ملامح السياسة الخارجية لرئيسة الوزراء البريطانية الجديدة ليز تراس

  • 9/8/2022
  • 01:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

انفضت‭ ‬المنافسة‭ ‬على‭ ‬خليفة‭ ‬بوريس‭ ‬جونسون‭ ‬كرئيس‭ ‬للوزراء‭ ‬البريطاني،‭ ‬بفوز‭ ‬وزيرة‭ ‬الخارجية‭ ‬ليز‭ ‬تراس‭ ‬على‭ ‬وزير‭ ‬الخزانة‭ ‬السابق‭ ‬ريشي‭ ‬سوناك،‭ ‬لتصبح‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬البريطانية‭ ‬القادمة،‭ ‬وقد‭ ‬حصلت‭ ‬تراس‭ ‬على‭ ‬57‭%‬‭ ‬من‭ ‬أصوات‭ ‬أعضاء‭ ‬في‭ ‬انتخابات‭ ‬حزب‭ ‬المحافظين،‭ ‬تمت‭ ‬دعوة‭ ‬تراس‭ ‬من‭ ‬قِبَل‭ ‬الملكة‭ ‬إليزابيث‭ ‬الثانية‭ ‬لتشكيل‭ ‬حكومة‭ ‬جديدة‭ ‬بدءاً‭ ‬من‭ ‬6‭ ‬سبتمبر‭ ‬2022‭.‬ شهدت‭ ‬تراس‭ ‬البالغة‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬47‭ ‬عامًا‭ ‬صعودًا‭ ‬سريعًا‭ ‬إلى‭ ‬قمة‭ ‬السياسة‭ ‬البريطانية،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬تعيينها‭ ‬وزيرة‭ ‬للخارجية‭ ‬قبل‭ ‬تقلدها‭ ‬أعلى‭ ‬منصب‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬البريطانية،‭ ‬وتبدو‭ ‬خلفية‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬لتراس‭ ‬معقدة؛‭ ‬ففي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬تشغل‭ ‬فيه‭ ‬وزيرة‭ ‬التجارة‭ ‬الدولية،‭ ‬روجت‭ ‬لشعار‭ ‬بوريس‭ ‬جونسون‭ ‬‮«‬بريطانيا‭ ‬العالمية‮»‬‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬حيث‭ ‬وقّعت‭ ‬اتفاقيات‭ ‬التجارة‭ ‬الحرة‭ ‬مع‭ ‬اليابان‭ ‬وأستراليا‭. ‬وكتب‭ ‬الصحفي‭ ‬بن‭ ‬جودا،‭ ‬لمجلة‭ ‬فورين‭ ‬بوليسي،‭ ‬أن‭ ‬تراس‭ ‬هي‭ ‬‮«‬مزيج‭ ‬معقد‭ ‬من‭ ‬سياسية‭ ‬متلونة‭ ‬مع‭ ‬قناعة‭ ‬راسخة‭ ‬بالجغرافيا‭ ‬السياسية‮»‬‭. ‬وعند‭ ‬تطرقه‭ ‬لكيفية‭ ‬تمثيل‭ ‬تراس‭ ‬‮«‬كمرشحة‭ ‬مستمرة‭ ‬على‭ ‬النزعة‭ ‬الأطلسية‮»‬‭ ‬للحكومة‭ ‬السابقة‭ ‬في‭ ‬معاونة‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬زعم‭ ‬جودا‭ ‬أن‭ ‬تراس‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬‮«‬تتوق‭ ‬إلى‭ ‬اتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬أكبر‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬العالمية‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬شغلت‭ ‬وزيرة‭ ‬للخارجية‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬الأوكرانية‮»‬‭.‬ وفيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بمسائل‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬العاجلة‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬معالجتها،‭ ‬فقد‭ ‬تم‭ ‬الاستشهاد‭ ‬بالدعم‭ ‬البريطاني‭ ‬المستمر‭ ‬لأوكرانيا‭ ‬في‭ ‬مقاومتها‭ ‬للعملية‭ ‬الروسية‭ ‬كأولوية‭. ‬ويرى‭ ‬رايلي‭ ‬سميث،‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬التليغراف،‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬‮«‬الأهمية‭ ‬بمكان‮»‬‭ ‬أن‭ ‬تُبقي‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬مساعدتها‭ ‬السياسية‭ ‬والعسكرية‭ ‬إلى‭ ‬كييف،‭ ‬ففي‭ ‬أول‭ ‬خطاب‭ ‬لها‭ ‬قبيل‭ ‬شغلها‭ ‬للمنصب،‭ ‬تعهدت‭ ‬تراس‭ ‬بمعالجة‭ ‬ارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬الطاقة‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة،‭ ‬كنتيجة‭ ‬مباشرة‭ ‬لانخفاض‭ ‬تدفق‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬الطبيعي‭ ‬الروسي‭ ‬إلى‭ ‬الغرب،‭ ‬وأضافت‭ ‬برونوين‭ ‬مادوكس،‭ ‬مديرة‭ ‬المعهد‭ ‬الملكي‭ ‬للشؤون‭ ‬الدولية،‭ ‬أن‭ ‬تراس‭ ‬يمكنها‭ ‬الاستناد‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬موقف‭ ‬بوريس‭ ‬جونسون‭ ‬الواضح‭ ‬أخلاقيًّا‭ ‬واستراتيجيًّا‮»‬‭ ‬في‭ ‬مساعدة‭ ‬أوكرانيا‭ ‬‮«‬للبناء‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬سيكون‭ ‬شتاءً‭ ‬شديد‭ ‬الصعوبة‭ ‬لحكومات‭ ‬أوروبا‮»‬‭.‬ يجب‭ ‬وضع‭ ‬أهداف‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬طويلة‭ ‬المدى‭ ‬لتراس‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬تصورات‭ ‬تصاعد‭ ‬المنافسة‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬العظمى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والصين‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم‭. ‬ولهذا‭ ‬السبب،‭ ‬فكر‭ ‬لاندلر،‭ ‬من‭ ‬صحيفة‭ ‬نيويورك‭ ‬تايمز،‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬‮«‬تشكيل‭ ‬الدور‭ ‬العالمي‭ ‬المستقبلي‭ ‬لبريطانيا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬دور‭ ‬أكبر‭ ‬تتبناه‭ ‬رئيسة‭ ‬الوزراء‭ ‬الجديدة‮»‬‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬دور‭ ‬بريطانيا‭ ‬المستقبلي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المشهد‭ ‬الجيوسياسي‭ ‬غير‭ ‬واضح‭. ‬بينما‭ ‬ادعى‭ ‬لاندلر‭ ‬أن‭ ‬بريطانيا‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬تراس‭ ‬يمكنها‭ ‬أن‭ ‬تتصرف‭ ‬‮«‬كعامل‭ ‬حر‭ ‬أكثر‮»‬‭ ‬في‭ ‬الجغرافيا‭ ‬السياسية،‭ ‬‮«‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬علاقاتها‭ ‬الخاصة‭ ‬مع‭ ‬القوى‭ ‬العظمى‭ ‬مثل‭ ‬الصين‮»‬،‭ ‬وذكر‭ ‬رايلي‭ ‬سميث‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬من‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬تتخذ‭ ‬تراس‭ ‬موقفًا‭ ‬أكثر‭ ‬صرامة‭ ‬تجاه‭ ‬بكين‮»‬‭ ‬من‭ ‬جونسون،‭ ‬مستشهدا‭ ‬كيف‭ ‬منعت‭ ‬رئيسة‭ ‬الوزراء‭ ‬الجديدة،‭ ‬وقتما‭ ‬كانت‭ ‬وزيرة‭ ‬للخارجية،‭ ‬الشركات‭ ‬الصينية‭ ‬من‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬الوطنية‭ ‬الحيوية‭. ‬وتبدو‭ ‬معارضة‭ ‬تراس‭ ‬في‭ ‬بكين‭ ‬وموسكو‭ ‬واضحة‭ ‬بالفعل،‭ ‬حيث‭ ‬اتهم‭ ‬وانغ‭ ‬يوي،‭ ‬الأستاذ‭ ‬بجامعة‭ ‬رينمين‭ ‬في‭ ‬بكين،‭ ‬رئيسة‭ ‬الوزراء‭ ‬الجديدة‭ ‬بـ«الإمبريالية‭ ‬البريطانية‭ ‬القديمة‮»‬‭ ‬لانتقادها‭ ‬‮«‬النفوذ‭ ‬الخبيث‭ ‬المتزايد‭ ‬للصين‮»‬،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬وصفت‭ ‬ماريا‭ ‬زاخاروفا،‭ ‬المتحدثة‭ ‬باسم‭ ‬الحكومة‭ ‬الروسية،‭ ‬رئيسة‭ ‬الوزراء‭ ‬الجديدة‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬متعطشة‭ ‬للدماء‭ ‬ومدمرة‭ ‬جدًا‮»‬‭.‬ وبالتوازي‭ ‬مع‭ ‬سياق‭ ‬تنافس‭ ‬القوى‭ ‬العظمى‭ ‬والحاجة‭ ‬إلى‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬حرب‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬هناك‭ ‬شعور‭ ‬سائد‭ ‬بالاستقلال‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬البريطانية،‭ ‬بمساعدة‭ ‬خروج‭ ‬بريطانيا‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬وعدم‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬القيادة‭ ‬الأمريكية‭. ‬وكتبت‭ ‬مادوكس‭ ‬كيف‭ ‬تُحافظ‭ ‬تراس‭ ‬على‭ ‬‮«‬رؤية‭ ‬الاستقلال‭ ‬البريطاني‮»‬،‭ ‬وأوضحت‭ ‬ليزلي‭ ‬فينجاموري،‭ ‬مديرة‭ ‬برنامج‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والأمريكتين‭ ‬في‭ ‬المعهد‭ ‬الملكي‭ ‬للشؤون‭ ‬الدولية،‭ ‬أن‭ ‬اختيار‭ ‬تراس‭ ‬كزعيمة‭ ‬لحزب‭ ‬المحافظين‭ ‬ورئيسة‭ ‬للوزراء‭ ‬يمثل‭ ‬‮«‬قطاعًا‭ ‬عريضًا‭ ‬من‭ ‬بريطانيا‭ ‬لا‭ ‬يحب‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أو‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‮»‬‭. ‬ ويتجلى‭ ‬الدليل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬تعهد‭ ‬رئيسة‭ ‬الوزراء‭ ‬الجديدة‭ ‬بزيادة‭ ‬الإنفاق‭ ‬الدفاعي‭. ‬وبحسب‭ ‬المعهد‭ ‬الملكي‭ ‬للخدمات‭ ‬المتحدة‭ ‬للدراسات‭ ‬الدفاعية‭ ‬والأمنية‭ ‬أن‭ ‬التعهد‭ ‬بنسبة‭ ‬3‭?‬‭ ‬من‭ ‬الإنفاق‭ ‬الوطني‭ ‬على‭ ‬الدفاع‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2030‭ ‬سيكلف‭ ‬157‭ ‬مليار‭ ‬جنيه‭ ‬إسترليني‭ ‬وستمثل‭ ‬أكبر‭ ‬زيادة‭ ‬منذ‭ ‬العقد‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭.‬ ومن‭ ‬بين‭ ‬أكثر‭ ‬عقبات‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬تراس،‭ ‬وفقًا‭ ‬لمعلقين‭ ‬غربيين،‭ ‬علاقات‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬المتوترة‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الحلفاء‭ ‬الأوروبيين‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة؛‭ ‬فأثناء‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬لحزب‭ ‬المحافظين‭ ‬خلال‭ ‬الأسابيع‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬سباق‭ ‬قيادة‭ ‬حزب‭ ‬المحافظين،‭ ‬صرحت‭ ‬تراس‭ ‬بأن‭ ‬‮«‬الرؤية‭ ‬لم‭ ‬تتضح‭ ‬بعد‮»‬‭ ‬بشأن‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬صديقًا‭ ‬أم‭ ‬عدوًّا‭ ‬للمملكة‭ ‬المتحدة،‭ ‬وأنه‭ ‬إذا‭ ‬تم‭ ‬انتخابها،‭ ‬فإنها‭ ‬ستحكم‭ ‬على‭ ‬نظيرها‭ ‬الفرنسي‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬‮«‬الأفعال‭ ‬وليس‭ ‬الأقوال‮»‬‭.‬ وقد‭ ‬أثارت‭ ‬هذه‭ ‬التعليقات‭ ‬انتقادات‭ ‬من‭ ‬المحللين‭ ‬وكبار‭ ‬المحافظين،‭ ‬ووصفت‭ ‬مادوكس‭ ‬تعليقات‭ ‬تراس‭ ‬حول‭ ‬ماكرون‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬استفزازية‭ ‬وانتهازية‮»‬،‭ ‬وأشارت‭ ‬إلى‭ ‬أنها‭ ‬‮«‬صدمت‮»‬‭ ‬حلفاء‭ ‬بريطانيا‭ ‬وخصومها‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء‭. ‬ووصف‭ ‬أليستر‭ ‬بيرت،‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬السابق،‭ ‬تصريحات‭ ‬تراس‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬خطأ‭ ‬فادح‭ ‬للغاية‮»‬،‭ ‬ومن‭ ‬جانبه‭ ‬وصف‭ ‬السير‭ ‬بيتر‭ ‬ريكيتس،‭ ‬السفير‭ ‬البريطاني‭ ‬السابق‭ ‬في‭ ‬فرنسا،‭ ‬التصريحات‭ ‬أيضًا‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬غير‭ ‬مسؤولة‮»‬‭ ‬وانتقد‭ ‬قرار‭ ‬إهانة‭ ‬‮«‬أقرب‭ ‬حليف‭ ‬لنا‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬والأمن‭ ‬في‭ ‬أوروبا‮»‬‭. ‬وفي‭ ‬رد‭ ‬مقتضب،‭ ‬أصر‭ ‬ماكرون‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬‮«‬أيًّا‭ ‬كان‭ ‬الشخص‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬الزعيم‭ ‬التالي‭ ‬لبريطانيا‮»‬؛‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتذكر‭ ‬أن‭ ‬‮«‬بريطانيا‭ ‬صديقة‭ ‬لفرنسا‭ ‬وأن‭ ‬الدولتين‭ ‬الفرنسية‭ ‬والبريطانية‭ ‬قد‭ ‬تواجهان‭ ‬‮«‬مشاكل‭ ‬خطيرة‮»‬‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬اعتبار‭ ‬تلك‭ ‬الديمقراطيات‭ ‬الليبرالية‭ ‬نفسيهما‭ ‬كحليفين‭ ‬دوليين‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬يعج‭ ‬بـ«الديمقراطيات‭ ‬غير‭ ‬الليبرالية،‭ ‬والدول‭ ‬الاستبدادية،‭ ‬وسط‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬اختلال‭ ‬توازن‭ ‬القوى‭ ‬بالنظام‭ ‬الدولي‮»‬‭.‬ وانطلاقًا‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬وضع‭ ‬تراس‭ ‬كداعم‭ ‬تأخر‭ ‬تشجيعها‭ ‬لمسألة‭ ‬خروج‭ ‬بريطانيا‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬يطرح‭ ‬تحديات‭ ‬واضحة‭ ‬إزاء‭ ‬إصلاح‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬بروكسل‭. ‬كما‭ ‬كتبت‭ ‬مادوكس‭ ‬أن‭ ‬الخلافات‭ ‬المستمرة‭ ‬مع‭ ‬بروكسل‭ ‬حول‭ ‬الوضع‭ ‬التجاري‭ ‬لأيرلندا‭ ‬الشمالية‭ ‬تخاطر‭ ‬باحتمال‭ ‬وقوع‭ ‬‮«‬حرب‭ ‬تجارية‭ ‬كاملة‭ ‬الأركان‮»‬‭ ‬قد‭ ‬تنتشر‭ ‬بأرجاء‭ ‬القارة‭ ‬الأوروبية،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يمثل‭ ‬‮«‬إضعافًا‭ ‬للعلاقات‭ ‬مع‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الحلفاء‭ ‬الأوروبيين‭ ‬ذوي‭ ‬القيم‭ ‬المشتركة‮»‬‭ ‬الذين‭ ‬‮«‬يتشاركون‭ ‬جوارًا‭ ‬مضطربًا‭ ‬بشكل‭ ‬متزايد‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة‮»‬‭.‬ وفيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالتأثير‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬يتناقص‭ ‬لدى‭ ‬الجانب‭ ‬البريطاني‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬بروكسل‭ ‬وواشنطن،‭ ‬جادل‭ ‬لاندلر‭ ‬بأن‭ ‬لندن‭ ‬‮«‬فقدت‭ ‬دورها‭ ‬كجسر‮»‬‭ ‬بين‭ ‬الاثنين،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أنها‭ ‬‮«‬أصبحت‭ ‬لاعبًا‭ ‬أقل‭ ‬تأثيرًا‭ ‬في‭ ‬القضايا‭ ‬العالمية‭ ‬ذات‭ ‬الاهتمام‭ ‬المشترك‮»‬‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬أشار‭ ‬المحللون‭ ‬إلى‭ ‬وجود‭ ‬فرص‭ ‬للتعامل‭ ‬والتعاون‭ ‬بشكل‭ ‬بنّاء‭ ‬مع‭ ‬حلفاء‭ ‬بريطانيا‭. ‬فعلى‭ ‬المسرح‭ ‬الدولي،‭ ‬من‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أول‭ ‬مشاركة‭ ‬خارجية‭ ‬لـتراس‭ ‬هي‭ ‬الاجتماع‭ ‬السنوي‭ ‬للجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لقادة‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬نيويورك‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬سبتمبر‭ ‬الجاري،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬مع‭ ‬تأكيد‭ ‬‮«‬بن‭ ‬رايلي‭ ‬سميث‮»‬،‭ ‬من‭ ‬ذا‭ ‬تليجراف‭ ‬البريطانية،‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬توقعًا‭ ‬أن‭ ‬تتواجه‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬الاجتماع‭ ‬الأول‭ ‬وجهًا‭ ‬لوجه‭ ‬مع‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬كجزء‭ ‬من‭ ‬زيارتها‭ ‬المحتملة‭.‬ ولم‭ ‬تتخل‭ ‬مادوكس‭ ‬عن‭ ‬احتمالية‭ ‬تعزيز‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي؛‭ ‬حيث‭ ‬أكدت‭ ‬أن‭ ‬إقامة‭ ‬علاقات‭ ‬ودية‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬‮«‬نقطة‭ ‬البداية‮»‬‭ ‬لسياسة‭ ‬تراس‭ ‬الخارجية‭ ‬المرتقبة،‭ ‬والتحدث‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬حكومات‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬حول‭ ‬مستقبل‭ ‬دول‭ ‬القارة‭ ‬الأوروبية‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الجبهات‭ ‬ومجالات‭ ‬التعاون‭ ‬المشترك‮»‬‭. ‬وأعرب‭ ‬السير‭ ‬بيتر‭ ‬وستماكوت،‭ ‬السفير‭ ‬البريطاني‭ ‬السابق‭ ‬لدى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬عن‭ ‬آماله‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لدى‭ ‬تراس‭ ‬باعتبارها‭ ‬رئيسا‭ ‬للوزراء‭ ‬‮«‬إدراك‭ ‬واضح‭ ‬أن‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬باتت‭ ‬مهتمة‭ ‬بإيجاد‭ ‬حلفاء‭ ‬جدد‭ ‬لها‭ ‬داخل‭ ‬القارة‭ ‬الأوروبية‮»‬،‭ ‬وذلك‭ ‬‮«‬للحد‭ ‬من‭ ‬الأضرار‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬خروج‭ ‬بريطانيا‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‮»‬،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬جهودها‭ ‬المرتقبة‭ ‬لمعالجة‮«‬‭ ‬أسعار‭ ‬الطاقة‭ ‬والغزو‭ ‬الروسي‭ ‬لأوكرانيا‮»‬‭.‬ وفيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بسياسات‭ ‬حكومة‭ ‬المحافظين‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬من‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬تستمر‭ ‬تراس‭ ‬في‭ ‬تبنّي‭ ‬سياسات‭ ‬حكومة‭ ‬جونسون،‭ ‬خاصة‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالسعي‭ ‬إلى‭ ‬إبرام‭ ‬اتفاق‭ ‬تجارة‭ ‬حرة‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬الخليج،‭ ‬وهي‭ ‬العملية‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬يونيو‭ ‬2022‭. ‬وقد‭ ‬تحدثت‭ ‬تراس‭ ‬عن‭ ‬أهمية‭ ‬‮«‬العلاقات‭ ‬التجارية‮»‬‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي؛‭ ‬حيث‭ ‬صرح‭ ‬أومبرتو‭ ‬بروفازيو،‭ ‬المحلل‭ ‬بالمعهد‭ ‬الدولي‭ ‬للدراسات‭ ‬الأمنية‭ ‬في‭ ‬لندن‭ (‬IISS‭)‬،‭ ‬بأن‭ ‬تراس‭ ‬ووزراء‭ ‬حكومتها‭ ‬القادمين‭ ‬‮«‬يدركون‭ ‬أهمية‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬باعتبارها‭ ‬بالغة‭ ‬الأهمية‭ ‬لمصالح‭ ‬لندن،‭ ‬وذلك‭ ‬لأسباب‭ ‬تجارية‭ ‬واستراتيجية‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء‮»‬‭. ‬لذلك،‭ ‬توقع‭ ‬بروفازيو‭ ‬احتمالية‭ ‬وجود‭ ‬‮«‬علاقات‭ ‬أوثق‭ ‬بكثير‭ ‬مع‭ ‬الشركاء‭ ‬الخليجيين‮»‬‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬‮«‬بذل‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الجهود‭ ‬لاستيعاب‭ ‬مصالح‭ ‬الشركاء‭ ‬الرئيسيين‭ ‬مثل‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬والإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‮»‬‭. ‬ ويبدو‭ ‬أن‭ ‬تراس‭ ‬قد‭ ‬تنتهج‭ ‬سياسة‭ ‬مغايرة‭ ‬عما‭ ‬كانت‭ ‬تمارسها‭ ‬حكومة‭ ‬جونسون‭ ‬حيال‭ ‬الاتفاق‭ ‬النووي‭ ‬الإيراني،‭ ‬فهي‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬المفاوضات‭ ‬في‭ ‬فيينا‭ ‬بين‭ ‬طهران‭ ‬والموقعين‭ ‬الآخرين‭ ‬على‭ ‬اتفاق‭ ‬2015‭ ‬‮«‬لا‭ ‬تتحرك‭ ‬بالسرعة‭ ‬الكافية‮»‬،‭ ‬وأن‭ ‬هناك‭ ‬‮«‬خيارات‭ ‬أخرى‭ ‬مطروحة‮»‬‭ ‬للغرب‭ ‬لمنع‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬من‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬أسلحة‭ ‬نووية‭ ‬إذا‭ ‬فشلت‭ ‬المحادثات‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬تمامًا‭.‬ ويمكن‭ ‬توقع‭ ‬استمرار‭ ‬الدعم‭ ‬البريطاني‭ ‬لإسرائيل‭ ‬مع‭ ‬وجود‭ ‬تراس،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬والإدانات‭ ‬الغربية‭ ‬المناهضة‭ ‬للانتهاكات‭ ‬ضد‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬المحتلة؛‭ ‬فلا‭ ‬يخفى‭ ‬أنه‭ ‬ردًّا‭ ‬على‭ ‬الغارات‭ ‬الجوية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬في‭ ‬أغسطس‭ ‬2022‭ ‬والتي‭ ‬أسفرت‭ ‬عن‭ ‬مقتل‭ ‬45‭ ‬مدنيًّا،‭ ‬أكدت‭ ‬تراس‭ ‬حين‭ ‬كانت‭ ‬وزيرة‭ ‬للخارجية‭ ‬دعمها‭ ‬لوستمنستر‭ ‬بشأن‭ ‬‮«‬حق‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬نفسها‮»‬‭. ‬وبالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬أوضح‭ ‬‮«‬إليس‭ ‬جيفوري‮»‬،‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬ميدل‭ ‬إيست‭ ‬آي،‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬رئيسة‭ ‬الوزراء‭ ‬المختارة‭ ‬حديثًا‭ ‬‮«‬أطاحت‭ ‬ببيروقراطيين‭ ‬خدموا‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭ ‬في‭ ‬وزارة‭ ‬خارجيتها‮»‬‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬دعم‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬التابع‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬تراس‭ ‬أيضًا‭ ‬‮«‬لم‭ ‬تعرض‭ ‬أو‭ ‬تعطي‭ ‬أي‭ ‬إشارة‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬أنها‭ ‬ستوقف‭ ‬جهود‭ ‬وستمنستر‭ ‬لمنع‭ ‬الهيئات‭ ‬والمجالس‭ ‬العامة‭ ‬من‭ ‬الانضمام‭ ‬إلى‭ ‬حركة‭ ‬مقاطعة‭ ‬إسرائيل‭ ‬وسحب‭ ‬الاستثمارات‭ ‬منها‭ ‬وفرض‭ ‬العقوبات‭ ‬عليها‭ (‬BDS‭).‬ في‭ ‬النهاية،‭ ‬حلل‭ ‬بروفازيو‭ ‬الأدلة‭ ‬التي‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬حكومة‭ ‬تراس‭ ‬ستتبع‭ ‬النهج‭ ‬‮«‬السياسي‭ ‬المعتاد‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬لطالما‭ ‬اتبعته‭ ‬الحكومة‭ ‬البريطانية‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬حيث‭ ‬ستقوم‭ ‬حكومتها‭ ‬‮«‬بإدارة‭ ‬الأزمات‭ ‬المختلفة‭ ‬وفقًا‭ ‬لمصالحها‮»‬،‭ ‬و«تفضيل‭ ‬دعمها‭ ‬لقضايا‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬قضية‭ ‬أخرى‮»‬‭. ‬وأصرت‭ ‬مادوكس‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تراس‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬إنشاء‭ ‬علاقات‭ ‬جادة‭ ‬وقوية‭ ‬مع‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‮»‬‭. ‬ويرى‭ ‬رايلي‭ ‬سميث،‭ ‬أن‭ ‬‮«‬تطورات‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬غير‭ ‬المتوقعة‮»‬‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬ـتراس‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬التحدي‭ ‬الأكبر‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬الأشهر‭ ‬المقبلة‮»‬،‭ ‬وأضاف‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬التحديات‭ ‬الاتجاه‭ ‬طويل‭ ‬الأمد‭ ‬للحرب‭ ‬الروسية‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬والمنافسة‭ ‬العالمية‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والصين،‭ ‬وكذلك‭ ‬الدور‭ ‬الجيوسياسي‭ ‬لبريطانيا‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬التحديات‭. ‬واختتم‭ ‬جودا‭ ‬قوله‭ ‬بأن‭ ‬‮«‬وريثة‭ ‬مارجريت‭ ‬تاتشر‭ ‬المحبة‭ ‬للاقتصاد‭ ‬الحر‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬لديها‭ ‬الوقت‭ ‬الكافي‭ ‬في‭ ‬منصبها‮»‬‭ ‬للوقوف‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬بشأن‭ ‬القضايا‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬المتعلقة‭ ‬بأيرلندا‭ ‬الشمالية‭ ‬أو‭ ‬الصين‮»‬‭ ‬حسبما‭ ‬تأمل،‭ ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬‮«‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أنها‭ ‬لن‭ ‬تحاول‮»‬‭.‬

مشاركة :