رئيس النيابة فاطمة الكوهجي لـ«أخبار الخليج»: تجربة البحرين فريدة.. والأولى من نوعها إقليميا 109 حالات مستفيدة تروي قصص نجاح عمل المبادرة تحرير طفلة من استغلالها في التسول وتوفير ضمان اجتماعي لها مبادرة فريدة من نوعها على مستوى المنطقة أطلقتها النيابة العامة ديسمبر الماضي وهي مبادرة «رعاية»، تلك المبادرة التي تضاف إلى سجل حافل من الإنجازات الحضارية والحقوقية لمملكة البحرين، حيث تبرز المبادرة الدور الاجتماعي الفاعل الذي تلعبه النيابة العامة ليس فقط لكونها شعبة أصيلة من السلطة القضائية، وإنما أيضا لدورها الاجتماعي في خدمة العمل الإنساني والارتقاء بحقوق الإنسان في مملكة البحرين. «أخبار الخليج» التقت رئيس النيابة فاطمة الكوهجي مديرة المبادرة والتي لها خبرة جاوزت 10 سنوات في المجال القانوني والحقوقي ورعاية المرأة والطفل، حيث تحدثت عن فكرة إطلاق المبادرة والدعم الذي لاقته الخطوات الأولى لإطلاقها من قبل الدكتور علي بن فضل البوعينين النائب العام ومتابعته لأعمال ومستجدات المبادرة أولا بأول، لتحقيق غايتها في المساهمة في إزالة الأسباب التي أدت إلى ارتكاب الجريمة أو وقوعها أو إلى تعرض الطفل أو المرأة لما يدعو إلى فرض الحماية أو إلى استحقاق الرعاية. كما أشارت إلى أن أهم ما يميز تجربة البحرين عن الكثير من التجارب الأخرى أنه عادة ما تتولى إدارة الرعاية اللاحقة في الدول جهة تنفيذية، بينما في مملكة البحرين تقوم جهة قضائية بالشراكة مع الجهات التنفيذية ومنظمات المجتمع المدني، بالإضافة إلى أن تقديم الدعم يكون مع بدايات وأثناء مراحل الدعوى الجنائية، كاشفة عن عدد الحالات المشمولة بالرعاية والتي بلغت 109 حالات، حيث استفادت من الخدمات 66 حالة فردية، إضافة إلى 9 أسر، وقد تنوعت الفئات إذ تضمنت فئة الأطفال والنساء والرجال. مديرة المبادرة فاطمة الكوهجي سردت خلال حوارها مع «أخبار الخليج» قصص نجاح كثيرة شهدتها المبادرة، كان منها على سبيل المثال وليس الحصر معالجة أوضاع كثيرة لأطفال عانوا بسبب التفكك الأسرى وغابت عنهم التطعيمات بسبب عدم وجود أوراق ثبوتية لهم، وكيف حولت المبادرة حياة طفلة من التسول والاستغلال إلى حياة كريمة تضمن لها خدمة الضمان الاجتماعي ووضعها على طريق الدراسة، بالإضافة إلى إنهاء معاناة طفل من كابوس سوء المعاملة من قبل زوج الأم وكيف أعادته برامج التأهيل النفسي إلى حياته الطبيعية.. وهذا نص الحوار. في البداية نود تعرف كيفية إطلاق فكرة المبادرة وكم الوقت المتخذ لدراستها وتفعليها؟ - جاءت فكرة المبادرة مما وقفت عليه من جهود ملموسة تبذلها الجهات المعنية تحقيقاً لاستراتيجيات المملكة في رعاية الطفل والمرأة والأسرة، ومن تعلق مهام ورسالة النيابة العامة بحقوق الانسان، ومن هنا رأت النيابة ألا ينحصر دورها في حماية حقوق الإنسان خلال مراحل الدعوى الجنائية، ولكن يستمر بتصعيدها الواقع الذي تكشف عنه الدعاوى الجنائية من أسباب اجتماعية أو شخصية تقود إلى اقتراف الجريمة أو الوقوع ضحيتها، ومن ثم المساهمة الفعلية في توفير أوجه الرعاية والحماية من قبل الجهات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني لكافة الفئات المستهدفة بالمبادرة، وبناء على ذلك تم إعداد دراسة تحليلية لعدد 425 حالة في قضايا جنائية واستغرقت الدراسة مدة خمسة أشهر؛ بالاستعانة بخبراء اجتماعيين ونفسيين ومرشدين أسريين، وتم التوصل إلى احتياجات أساسية من مسببات الجريمة، وتحديد سبل الانتصاف اللازمة وأوجه الرعاية والحماية اللاحقة. ما الغاية من إطلاق النيابة العامة لهذه المبادرة؟ وكيف تعمل لتحقيق أهدافها؟ الغاية هي المساهمة في إزالة الأسباب التي أدت إلى ارتكاب الجريمة أو وقوعها أو إلى تعرض الطفل أو المرأة لما يدعو إلى فرض الحماية أو إلى استحقاق الرعاية، وكذلك إزالة الإشكالات وحل المشكلات المؤدية للتفكك الأسري، ومنحهم كافة سبل الدعم سواء الاجتماعي أو النفسي أو المادي، بغية المساهمة في تأهيل الجاني وإصلاحه ليعود عضواً نافعاً في المجتمع، بالإضافة إلى شمول الضحايا بالرعاية على النحو الذي يحفظ كرامة الإنسان، ومن ثم يبني التفاهم ويعزز الانسجام الاجتماعي. أما فيما يتعلق بآلية العمل، فتم أولاً وضع أساس تنظيمي لعمل هذه المبادرة يضمن فاعليتها وتحقيقها لأهدافها، فقد أصدر النائب العام قرارا رقم (66) لسنة 2021 بتعييني مديراً لهذه المبادرة؛ إضافة إلى أنه تم تشكيل فريق متخصص من الباحثين القانونيين والأخصائيين الاجتماعيين لتنفيذ المهام الخاصة بالمبادرة، ولرصد الحالات التي تحتاج إلى الرعاية فضلاً عن قياس مستوى الأداء عن طريق تقييم الحالات التي شُملت بالرعاية وتحديد المعوقات وتقديم الحلول اللازمة. كم عدد الحالات التي استفادت من المبادر؟، وما هي الحالات وصور الاحتياجات التي تستحق لأجلها شمولها بالمبادرة؟ عدد الحالات المشمولة بالرعاية بلغ 109 حالات، وقد استفادت من الخدمات 66 حالة فردية، إضافة إلى 9 أسر، وقد تنوعت الفئات إذ تضمنت فئة الأطفال والنساء والرجال، أما بالنسبة إلى بقية الحالات فهي مازالت في طور تلقي الخدمات. لا نستطيع حصر الفئات المستهدفة بالرعاية، والتي نسعى لتشمل كافة فئات المجتمع، إلا أن الفئات التي شملتها المبادرة في مهدها هي الطفل الجانح والضحية والمرأة المعنفة والأسرة المعرضة للتفكك، بسبب ظروف اجتماعية أو مادية؛ بغرض توفير مناخ وأجواء حياتية سوية، تؤدي إلى تقويم السلوك والحيلولة دون الوقوع ضحية للجريمة والحد من حالات العنف الأسري، وذلك من خلال توفير الرعاية والحماية للطفل إلى أقصى حد ممكن وتنشئته في بيئة صالحة، ورعاية وحماية المرأة في جميع أحوالها، والحفاظ على الوشائج الأسرية. ما هي أبرز الظواهر السلبية المجتمعية التي تم رصدها وتم شمولها بالرعاية والحماية من خلال المبادرة؟ رصدت أعمال المبادرة العديد من حالات سوء معاملة الطفل والعنف الأسري، منها على سبيل المثال حالة استغلال أب لأطفاله في أعمال غير مشروعة والتكسب مادياً من وراء ذلك، وما صاحب ذلك من إهمال وتقصير من جانب الأم التي كانت على علم باستغلال أطفالها، وقد تم تقديم الرعاية المادية من خلال حصول الأطفال على مساعدات عينية من قبل صندوق الزكاة التابع لوزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف، وتم تقديم الرعاية النفسية لهم من خلال الحصول على جلسات إرشاد وعلاج نفسي من قبل الطب النفسي، ويتردد الأطفال على العيادة، بالإضافة إلى الرعاية الاجتماعية بحصولهم على خدمة الضمان الاجتماعي، كما تم إلحاقهم ببرامج أندية الأطفال والناشئة ويحصلون كذلك على الرعاية التربوية والسلوكية من خلال إشراكهم في الأنشطة والبرامج اللاصفية لتفريغ المشاعر من خلال اللعب والحركة، ومن خلال المبادرة قامت وزارة التربية والتعليم بنقل أحد هؤلاء الاطفال إلى مدرسة أخرى لضمان توفير وضع نفسي ومدرسي أفضل، وحاليا يعيش الأطفال في استقرار نفسي بعيدا عن الأم والأب وبحضانة الجدة من الأم والجدة من الأب، وقد لوحظ تحسن في المستوى الدراسي للأطفال وكذلك وضعهم المادي ومازالوا خاضعين للعلاج النفسي.. هذا مثال، وهناك حالات مشابهة أخرى تم توفير الرعاية المناسبة لهم من خلال المبادرة وبمساهمة الشركاء الأساسيين كلّ بحسب اختصاصه. كما رصدت نيابة الأسرة والطفل حالة طفلة تم استغلالها من قبل متولي رقابتها لتقوم بالتسول في ظل غياب الأبوين، وبعد شمولها بالرعاية قدمت لها وزارة التنمية الاجتماعية الدعم من خلال متابعتها من قبل مركز حماية الطفل، بالإضافة إلى خدمة الضمان الاجتماعي وتم فتح ملف خاص بها بالتعاون مع وزارة العدل والشؤون الاسلامية والأوقاف لدى أموال القاصرين، وكذلك قامت وزارة التربية والتعليم بتوفير الأدوات المدرسية للطفلة، وأسفر ذلك عن تحسن وضع الطفلة وعدم تكرارها للتسول. ومن ضمن الحالات المرصودة طفل يعيش في حالة تفكك أسرى ولم يتلق أيّا من التطعيمات اللازمة له بسبب عدم وجود أوراق ثبوتية للطفل، وبطرح الأمر على الشركاء في المبادرة تم تقديم الدعم لوالدة الطفل من قبل المجلس الأعلى للمرأة لاستخراج أوراق ثبوتية للطفل، ومن ثم بالتعاون مع وزارة الصحة تم توفير جميع الخدمات الصحية التي يحتاج إليها الطفل. وقد تلقت نيابة الأسرة والطفل بلاغا بوجود طفل في الرابعة عشرة من عمره يتعرض لإساءة معاملة من قبل زوج والدته، وتم تقديم الدعم النفسي والاجتماعي من قبل عدة جهات، منها وزارة التنمية الاجتماعية ووزارة الصحة ووزارة التربية والتعليم حتى تمكن الطفل من تخطي نتائج الجريمة الواقعة عليه. المعروف أن هناك شركاء في مبادرة النيابة (رعاية).. فما مدى تفاعل الشركاء مع المبادرة؟ وهل هناك شركاء جدد من بعد إطلاقها؟ من البداية وجدت فكرة المبادرة تفاعلاً واستجابة قوية من الوزارات والجهات المعنية فصاروا شركاء أساسيين، وهم كل من وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف، وزارة الداخلية، وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، وزارة الصحة، وزارة التربية والتعليم، وزارة الإسكان، والعديد من منظمات المجتمع المدني المعنية بالطفل والمرأة وحقوق الإنسان والجمعيات ذات النفع العام، وكذلك الشركاء الداعمون وهم كل من المجلس الاعلى للمرأة، وزارة شؤون الاعلام، مركز الاتصال الوطني، منظمة الأمم المتحدة للطفولة، اللجنة الوطنية للطفولة، مكتب الامم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، وأخيراً برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والباب مفتوح لأي جهة تخصصية أو مؤسسة اجتماعية لأن تقدم ما لديها في خدمة المجتمع من خلال المبادرة. كيف يمكن اعتبار مبادرة النيابة مساهمة فاعلة في جهود المملكة في رعاية الطفل والمرأة؟ دور النيابة في الأصل هو توفير الحماية والرعاية المقررة في القانون أثناء مباشرتها الدعوى الجنائية، ولكننا بهذه المبادرة نهدف إلى مشاركة المؤسسات المعنية إلى أقصى حد ممكن في جهودها لتنفيذ استراتيجيات المملكة في مجال رعاية الطفل والمرأة والأسرة بوجه عام، وتكون مساهمة النيابة بالعمل على توفير الرعاية سواء الحالية أو اللاحقة على الدعوى الجنائية للفئات التي يُرى ضرورة شمولها بهذا النطاق الواسع من الحماية والرعاية بغية التأهيل والاندماج في المجتمع ولإيجاد الحلول الاجتماعية والمادية التي تحقق للطفل مصالحه الفضلى وتحفظ حقوق المرأة والوشائج الأسرية. نود أن نتعرف أهم ما يميز التجربة البحرينية فيما يتعلق بالمبادرة عن الدول الاخرى؟ تعدّ مبادرة «رعاية» الأولى من نوعها على مستوى نيابات المنطقة والشرق الأوسط لتكون قاعدة أساسية في مساهمة النيابة إلى جانب الجهات التنفيذية ومنظمات المجتمع المدني في توفير الحماية والرعاية للطفل والمرأة والأسرة، وعادة ما تتولى إدارة الرعاية اللاحقة في الدول جهة تنفيذية بينما في مملكة البحرين تقوم جهة قضائية بإدارة الرعاية اللاحقة بالشراكة مع الجهات التنفيذية ومنظمات المجتمع المدني، وذلك لكي تتوسع النيابة العامة في دورها بحماية حقوق الإنسان أثناء مراحل الدعوى الجنائية مع استمرار دراسة الحالات التي تكشف عنها الدعاوى الجنائية من أسباب اجتماعية أو شخصية أو مادية تقود إلى اقتراف الجريمة أو الوقوع ضحيتها والمساهمة الفعلية في توفير أوجه الرعاية والحماية من قبل الجهات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني لكافة الفئات المعنية بالمبادرة. هل بعد إطلاق المبادرة ومباشرة أعمالها هناك مرئيات مستقبلية لتطوير عمل المبادرة؟ بعد انقضاء ما يزيد على ثمانية أشهر على انطلاق المبادرة وملاحظة مؤشرات تحقيقها لأغراضها وتقييم جودة الخدمات المقدمة من قبل الشركاء ومدى تأثيرها على الحالات التي تم شمولها بالرعاية، وفي إطار سعي النيابة لتطوير عمل المبادرة فإن النيابة خلصت الى أهمية وفاعلية تعزيز وتنظيم التعاون المشترك بين الشركاء عن طريق إبرام مذكرات تفاهم وتعاون مشتركة تعمل على ضمان فاعلية التطبيق وإيجاد التخصص المهني بتشكيل فريق عمل لدى كل جهة يتولى متابعة الحالات المشمولة بالرعاية والاشتراك في إعداد التقييم والتوصيات لعمل المبادرة بغية تيسير تلقي الخدمات وتحسين جودتها . كما أن هناك أهمية قصوى فيما يتعلق بالتواصل الدائم والمنتظم بين كافة شركاء المبادرة لاستنهاض الادوار القانونية في دعم إجراءات الرعاية والحماية وتفعيل أثرها، مع تكثيف الجهود مع منظمات المجتمع المدني لتقديم الخدمات والمعونات للفئات المستهدفة بالرعاية كل بحسب دوره واختصاصه المجتمعي.. بالإضافة إلى تكثيف جهود المبادرة لتشمل إعادة إدماج المفرج عنهم حديثا والمستفيدين من العقوبات البديلة في المجتمع عبر تقديم الدعم المادي والنفسي اللازم والسعي نحو معاونتهم على استكمال تعليمهم وايجاد فرص العمل المناسبة وتذليل كافة العقبات التي تواجههم في سبيل إعادة إدماجهم في المجتمع، بالإضافة إلى استحداث وتطوير البرامج التوعوية والارشادية التي تحول دون استدراج الطفل أو استغلاله والبرامج التدريبية والتأهيلية التي تعمل على تنمية شخصية الطفل وإصلاحه وإعادة إدماجه في المجتمع بما يتناسب مع كل حالة على حدة مما يحقق مقاصد المبادرة في ضوء أحكام القانون.
مشاركة :