لم يسبق أن وصلت الأمور بين لبنان الرسمي وأي من المنظمات الدولية إلى الحد الذي وصلت إليه مع مفوضية شؤون اللاجئين وباقي المنظمات التي تعنى بملف النازحين السوريين، لجهة الاعتراض الشديد اللهجة على أدائها واتهامها بعدم الشفافية لرفضها منح الوزارات المعنية «داتا» مرتبطة بمئات آلاف النازحين السوريين الذين ينتشرون في المناطق اللبنانية كافة منذ عام 2011. وانتقدت وزارة الخارجية اللبنانية، أخيراً، «عدم تجاوب مفوضية اللاجئين مع طلبات لبنان، لناحية مشاركة المعلومات والبيانات وتعزيز جهود التعافي المبكر في سوريا، بما يسمح بعودة تدريجية وآمنة وكريمة للنازحين السوريين». واعتبرت أن «ذلك يشكِّل السبب الأساسي وراء ما يحصل من مشكلات متزايدة تدعو للقلق وتوترات على الأراضي اللبنانية». ومع تفاقم الأزمات التي يرزح تحتها اللبنانيون نتيجة استفحال الأزمتين المالية والاقتصادية، عاد التوتر ليطبع العلاقة بين المجتمعين اللبناني المضيف والسوري النازح نتيجة الصراع على مقومات العيش من خبز ودواء ومحروقات كما على الخدمات وفرص العمل. ويبلغ عدد النازحين السوريين المسجلين لدى المفوضية 831053، فيما تؤكد الأجهزة الأمنية اللبنانية أن عددهم يتجاوز المليون ونصف المليون. ويتحرك لبنان الرسمي منذ أشهر على أكثر من مستوى وصعيد لتفعيل عملية عودة النازحين السوريين إلى بلدهم، التي شهدت جموداً منذ نحو 3 سنوات، نتيجة الإجراءات التي فرضها وباء «كورونا» وانشغال لبنان بأزماته وبتداعيات انفجار مرفأ بيروت. إلا أنه يشتكي دوماً من عدم تجاوب المجتمع الدولي والمنظمات الدولية لتسهيل هذه العودة. ويشير مصدر دبلوماسي لبناني مطلع إلى أن «مفوضية اللاجئين ترفض إعطاء لبنان لوائح تحدد مَن يستفيد من المساعدات ومَن يتنقل باستمرار بين الأراضي اللبنانية وتلك السورية، ما يوجب إسقاط صفة النازح عنه ووقف منحه أي مساعدة مادية على أساس أنه نازح في لبنان»، لافتاً إلى أن «هناك الكثير من علامات الاستفهام التي تُطرح حول عمل المفوضية والجمعيات والهيئات التي تعنى بالملف باعتبار أنه يبدو أن هناك شبكة مصالح تدفع باتجاه إبقاء الوضع على حاله». ويضيف المصدر، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «من حقنا وحق الدول المانحة أن تكون هناك شفافية في العمل، فيتم تحديد كيف تصرف الأموال والمساعدات ولمن تُعطى. فمنذ 11 عاماً وأزمة النزوح مستمرة ولا نزال نراوح مكاننا، أما الوضع الاقتصادي في لبنان فإلى مزيد من التدهور، وقد باتت الفئات المهمشة تتنافس على موارد محدودة بعدما بات 80 في المائة من اللبنانيين تحت خط الفقر يتنافسون مع النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين على مقومات العيش. وللمفارقة فإنه في المستشفيات مثلاً باتت الأولوية للسوريين لأن فواتيرهم تدفع بالدولار، وبات اللبناني مواطناً من الفئة الثانية في بلده وهذا أمر غير مقبول». ويشدد المصدر على أن «إبقاء الوضع على ما هو عليه لا يهدد فقط بانفجار لبنان إنما بانفجار كبير مقبل على أوروبا التي تصل إليها زوارق المهاجرين»، لافتاً إلى «وجوب الانصراف سريعاً لوضع خريطة طريق للعودة ونقل عدد من النازحين إذا رغبوا إلى دول ثالثة». ويضيف: «نحن لا نزال نمد اليد وندعو المفوضية والجهات المعنية للتعاون، لكن في حال وصلنا إلى حائط مسدود، لدينا الكثير من الخيارات. نحن لسنا دولة ضعيفة وسنتعامل مع الملف كما تتعامل معه الدول المحيطة التي تستضيف نازحين سوريين مع تمسكنا بالمعايير المعتمدة دولياً». وكان وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عبد الله بو حبيب تحدث عن «خطوات عدة سيتم العمل عليها، وتتضمّن اتخاذ إجراءات قانونية بحق منظّمات وهيئات معنية ترفض التعاون مع الجهات الرسمية المعنية بالملف». وتتفادى مفوضية اللاجئين في لبنان الرد على هذه التهديدات أو الدخول في سجال مع «الخارجية» أو غيرها من الوزارات. وتكتفي الناطقة باسم المفوضية ليزا أبو خالد، بالتأكيد على وجوب «دعم لبنان بما يتناسب مع المسؤولية التي يتحملها باعتباره لا يزال لأكثر من عقد، البلد الذي يستضيف أكبر عدد من اللاجئين في العالم، بالمقارنة مع عدد سكانه». وترحب المفوضية، بحسب أبو خالد «بكل تعاون وحوار بناء مع الحكومة اللبنانية لمعالجة الوضع الإنساني الصعب الذي يعيشه كلّ من اللبنانيين واللاجئين»، لافتة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «هدف المفوضية الأول والأخير يبقى حماية الأكثر ضعفاً، بمن فيهم اللاجئون والمجتمعات المضيفة». وكانت المفوضية عبّرت، الشهر الماضي، عن «القلق الشديد إزاء الممارسات التقييدية والتدابير التمييزية التي يتمّ تفعيلها على أساس الجنسية، ما يؤثر على اللاجئين كما على غيرهم من الفئات المهمّشة». ودعت المفوضية السلطات اللبنانية إلى «ضمان سيادة القانون والوقف الفوري للعنف والتمييز ضدّ المستهدفين المقيمين داخل الأراضي اللبنانيّة».
مشاركة :