وحده التاريخ لا يمكن الرقص على حباله بقدم واحدة، أو تطويقه بشرائط الإبهار الوهمي والمديح الزائف، لأنه ببساطة حفي دائم بالأحداث الشامخة والإنجازات العظيمة، وشاهد صدق على واقع «كان ومضى» لا يقبل الطمس أو يحتمل التحريف. نقول ذلك إذ نستدعي الحقبة الرائعة التي شهدتها رياضتنا في عهد رجلها التاريخي الراحل الأمير فيصل بن فهد ونحن نطوي العام الخامس عشر على رحيله أواخر القرن الماضي، مستذكرين ما أفل عن سمائنا برحيله وتوارى عن مشهدنا الحالي من إنجازات منذ إغماضته الأخيرة، مؤمنين بأن شمس ذلك الأمس الجميل وحدها التي ستشرق بنا من جديد، إن ضبطنا مؤشرات العمل نحو ماض يسبق الحاضر لصياغة مستقبل أجمل من تفاصيل يمكنها أن تغير وتؤثر. فعلى أننا نبارك الجهود التي بذلت في الفترات التي أعقبت فترته الذهبية بدءا من شقيقه الأمير سلطان ونجله الأمير نواف والرئيس الحالي للجنة الأولمبية الأمير الطموح عبدالله بن مساعد، إلا أن ثمة ما يحركنا للبحث عن الضالة المفقودة والدالة التي تعيد لنا بعضا من مكتسبات تلك الحقبة الخالدة في ذاكرة المعاصرين ونفوس السعوديين، فبلوغ عرش القمة الآسيوي والثبات عليه خلال تلك الفترة وترويض عناد الخليجية ومقارعة كبار منتخبات الأرض في مونديالين ونسختي كأس القارات، كانت الركيزة العميقة لرياضتنا والقاعدة الراسخة التي تتوكأ عليها حتى يومنا هذا، وهي ثمرة عمل دقيق بدأ من سنغافورة وانتهى في سان دونيس، حيث آخر إنجاز للأخضر في عهده بالتأهل لمونديال 98. كانت القيادة الكاريزمية التي يتمتع بها الراحل والرؤى الثاقبة بعيدة المدى سمتين تميزانه عن بقية أقرانه في دول العالم، إذ ظلت رهاناته الدائمة على السعوديين والعرب والدفاع عن قضاياهم وفرض مبادئ التنافس الشريف، ثوابت لا يحيد عنها صنعت الهيبة لرياضة العرب وكفلت لهم حضورا قويا في المحافل الدولية وفي أعرق الاتحادات، في وقت خلا من الرعاة والداعمين والإعلام المؤثر ومواقع «السوشال ميديا» وكان الصوت فيه للعمل وحسب. فعدا بلوغ مونديالي ألمانيا و«كوريا واليابان» ما من شيء يذكر دوليا، على صعيد منتخباتنا الوطنية التي ما زالت تبحث عن إعادة مؤشر البوصلة نحو الزمن الجميل لعلها تستعيد هيبة خفتت بفعل الإخفاقات المتكررة. لم يكن فيصل بن فهد مسؤولا رياضيا فحسب، بل إن قيم الإنسانية التي كان يفيض بها ورعايته للعمل الخيري على نحو خاص، جعلته أكثر إدراكا بما يمكن أن يحققه الإنسان السعودي إن ناله الدعم وطاله التحفيز واحتفى به المسؤول، فكان يغلب جوانب الأخلاق والسلوك النبيل على المهارة والموهبة والنجومية، حتى استشعر رياضيو تلك السنوات والمسؤولون القائمون عليهم الدور المنوط بهم في إبراز السعوديين على نحو يليق بهذا البلد ورياضييه. رحل فيصل.. وتدثرت إنجازاتنا في كنف عبقه الذي ما زال يجوب سماء ذاكرتنا ويعطر تاريخ رياضتنا على وقع أمنيات بأن نعود إلى الواجهة ونستعيد بريقنا المفقود.
مشاركة :