لا بد أن نرفع القبعة احتراما لكل ما فعلته حكومة دبي، وهي تجتاز بنجاح استثنائي مذهل محنتها الهائلة مساء ما قبل البارحة. كل الملايين، حول العالم، كانوا يخمنون ويتوقعون أرقام الضحايا قبل التفكير في المنظر المؤلم لسحب النار في الفندق. كنت مع صاحبي على الهاتف وهو يتحدث عن المئات من القتلى كرقم متوقع. ولكن مع كل هذا المنظر المخيف تأتي الدهشة والمفاجأة: انتهى أكبر حريق فندقي في التاريخ، بحسب وكالة (dpa) الألمانية، بلا ضحية واحدة. برهنت دبي مساء ما قبل البارحة على أن الإنجاز الأساسي الأولي لا أن تبني الأبراج وترفع ناطحات السحاب، بل أن تتجاوز وتنجح في الامتحان الصعب في سويعات الكارثة. أنا واثق أن دبي، بعد هذا الامتحان، قد دخلت إلى قلوب الملايين بوصفها المكان الآمن الذي يحظى بالثقة المطلقة، ولست بالمبالغ إن قلت إنها قد حولت كارثتها إلى دعاية مفتوحة. إنه البروتوكول الأمني الصارم وقواعد وإجراءات السلامة التي تجعل من حياة الفرد الواحد أغلى من ثمن ناطحة سحاب. وقد لا يعلم كثر أن ساعة المحنة وصلت إلى دبي في الليلة التي تكون فيها المدينة في رأس ذروة كل ليالي العام، من حيث عدد السكان وفي المنطقة المركزية من المدينة التي تقفل كل حجوزات كراسيها قبل أسبوعين من ذات الليلة. في المنطقة التي لا تكاد تجد لك فيها مساحة لقدميك مع عشرات الآلاف الذين ينتظرون حفلة اللحظة. هنا أختم بهذه التفاصيل التي تستحق وقفة تأمل: في حديثه إلى قناة (سما دبي) يقول المتحدث الرسمي لشرطة دبي: نحن الآن بصدد إكمال إطفاء الحريق، ومن بعده ستبدأ دراسة الأسباب، ولدينا 300 كاميرا ترسل صورها إلى غرفة الأمن في الفندق بالتزامن مع إرسالها إلى الغرفة الأمنية لشرطة دبي خارج منطقة الحادثة. وسنستطيع عبرها الوصول إلى الشرارة الأولى في هذا الحريق، وكل أبراج دبي وفنادقها ومجمعاتها السكنية ملزمة بالاشتراك في هذه الخدمة. يواصل: أشكر آلاف زوار المنطقة المركزية في دبي، لأنهم التزموا بخطة الطوارئ التي تترك المسار الأيمن لكل الطرق مفتوحة أمام عربات الأمن والإسعاف والمطافئ، فلم نسجل مساء البارحة حالة تعثر واحدة. أكثر من هذا، حين يؤكد تسكين كل نزلاء الفندق في غرف أخرى قبل الواحدة من منتصف الليل، ويشكر أيضا تعاون عشرات الفنادق الأخرى مثلما يشكر فريق العمل الذي كان مخصصا لهذه المهمة. شكرا دبي، ولك يحق لنا أن نرفع القبعة. شكرا دبي لأنك... الأمل العربي... الذي كان في قلب الكارثة عند الساعة الثامنة مساء، لكنك... المارد... الذي يعود إلى الاحتفال المكتمل عند الثانية الأولى ما بعد الثانية عشرة.
مشاركة :