يبدو أن الازدواجية والتناقض في المواقف الغربية تجاه المملكة بعد إعدامها 47 إرهابياً، لم تكن وليدة الصدفة، بل كانت مبيتة منذ وقت بعيد، فالمملكة لا يمكن أن ترضي قناعاتهم مهما فعلت، لأنهم أخذوا حكماً مسبقاً بأنها لا تقيم حقوق الإنسان وحقوق المرأة، وغيرها من الأحكام المسبقة، التي لا يسهل تصحيحها. وقد يرجع بعض ذلك «التواطؤ الإعلامي» إلى «ضعف رأس المال البشري السعودي في مراكز البحوث والندوات وورش العمل الغربية، لشرح وجهة نظر المملكة السياسية». ذلك ما يراه الكاتب السياسي يوسف الكويليت، الذي يقول، في اتصال مع «الحياة» أمس: «إن مصدر الهجوم قبل شهرين أو ثلاثة كان من صحف بريطانية وأميركية، وإن الازدواجية والتناقض في المواقف لم تكن صدفة، بل كانت مبيتة منذ وقت بعيد». وقال الكويليت: «إن تنفيذ أحكام القضاء على 47 شخصاً جعلت الإعلام الغربي يلتقي مع الإعلام الإيراني، وكأن هناك تنسيقاً مسبقاً في هذا الشأن، فإذا كانت المصالح دائماً هي ما يحدد السياسات، فلماذا هذا التقلب بألف وجه ووجه»؟ متسائلاً: لماذا تتم معاملة المملكة اقتصادياً بشكل جيد، وتُعامل سياسياً بشكل سلبي؟ وأكد أن أميركا وبريطانيا تناقضتا وتذبذبتا عندما رأتا أن فرنسا بدأت تعدل سياستها مع السعودية، وتوافقها في كل المواقف، وهو الأمر الذي كشفته حادثة سقوط الطائرة الروسية فوق شبه جزيرة سيناء المصرية، إذ بادرت أميركا وبريطانيا بالإبلاغ عنها وأصدرتا قرارات، بينما لم يفعلوا شيئاً يذكر تجاه الهجمات الإرهابية التي وقعت في باريس في 13 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015. واعتبر الكويليت أن هذه المواقف المتباينة تؤكد أن هناك توزيع أدوار وعداء للسعودية، حتى لو لم يظهر في اللغة الدبلوماسية والصحافة، «فهم يعادون العرب منذ أزمنة طويلة، وأشعلوا الحروب كلها في المنطقة، بينما هناك مناطق أخرى تناصبهم العداء، ولم يحدث فيها مثل ما يحدث في البلدان العربية». وأكد أن «العداء المبطن الذي يتستر أحياناً خلف قناع دبلوماسي وسياسي، إنما جاء نتيجة أنهم وضعوا العرب في معادلة مع إسرائيل، وهو ما يتضح جلياً في ما كان يكتبه بعض السياسيين الأميركيين». وأضاف الكويليت أن إسرائيل والأوروبيين والأميركيين «يلتقون في مصالح العداء لهذه المنطقة، فعندما لم تنجح محاولات الانقلابات، وضرب القوميات بعضها ببعض، العرب مع الكرد، والأمازيغ بالعرب، حاولوا ضرب الإسلام بالإسلام، من خلال ضرب السنة مع الشيعة وبالتالي يتم التخلص من الطرفين، وهي سياسات موضوعة منذ أزمنة طويلة». من جانبه، أكد الخبير في الشؤون السياسية عبدالله الشمري، أن هناك شقين لهذه الازدواجية والتناقضات في المواقف الغربية تجاه السعودية، «فهذا الموقف يبين المواقف غير الجيدة تجاه المملكة، سواء من الدول الغربية أم من الإعلام الدولي المتعاطف مع إيران». وأشار الشمري في اتصال مع «الحياة» أمس، أن ما حصل من مواقف غير جيدة من بعض الدول الغربية «يكشف ضعف رأس المال البشري السعودي في الخارج، الأمر الذي لم تكن تتنبه المملكة إلى أهميته، بالحضور في مراكز البحوث والندوات، سواء في أميركا أم بريطانيا أم فرنسا، فيما الإيرانيون يعملون على جميع الاتجاهات». وأكد الشمري أن الجبهة الإعلامية لا تقل أهمية عن الجبهة العسكرية، «وعلى السعودية أن تحاسب المقصرين في هذا الأمر، فالذي يقوم بالتقصير في الجبهة الإعلامية للمملكة، يعتبر غير وفي للوطن، فما حدث من ردود فعل غربية تجاه تنفيذ الأحكام القضائية ضد الإرهابيين هو أمر بسيط جداً من واقع ما يحاك ويدبر ضد السعودية». وقال: «إننا غائبون عن الواقع اليومي في كثير من الورش والندوات والمؤتمرات، التي تعقد يومياً في بروكسل وبلجيكا وفرنسا وواشنطن وغيرها من الدول الأوروبية، وبعض الندوات يوجهون دعوات إلى بعض السعوديين لكنهم لا يحضرون لأسباب عدة». وتابع: مثلاً، الحراك السياسي السعودي الرسمي الذي تم خلال العام الماضي تزامناً مع انطلاق «عاصفة الحزم»، لم يصاحبه حراك سياسي إعلامي خارجياً، «وهو ما يفسر بعض المواقف العدائية للمملكة بسبب غياب الجبهة الإعلامية السياسية». وبيّن أن مواقف الغرب السياسية يتحملها الكادر السعودي الدبلوماسي، «فهم لم يوضحوا لبعض السياسيين وجهة نظر المملكة في بعض الأحداث المحلية، التي تستغلها بعض الدول المعادية للمملكة، وتوظفها بشكل سيئ لمصلحتها».
مشاركة :