كرة القدم.. ولادة متوحّشة وتاريخٌ لا يُنسى..!

  • 1/4/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تتكاثر الحروب.. تحتدم الصراعات.. يموت الناس من البرد والجوع، يبحث الإنسان عن حياته وسط ركام الموت ومع هذا لا ينشغل بشيءٍ أكثر من انشغاله بصافرة حكم تدير مبارة في كرة القدم.. إنها اللعبة الوحيدة في العالم التي تمرّر سحرها وخديعتها بأناقة وتلقائية مستمرّة، يستثمرها التجار، وتتزاحم لأجلها الحشود، وتتناقل أخبارها الوكالات، ويتخذها المستثمرون إعلاناً واثقاً من تغلغله لدى الناس، تحضر بها السياسات، وتتنازع عليها الأسماء ويتخلّق فيها التاريخ.. لكنها وعلى الرغم من أنها بمفهومها العام -ومنذ آلاف السنين- لعبة البسطاء بأقدامهم حين يلعب الأرستقراطيون على جيادهم، إلا أنها تحمل صورة مرعبة في حكاياتها الأولى فهذه اللعبة التي تدار اليوم في كل أصقاع العالم نموذجا للسلام والتواصل بين الشعوب.. أطلّت علينا أول الأمر عبر مشهدٍ مروّع بمجرد تخيّله، فبداياتها كما ينقلها لنا التاريخ وفقًا لرواته جاءت في عام 1016م من خلال احتفال الإنجليز بإجلاء الدنماركيين عن بلادهم، يومها لعب الإنجليز الكرة فيما بينهم ببقايا جثت المطرودين والمسحوقين في ساحات المعارك الضارية، وكانت الرؤوس وهي أقرب أعضاء الجسم شبها بالكرة وأسهلها على التدحرج تتقاذف ملامحها بين الأرجل حتى تبلغ الهدف! صحيح أن هذه الصورة البشعة للعبة استفزّت بقايا الإنسان فيهم في ذلك العصر فمُنعت ممارستها؛ لكنها ظلّت تظهر وتنتشر كلما تعاظم الوحش في إنسان ذلك الزمان، ثم تعود وتمنع بمراسيم ملكية لأسباب متعددة، حتى وصل الأمر إلى حد المعاقبة على ممارستها بالسجن! والإنجليز كما يعرف مؤرّخو هذه اللعبة الشعبية التي تجوب العالم ثقافةً وحضورًا وتمريرًا للعادات والأعراف ومظاهر الاحتفالات هم من نشروها وحملوها لبقاع الأرض عبر امتداد امبراطوريتهم التي لا تغيب عنها الشمس يوما بل إنهم أول شعوب العالم الذين أقرّوا رياضة كرة القدم في مدارسهم وذلك في العام 1710م، في الوقت الذي تأسس أول نادٍ في العالم "نادي شيفيلد الإنجليزي" في عام 1857م على أراضيها وفي ثقافة شعبها، ومهما يكن الواقع والتاريخ ومدى مطابقته لما تذاكره البعض فإن هذا المشهد التاريخي المتعصّب حد الوحشية لابدّ وأن يفسّر لنا بعض التطرّف والجنون الذي يطغى على جمهور كرة القدم في كل زمان ومكان، فمن المعروف لدى التاريخ المنشغل بها وجود فئة كبيرة في كل العصور والثقافات جعلوا منها متنفّسا إقصائيا ونفسيا للوحش الذي يسكن الإنسان ويبحث في كل شيء عن ثقبٍ يطلّ منه على الحدث! على الرغم من كونها لعبةً لا تحتمل في جوهرها أكثر من الترفيه ولا يعد الانتصار فيها إلا انتصار ترفيهي، وبالتالي فبقدر ما يسعى العالم اليوم لتوطين ثقافة السلام والتعايش بين البشر ويستثمر شغف الإنسان المعاصر بهذه اللعبة لتحقيق هذا الحلم الإجباري من أجل التعايش والتصالح مع الوجود الإنساني، وبقدر ما تنفق الدول والشركات والمؤسسات ورجال الأعمال على كرة القدم طلبا للحضور والمفاعلة مع العصر، بقدر ما تحيلنا كثير من المواقف إلى الصورة الوحشية الأولى لها وبأشكال وحالاتٍ متعددة لعلّ أكثرها وضوحًا لدى المجتمعات المتمدّنة والمثقفة والمسالمة تلك المواقف "العنصرية المقيتة" التي يتعرّض لها بعض اللاعبين من ذوي الألوان المتميزة أو أصحاب البشرة السوداء أو حتى تلك العبارات المنفلتة والمنفعلة التي يقتات عليها الإعلام الرياضي ويستثمرها تجارياً بل وسياسياً أحياناً في كل الثقافات أو حتى تلك الصدامات النفسية أو الاجتماعية التي تؤدي في كثير من الأحيان إلى اشتباكات دامية بين الجماهير؛ ليس إلا امتدادًا لذلك البعد النفسي فالمهزوم ليحمي ملامحه من التدحرج على الأرض وبين الأقدام، والمنتصر ليزيد عدد الرؤوس في ساحات انتصاره!

مشاركة :