أظهرت الحرب العدوانية التي شنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أوكرانيا أن الدفاع عن القيم والمصالح الأوروبية هو مسألة حياة أو موت، ولم تعد أوروبا قادرة على التعامل مع الحجج شبه الدينية حول أولوية الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي باعتبارها أكثر أهمية من أمنها. كان الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير بمنزلة لحظة فاصلة بالنسبة للأمن الأوروبي، لكن العلاقات بين الناتو والاتحاد الأوروبي لا تزال مشوبة بالشكوك المتبادلة والتنافس المؤسسي والافتقار إلى التعاون الفعال، ويجب على المنظمتين وضع خلافاتهما جانباً والعمل معا. مرة أخرى، تشكل روسيا تهديداً طويل الأمد لأمن أوروبا، وفي الوقت نفسه، ستؤدي التداعيات الاقتصادية للحرب في أوكرانيا إلى تكثيف التحديات الأمنية على طول الجناح الجنوبي لأوروبا، وكما أظهرت الأزمة الحالية المتعلقة بتايوان، فإن إصرار الصين المتزايد سيلوح في الأفق بشكل متزايد في التفكير الاستراتيجي الأميركي. سيكون التحدي الأمني الأوروبي الرئيسي في السنوات المقبلة هو تعزيز الردع ضد روسيا مع الاحتفاظ بالقدرة على مواجهة التهديدات الأخرى، وعندما يتعلق الأمر بردع روسيا، من الواضح أن الناتو هي المنظمة التي لا غنى عنها، لأنه لا يوجد بديل قابل للتطبيق لهيكل قيادته المتكامل، لقد أعادت حرب أوكرانيا تنشيط مهمة الناتو الأساسية المتمثلة بالوقوف في وجه روسيا والدفاع عن أراضي أعضائها إذا فشل الردع، وبموجب خطط دفاعية جديدة، ستزيد قوة الرد السريع التابعة للناتو من 40.000 إلى 300.000 جندي، وستصبح فنلندا والسويد عضوين قريبا. تعتمد قوة الردع لحلف الناتو على القوات الأميركية المتمركزة في أوروبا- والتي زادت بنحو 20000 منذ غزو روسيا لأوكرانيا، إلى أكثر من 100000- ومن الترسانة النووية الأميركية، لكن لا يمكن للأوروبيين أن يتوقعوا استمرار الولايات المتحدة في تحمل الجزء الأكبر من دفاعهم إلى الأبد، حتى قبل رئاسة دونالد ترامب، كانت شكاوى الولايات المتحدة بشأن تقاسم الأعباء غير العادل أعلى صوتا وأكثر تواترا، فالتركيز الأميركي المتزايد على آسيا يعني أن مساهمة الولايات المتحدة في الدفاع عن أوروبا من المرجح أن تتقلص بمرور الوقت، ولا يمكن للأوروبيين استبعاد احتمال أن يصبح ترامب أو أي شخص في قالبه الانعزالي «أميركا أولاً» رئيساً في عام 2025 والابتعاد عن التزام الولايات المتحدة تجاه الناتو. لذلك، ليس لدى الأوروبيين خيار سوى المساهمة بشكل أكبر في الدفاع عن أنفسهم، فمنذ اندلاع الصراع في أوكرانيا، أعلنت دول الاتحاد الأوروبي رصد 200 مليار يورو (203 مليارات دولار) إضافية في الإنفاق العسكري، لكن العديد من البلدان قد تجد صعوبة سياسية في تنفيذ هذه الالتزامات نظرا للانكماش الاقتصادي وتنافس مطالب الميزانية. علاوة على ذلك، يعتمد تأثير الإنفاق الدفاعي الإضافي على خطة شاملة لتحديد أنظمة الأسلحة واللوجستيات والذخيرة المطلوبة، لكن الإنفاق الدفاعي الأوروبي لا يزال غير منسق، مع القليل من التعاون الحكومي الدولي، ووفقا لوكالة الدفاع الأوروبية، لا يمثل البحث والتطوير المشترك حاليا سوى 6 في المئة من إجمالي البحث والتطوير الدفاعي في الاتحاد الأوروبي، بفي حين تمثل المشتريات المشتركة 11في المئة فقط من إجمالي طلبات المعدات. يؤدي الاتحاد الأوروبي دورا رئيسا في تعزيز الأمن الأوروبي بطريقة تكمل جهود الناتو، بادئ ذي بدء، يحتاج الاتحاد إلى مساعدة الدول الأعضاء في إدارة العواقب الاقتصادية للحرب في أوكرانيا، وبالتالي المساعدة في الحفاظ على إجماع سياسي لفرض عقوبات على روسيا. يمكن أن يساعد الاتحاد الأوروبي أيضا في إعداد الجيوش الأوروبية بشكل أفضل للصراع، ستدفع خطة إنشاء قوة رد سريع قوامها 5000 فرد القوات المسلحة للدول الأعضاء إلى التعاون بشكل أوثق، مما يساهم في قدرتها الشاملة على ردع التهديدات، والاتحاد الأوروبي في وضع أفضل من الناتو لمواجهة التحديات الأمنية مثل المعلومات المضللة والتدخل في الانتخابات، لأنه من خلال الاتحاد تنظم الدول الأعضاء المنصات التكنولوجية التي تنتشر من خلالها المعلومات المضللة. لكن أكبر مساهمة محتملة للاتحاد الأوروبي في الأمن الأوروبي تكمن في قدرته على زيادة الإنفاق الدفاعي من الدول الأعضاء، ويمكن للقواعد المالية للاتحاد الأوروبي أن تشجع ذلك من خلال استبعاد الاستثمار الدفاعي من حدود عجز الميزانية، بالطريقة نفسها التي تم بها استبعاد الاستثمار في التحولات الخضراء والرقمية منذ بداية الوباء، علاوة على ذلك، يمكن للاتحاد أن يبتكر حوافز لتعزيز المشتريات المشتركة وتعميق التعاون بين القوات العسكرية الوطنية. قد تؤدي المقترحات الأخيرة من المفوضية الأوروبية، ولا سيما الإعفاء من ضريبة القيمة المضافة للمشتريات الدفاعية المشتركة، إلى إحراز تقدم كبير في الإنفاق الدفاعي والتنسيق والجهود المبذولة لتعزيز القدرات العسكرية الأوروبية، لكن الدول الأوروبية تفتقر إلى عقلية تعاونية حقيقية عندما يتعلق الأمر بتطوير واكتساب وتشغيل القدرات الدفاعية، حيث يتطلب تطوير مثل هذا النهج توجيهاً سياسياً أقوى من القادة الوطنيين. على الاتحاد الأوروبي وأعضاء الناتو الآخرين التأكد من أن أسواق الدفاع الوطني الخاصة بهم مفتوحة لبعضها بعضا قدر الإمكان، لضمان وفورات الحجم، وينبغي أن تسترشد محاولات الاتحاد الأوروبي لتحسين القدرات العسكرية بمبدأ تعظيم الفعالية ويجب ألا تضر بالعلاقات الطويلة الأمد بين شركات الدفاع في الاتحاد الأوروبي وشركائها من خارج الاتحاد الأوروبي. وعلى الولايات المتحدة أن تستمر في الإشارة إلى دعمها القوي لدور أكبر للاتحاد الأوروبي في الأمن والدفاع الأوروبي، لا سيما في تطوير القدرات العسكرية للكتلة، وفي الوقت نفسه، يمكن لصانعي السياسة في الولايات المتحدة التأثير على تطوير مبادرات الاتحاد الأوروبي بطرق تتجنب الازدواجية وتعزز الأمن الأوروبي. أظهرت الحرب العدوانية التي شنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أوكرانيا أن الدفاع عن القيم والمصالح الأوروبية هو مسألة حياة أو موت، ولم تعد أوروبا قادرة على التعامل مع الحجج شبه الدينية حول أولوية الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي باعتبارها أكثر أهمية من أمنها. * إيان بوند مدير السياسة الخارجية في مركز الإصلاح الأوروبي، ولويجي سكاتيري زميل أبحاث أول في مركز الإصلاح الأوروبي.
مشاركة :