شَرِكات العَلاقات العَامَّة الدولية.. هَل تَبِيع الوَهْم؟!

  • 9/7/2022
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

إن على المجتمعات والدول - السَّاعية للتأثير في توجهات وسياسات المجتمعات والدول الفاعلة والمؤثرة في حركة السياسة العالمية - الاعتماد تماماً على قدراتها الذاتية، وإنجازاتها الوطنية ومكانتها التاريخية والثقافية، ومواردها البشرية المؤهلة، وإمكاناتها المالية والمادية المتوفرة، بدلاً من البحث عن شركات العلاقات العامة الدولية التي تبيع الوهم.. تحسِين الصُورة الذهنية، تسويق الإنجازات الموعودة، تجميل المظهر العام، تغيير قناعات الناس، مواجهة حملات التشويه، تبني مشاريع مُضادة، استقطاب أصوات مؤيدة، تحييد الأصوات السلبية، جميعها وعود تقدمها شركات العلاقات العامة الدولية للمجتمعات والدول الساعية للحصول على تأثير إيجابي داخل المجتمعات والدول المؤثرة في حركة ومجريات السياسة العالمية. وهذه الوعود التي تقدمها شركات العلاقات العامة الدولية يترافق معها أو يتبعها مباشرة تقديم التعهدات - النظرية -، والالتزامات - الشخصية -، لترتقي بمكانة الوعود المقطوعة - نظرياً - لمستويات عُليا من المصداقية لكي لا يتم التشكيك بها أو بث التساؤلات حولها. وبما أن التأثير في توجهات وقرارات المُجتمعات والدول الفاعلة والمؤثرة في حركة السياسة العالمية هدف مهم جداً لكثير من المجتمعات والدول المُتطلعة لتعزيز مكانتها في السياسة الدولية، أو لتقوية علاقاتها بمختلف أطراف المجتمع الدولي، فإنها تجد أمامها عروضاً متاحة تقدمها شركات العلاقات العامة الدولية التي تُبسط المسألة إلى المستوى الذي يُشعر تلك المجتمعات والدول وكأنها صاحبة الأمر، وصانعة القرار، والموجه للسياسات، في تلك الدول المؤثرة في حركة السياسة العالمية. وتحت هذا التأثير التسويقي المُحترف الذي تقدمه شركات العلاقات العامة الدولية، تعمل الكثير من المجتمعات والدول على الاستعانة بهذه الشركات التي قدمت الوعود النظرية، والعهود اللفظية، والالتزامات الشخصية، لتحقق تطلعاتها وأهدافها بالوصول للقلب الفاعل والمؤثر في تلك المجتمعات والدول المؤثرة في حركة السياسة العالمية. فإذا كان الأمر بهذه الصورة من حيث البداية وحتى النهاية بالوصول لاتفاق بين الطرفين، فهل ستصل هذه الدول والمجتمعات للأهداف المرسومة، والغايات المنشودة، التي تتطلع لها بالتعاون والاتفاق والتعاقد مع شركات العلاقات العامة الدولية؟! قبل الجزم بالقول "نعم ستصل"، أو بالقول "لا، لن تصل"، للأهداف المرسومة والغايات المنشودة، يجب أن نعرف أولاً ماهيّة هذه الشركات - شركات العلاقات العامة الدولية - التي تقدم الوعود، وإن كانت بالفعل تملك القدرات والإمكانات لتحقيق ما تَعِد وتتعهد به تجاه المجتمعات والدول. نعم، إن معرفة ماهيّة هذه الشركات تُساعدنا كثيراً في تقييم مدى مصداقيتها ومصداقية وعودها النظرية، وتُؤشر للمدى الذي يمكن أن تتحقق فيه تلك الوعود النَّظرية على أرض الواقع، وبالتالي معرفة إن كانت أهلاً للثقة التي تُصور نفسها بها أمام المجتمعات والدول. إن هذه الشركات - شركات العلاقات العامة الدولية - تضع عِنواناً رئيساً عريضاً ليعبر عن نشاطاتها التي تعمل عليها، وذلك العنوان العريض يتمثل بالآتي: توجيه الرأي العام في المجتمعات المستهدفة - الدول المؤثرة في حركة السياسة العالمية - لصالح دعم أو تأييد أو تبني مواقف المجتمعات والدول التي تعاقدت معها. وبما أنها شركات، فإنها تسعى بشتى السُبل المُمكِنة والمتاحة للحصول على تعاقدات دولية لتواصل نشاطاتها، ولتغطي تكاليفها المالية والمادية، ولتضمن الاستمرارية. وبما أن هذه الشركات تستهدف تعاقدات مع مجتمعات ودول قادرة على بذل المال لتحقق أهدافها، فإنها حتماً تحتاج لأن تسوق نفسها بالشكل اللائق لتقنع تلك المجتمعات والدول بقدراتها النوعية، وإمكاناتها الكبيرة، التي تمكنها من تحقيق الأهداف المرسومة والغايات المنشودة. وهذا التسويق العريض الذي تقوم به هذه الشركات يقوم في أساسه على استقطاب أسماء وشخصيات ورموز معروفة ومؤثرة دولياً وعالمياً من أبناء تلك المجتمعات والدول المؤثرة في حركة السياسة العالمية. وبهذا الاستقطاب المُمنهج للأسماء والشخصيات والرموز المعروفة دولياً وعالمياً، يكتمل البناء النظري لهذه الشركات، لتبدأ بعدها رحلة أخرى من الاحترافية والتخطيط الهادفة للحصول على تعاقدات تعزز رأس المال، وتضمن بها الاستمرارية لأبعد مدى ممكن. إذاً نحن أمام شركات تقوم على ثلاثة عناصر رئيسة: توجيه الرأي العام كعنوان رئيس للنشاط، استقطاب أسماء وشخصيات ورموز معروفة دولياً وعالمياً لغرض الإقناع والتسويق، والبحث عن تعاقدات مع المجتمعات والدول للحصول على رأس المال وتعزيزه. فإذا توفرت هذه العناصر الثلاثة التي تؤشر لمرحلة البناء النظري، تبدأ بعدها رحلة العمل لتعزيز البناء القائم، وتدعيم مكانة الشركة، حيث تختبر في هذه المرحلة مصداقية وموثوقية هذه الشركات على أرض الواقع. نعم، إن المرحلة الثانية التي تعمل عليها شركات العلاقات العامة تختبر مدى مصداقيتها في العمل، ومدى أمانتها وموثوقيتها مع المجتمعات والدول التي تعاقدت معها. وهذه المصداقية والأمانة والموثوقية يمكن اختبارها ظاهرياً بمدى الإنجاز الذي تحقق مقارنة بالوقت الذي تم تحديده، وبالمال الذي تم إنفاقه. فإن تحقق الهدف المرسوم، والغاية المنشودة، التي تخدم المجتمعات والدول التي تعاقدت معها، فهنا نقول إن هذه الشركات لديها مصداقية وأمانة وموثوقية حقيقية. وإن لم يكن هناك إنجاز، فإن التساؤل حول جدوى التعاقد معها يُصبح أمراً مشروعاً ومُبرراً وواجباً. وبما أن الحكم على مستوى الإنجاز من عدمه تقرره المجتمعات والدول التي تعاقدت مع هذه الشركات، فإننا نجد أنفسنا أمام تساؤل غاية في الأهمية وهو: هل من مصلحة هذه الشركات أن تتحقق الأهداف المرسومة، والغايات المنشودة، للمجتمعات والدول التي تعاقدت معها، ولماذا؟! إن هذا التساؤل يطرح قضية غاية في الأهمية والتي تتمثل في الآتي: إن تمكنت هذه الشركات - شركات العلاقات العامة الدولية - من تحقيق الأهداف المرسومة والغايات المنشودة للمجتمعات والدول التي تعاقدت معها وشهدت لها بذلك، فإن ذلك يعني أن هذه الشركات تتمتع بمصداقية وأمانة وموثوقية عالية تستحق معها الاحترام والإشادة والثناء؛ لأنها قدمت مصلحة المجتمعات والدول التي تعاقدت معها على حساب مصلحتها الخاصة المُتمثلة في الاستمرارية بالحصول على المال من الدول التي تعاقدت معها، وبالتالي فإن أعمالها ستنتهي، ومقارها ستغلق، وموظفيها سيفقدون أعمالهم، وأصحابها - مُلاكها - سيبحثون عن أعمال ومِهن أخرى. وبعيداً عن الحكم على وجود أو عدم وجود هذه النتيجة على أرض الواقع، فإن الحقيقة القائمة تُخبرنا بتصاعد أعداد ونشاطات شركات العلاقات العامة الدولية، وليس بتناقص أعدادها أو تقلص نشاطاتها. وفي الختام من الأهمية القول إن على المجتمعات والدول - السَّاعية للتأثير في توجهات وسياسات المجتمعات والدول الفاعلة والمؤثرة في حركة السياسة العالمية - الاعتماد تماماً على قدراتها الذاتية، وإنجازاتها الوطنية ومكانتها التاريخية والثقافية، ومواردها البشرية المؤهلة، وإمكاناتها المالية والمادية المتوفرة، بدلاً من البحث عن شركات العلاقات العامة الدولية التي تبيع الوهم، وتُحسِن تسويقه وتزيينه، لتُعزِز مكانتها المادية، وتُضاعِف حِصتها المالية، وتضمن استمرارية نشاطاتها وأعمالها. نعم، إن الإنجازات الحقيقية للمجتمعات والدول أسهل وسيلة للوصول للرأي العام الدولي، وأعظم وسيلة للتعبير عن واقع المجتمعات والدول. وإن أبناء المجتمعات والدول بكافة أطيافهم ومستوياتهم ومؤهلاتهم خير من يمثلها، وأعز من يدافع عنها ويحافظ على مصالحها، وأصدق من يتحدث عنها، وأبلّغ من يعبر عن مشاعر وتطلعات أبنائها، وأكثر من تحترمه المجتمعات والدول لمصداقيته التي تغيب عنها المصلحة الخاصة.

مشاركة :