجين البحرينيين أنفسهم في منافسة مع غير البحرينيين الذين هم على استعداد لأداء نفس العمل بنصف الأجر، والحل الوحيد لذلك هو أن يكون البحرينيين أقدر على أداء هذه المهمة بضعفين. وأرى أن أفضل استثمار لعوائد بيع النفط المرتفعة حاليا هو تحويل جزء منها من أجل تطوير قطاع التعليم، حيث سنقول وداعا للنفط عاجلا أم آجلا، لذلك يجب أن يكون الجيل القادم من أولادنا مبدعين ومبتكرين وقادرين على اقتناص الفرص وتوليد الإيرادات، ويلعب التعليم دورا حاسما في كل ذلك. وخلال حديثنا عن التعليم، لا ننسى أنه قبل فترة وجيزة أعلنت الحكومة الموقرة عن برنامج التمويلات الإسكانية الجديدة بهدف زيادة القدرة على توفير خيار السكن الملائم لأكبر شريحة ممكنة، وتمكنت من تحقيق فائض بالميزانية لأول مرة منذ العام 2008 وبما يسهم في تسريع مسارات التنمية التي يستفيد منها المواطن، وتراجعت نسبة البطالة من 7.7% إلى 5.7%، وغير ذلك الكثير من الأخبار التي تبشر بكل خير. يقال إن أحدهم سأل حكيما كبيرا في السن: ما هو الوطن؟ فأجاب: الوطن ثلاثة أمور، سقف ولقمة وكرامة، بمعنى بيت يأويني، وحصولي على احتياجاتي الأساسية من طعام وشراب ودواء وغيرها، وأمني وطمأنينتي واستقراري النفسي والاجتماعي. وفقا لهذا التعريف أقول: البحرين أحلى وطن.
مشاركة :