تسلم «مجلس القضاء الأعلى» في لبنان كتاب وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري خوري، المتضمن أسماء عدد من القضاة، لاختيار أحدهم وتعيينه محققاً عدلياً رديفاً في جريمة انفجار مرفأ بيروت إلى جانب المحقق الأصيل القاضي طارق البيطار، ويعكف على دراسة الأسماء وسيرة كل قاضٍ من هؤلاء قبل تكليف أحدهم بهذه المهمة الشاقة، على أن تكون أولويته البت في إخلاء سبيل الموقوفين بملف المرفأ؛ على رأسهم مدير عام الجمارك بدري ضاهر، المحسوب على رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه السياسي. ولم ينجح «مجلس القضاء»، خلال جلسة مطوّلة عقدها أمس، في اختيار القاضي الذي يراه مناسباً لتكليفه، وأوضح مصدر قضائي بارز أن أعضاء المجلس «لم يتفقوا بعد على اسم المحقق الجديد، والأمر يحتاج إلى مزيد من النقاش والتشاور». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «ما يهمّ مجلس القضاء تسمية قاضٍ مشهود له بالعلم والكفاءة والنزاهة والتجرّد، وأن يكون محصناً من التدخلات السياسية، ولا يقلّ كفاءة عن المحقق العدلي الأصيل طارق البيطار»، مجدداً التأكيد على أن «مهمّة المحقق الرديف مؤقتة ومحددة بمواضيع ملحّة، والبيطار سيستأنف عمله فور إزالة التعقيدات القانونية التي تعترضه». وبالتزامن مع إصرار «مجلس القضاء الأعلى» ووزير العدل على الإسراع في خطوة تعيين المحقق الإضافي، تستمر حالة الاعتراض داخل الجسم القضائي على هذا القرار، والتي عبّر عنها «نادي قضاة لبنان» ومراجع قضائية وقانونية، وجددت مصادر مقرّبة من القاضي طارق البيطار، تأكيدها على أن الأخير «لن يستسلم لقرار تعيين قاضٍ عدلي رديف، ويعدّه منعدم الوجود ولن يسلّمه الملف». وكشفت لـ«الشرق الأوسط» عن أن «أي قرار يتخذه المحقق الرديف بإخلاء سبيل الموقوفين، سيلغي البيطار مفعوله فور عودته إلى العمل وسيعيد توقيفهم جميعاً، على أن ينظر (البيطار) في طلبات إخلاء سبيلهم التي تقدّم إليه لاحقاً»، عادّةً أن «أي قرار يتخذ بهذا الملفّ خلافاً للقانون سيعرّض صاحبه للملاحقة الجزائية». ويبدو أن فريق الادعاء الشخصي الذي يمثّل أهالي ضحايا انفجار المرفأ، بدأ يعدّ العدة لمواجهة المحقق العدلي العتيد، ومنعه من اتخاذ أي قرار يقوّض دور البيطار ويشكل التفافاً على مهمّته. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر حقوقية أن وكلاء الادعاء «سيسلكون في مواجهة هذا الخيار مسارين متوازيين: الأول هو الطعن بقرار تعيين المحقق الجديد أمام المرجع المختص (مجلس شورى الدولة)، والثاني تقديم دعاوى لردّه أمام محاكم التمييز، مما يؤدي حكماً إلى تكبيل يديه، ومنعه من اتخاذ أي إجراء لا يتناسب مع رغبة جهة الادعاء الشخصي وأهالي الضحايا». وبموازاة الخيارات المتضاربة، يبدو أن المراجع القضائية تأخذ في الحسبان كلّ هذه السيناريوهات، وأعلن مصدر مقرّب من «مجلس القضاء الأعلى» أن الأخير «يتحسس حرج المرحلة، ويدرس كلّ الاحتمالات». وأكد لـ«الشرق الأوسط» أن المجلس «يبحث عن مخرج يعيد القاضي طارق البيطار إلى الملفّ». وقال: «لقد أعطى مجلس القضاء الوقت الكافي لتوقيع مرسوم تعيين رؤساء محاكم التمييز (المجمّد عند وزير المالية يوسف الخليل)، لكن في نهاية المطاف، سيجترح الحلّ المناسب لذلك، ويعتمد آلية قانونية تساهم في استكمال نصاب الهيئة العامة لمحكمة التمييز، التي عليها البتّ في عدد من الدعاوى التي كبّلت البيطار وعطلت التحقيق بملفّ المرفأ»، عادّاً أن «الخطوة المرتقبة ستكون متأنية ومدروسة وتخدم مسار العدالة». وليس بعيداً من الصراع القائم حول هذا الملفّ، تقدّمت مجموعة من أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت، بشكوى أمام النيابة العامة التمييزية ضدّ وزير العدل هنري خوري بجرم «القدح والذمّ والإساءة إلى شهداء وضحايا الانفجار»، وجاءت الشكوى على خلفية تصريح متلفز للوزير خوري هاجم فيه أهالي الضحايا الذين تظاهروا أمام منزله نهاية الأسبوع الماضي لمطالبته بالعودة عن قرار تعيين محقق رديف، واصفاً فيه الأهالي: «قابضن (الأموال للتحرّك ضدّه) ومدفوعين من جهات سياسية». وعدّ مقدمو الدعوى أن «كلام وزير العدل يمسّ بكرامتهم وبقضيتهم التي يناضلون من أجلها، كما يسيء إلى شهداء وضحايا انفجار المرفأ». وطلبوا في شكواهم استجواب الوزير وتوقيفه وإحالته على المرجع القضائي المختصّ لمحاكمته، وقد أحال النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات الشكوى على المحامي العام التمييزي القاضي صبّوح سليمان للتحقيق بشأنها. من جهته، أعلن وزير العدل في بيان أنه بعد تسلمه «كتاب موافقة مجلس القضاء الأعلى على انتداب قاض في ملف انفجار المرفأ لاستكمال المسار القضائي ريثما يتمكن القاضي طارق البيطار من استعادة (استلام) الملف المذكور، باشر الاتصالات والتواصل مع عدد كبير من القضاة للتشاور في مسألة تعيينهم أو تسميتهم في المركز». وعبّر خوري عن أسفه: «كيف يتنكر محامٍ ووزير سابق (إبراهيم نجّار) قصداً أو عن غير دراية، لقرارات واجتهادات بنت عليها قصور العدل أحكاماً ومواقف بقيت ثابتة حتى بعد مرور عشرات السنين على اتخاذها، وأن الموافقة الخطية التي صدرت من مجلس قضاء سابق ومؤيّدة من الوزير عينه، ليست وهماً بل حقيقة بالدليل الخطي القاطع؟»، مستغرباً في الوقت نفسه «كيف أن أحد أعضاء مجلس القضاة السابقين (القاضي حاتم ماضي) خلط بين حالة الغياب بسبب السفر وحالة الفراغ».
مشاركة :