تستدرج عصابات الأجانب للقدوم إلى كمبوديا، من خلال عمليات الاحتيال عبر الإنترنت، من أجل سرقة أموالهم، أو استدراج أشخاص ذوي خبرة عالية في الكمبيوتر، لاستخدامهم في استدراج وسرقة أشخاص آخرين. ويتعرض بعضهم، في حال عدم انصياعهم للأوامر، للتعذيب المفضي في بعض الأحيان إلى الموت. ويطالب الناجون وخبراء حقوق الإنسان سلطات إنفاذ القانون باتخاذ الإجراءات اللازمة. وكشفت تقارير أخيرة أن أجانب يعملون مع عصابات إجرامية في كازينوهات بكمبوديا، وغيرها من الشركات، متورطون في قضايا تتعلق بالاتجار في البشر بهذه الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا، حيث تم استدراج العديد من الضحايا من خلال عمليات الاحتيال عبر الإنترنت. الأسبوع الماضي، ألقت الشرطة الكمبودية القبض على 15 مواطناً تايلاندياً مطلوبين بتهمة الاحتيال الإلكتروني، ويعملون بشكل غير قانوني، من مجمع في سيهانوكفيل، بناءً على طلب من السفارة التايلاندية في بنوم بنه. وجاءت الاعتقالات في الوقت الذي تكثّف فيه كمبوديا وقوات الشرطة من مختلف البلدان في المنطقة جهودها لإنقاذ مواطنيها، والقضاء على عصابات تهريب البشر. ويقول المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحالة حقوق الإنسان في كمبوديا، فيتيت مونتاربورن، الذي أنهى مهمة استغرقت 11 يوماً إلى البلاد في أواخر أغسطس، إن ضحايا الاتجار في البشر يعانون «جحيماً حياً»، حيث تعرض العديد منهم للتعذيب أو حتى القتل. ويضيف أن «الدول تشعر الآن بهذه الظاهرة. وتحتاج كمبوديا إلى تفعيل الإجراءات المضادة بقوة أكبر، بينما ترحّب بالتعاون والدعم الدوليين». كمبوديا بؤرة استقطاب على مر السنين، تحولت كمبوديا إلى وجهة رئيسة للاتجار في البشر في جنوب شرق آسيا، حيث تجري عمليات احتيال عدة عبر الإنترنت، وهي في الأصل وراء العديد من هذه الحالات. ويستهدف تجّار البشر، وكثير منهم مرتبطون بالعصابات الإجرامية المنظمة، الرعايا الأجانب، عبر تطبيقات مختلفة لوسائل التواصل الاجتماعي، ويعرضون عليهم عملاً وإقامة بأجر جيد. ويقول أحد الضحايا، واسمه (وي)، طلب عدم الكشف عن اسمه الأخير لأسباب أمنية: «في البداية، أخبرني المحتالون بأنه يمكنني القدوم إلى كمبوديا من أجل وظيفة جيدة، لأنني أعمل مهندساً، ويمكنني التحدث باللغة الإنجليزية». ويضيف أنه تم استدراجه إلى مجمع للاتجار في البشر في كمبوديا، عبر عملية احتيال عبر الإنترنت، وعند وصوله إلى كمبوديا، أخذ المحتالون جواز سفره وتأشيرته. ويتابع (وي)، الذي احتُجز في المجمع لمدة خمسة أشهر مرغماً، قبل أن يتمكن من الفرار قبل أسبوعين: «طلبوا مني الانضمام إليهم، وإلا سأضطر إلى دفع 30 ألف دولار». سيهانوكفيل مركز للاتجار في البشر ترتبط العديد من المجمعات والعصابات الإجرامية بمدينة سيهانوكفيل الساحلية الجنوبية، التي أصبحت منطقة اقتصادية خاصة. وبفضل الاستثمار الصيني الضخم بين عامي 2014 و2019، تحول المكان إلى مدينة كازينوهات. وبعد أن شارك المسؤولون الصينيون والكمبوديون في مهمة مشتركة لإنفاذ القانون، للقضاء على الإجرام عبر جنسيات عدة في عام 2019، دخلت صناعة القمار في سيهانوكفيل تحت الأرض. ووسط عمليات الإغلاق بسبب وباء «كوفيد-19»، اكتشف بعض المقامرين أن عمليات الاحتيال عبر الإنترنت تمثل عملاً مربحاً لهم. ويقول نائب مدير قسم آسيا في منظمة «هيومن رايتس ووتش»، فيل روبرتسون، إن شركات الاحتيال هذه تكون في كثير من الحالات مدعومة بمسؤولين كمبوديين كبار، يستفيدون مالياً من هذه الشركات الفاسدة. ويضيف «إنه لأمر مروّع حقاً، كيف يمكن لهذه العصابات الإجرامية أن تحبس الناس في العديد من الكازينوهات والمجمعات الترفيهية دون مواجهة أي نوع من الملاحقة القضائية من قبل شرطة كمبوديا». ذبح الخنازير وفقاً لمؤسسة ومديرة شركة استشارات البحوث الإنسانية، مينا تشيانغ، ومقرها لندن، فإن أنشطة الاحتيال هي جزء من مخطط جريمة مزدوجة. وتضيف «إنهم يخدعون الضحايا، لكن هناك أيضاً ضحايا العبودية، الذين يتم استخدامهم لخداع الضحايا من أجل سرقة أموالهم». ومن خلال التحدث إلى ضحايا الاتجار ومساعدتهم في كمبوديا، حددت مؤسستها الاجتماعية الأنماط المتكررة. وتسترسل «ما نراه هو أن المجرمين يجبرون الضحايا على القيام بأنشطة احتيال، بما في ذلك الطريقة الشائعة لما يسمى (ذبح الخنازير)». ووسيلة «ذبح الخنازير» تتمثل في أن المحتالين يقدمون لضحاياهم وعوداً رومانسية بالحصول على ثروات كبيرة، قبل أخذ كل أموالهم. وتبدأ عمليات الاحتيال عادةً على وسائل التواصل الاجتماعي، أو مواقع المواعدة، حيث يجد المحتال الضحية، ويقنعها بتسليم بعض الأموال، قبل أن يختفي بكل هذه الأموال. وفي معظم الحالات، يكون المحتالون هم أنفسهم ضحايا، تم استدراجهم سابقاً إلى البلاد من خلال وظائف مزيفة ذات رواتب عالية. وتقول تشيانغ: «لقد رأينا أيضاً أشخاصاً يتم إغراؤهم من قبل أصدقائهم، وهو أمر خطر للغاية، لأنك قد تثق بهذا الشخص بسهولة. وفي هذه الحالة، يخضع ضحايا العبودية للاضطهاد». الشباب والمتعلمون الهدف الرئيس وتقول مديرة مؤسسة «غاردن اوف هوب»، كايلي لي: «أولئك الذين يتعرضون للتعذيب، ويسافرون إلى سيهانوكفيل، ليسوا من العمال ذوي المهارات المتدنية، بل هم من الشباب المتعلمين، ويتحدثون لغات عدة، أو يزاولون مهناً راقية». ووجدت منظمتها التايوانية غير الحكومية، التي تنظم برامج لمساعدة ضحايا الاتجار في البشر، أن معظم الضحايا التايوانيين، الذين تم استدراجهم إلى كمبوديا، تراوح أعمارهم بين 24 و29 عاماً، وتم الإبلاغ عن 629 حالة لمواطنين تايوانيين محاصرين بحلول نهاية أغسطس. ووفقاً لما ذكرته لي، فإن المجموعات الإجرامية التي تقف وراء مخططات الاتجار هذه، بحاجة إلى أشخاص أذكياء ومتعلمين، ولديهم مهارات عالية في الكمبيوتر، لإجراء عمليات الاحتيال لاستدراج أشخاص آخرين. ونظراً لعدم وجود هؤلاء الأشخاص في كمبوديا، فإن المجرمين يجوبون المنطقة، ويستدرجون الأشخاص المهرة والمتعلمين من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك من أوروبا والأميركتين. ويقول (وي): «خلال الأشهر الخمسة التي أمضيتها في شركة الاحتيال، رأيت صينيين وفيتناميين وإندونيسيين وماليزيين، وحتى أميركيين، تعرضوا للخداع أيضاً»، وحاول (وي) الاتصال بالشرطة. وأضاف «لكن عندما اكتشف المحتالون الأمر، غضبوا بشدة، وسجنوني في غرفة بلا طعام ولا ماء لمدة 30 ساعة، وخلال هذه الفترة، تعرضت للضرب والتعذيب الجسدي بمسدس كهربائي». وتشير التقارير إلى أن الكثير من الضحايا الآخرين يعانون انتهاكات جسدية مماثلة من قبل خاطفيهم، حتى إن بعضهم مات بسبب ذلك. المال هو السبب يقول روبرتسون إن تدفق الأموال المستمر داخل تجارة التهريب هو المشكلة الرئيسة. ويضيف «هناك أموال طائلة يتم الحصول عليها من خلال عمليات الاحتيال هذه، والأمور المالية هي أعلى من أي شيء آخر في كمبوديا، لذلك، ما لم تتوافر إرادة سياسية فعلية لدى الحكومة لإنهاء هذا المأزق، فلن يتم إنجاز سوى القليل». ودعا المانحين الدوليين، ووكالات الأمم المتحدة، وجماعات المجتمع المدني، إلى العمل معاً لوضع حد لهذه الانتهاكات التي تجتاح البلاد. وتقول تشيانغ: «إذا تم إيقاف تدفق الأموال لهذا النظام، فلن تجد العصابات أي فائدة من استعباد الضحايا، وستتخلى عن صناعة الاحتيال بعد الآن». ويعمل فريقها عن كثب مع الضحايا الذين تم إنقاذهم لتسجيل قصصهم، والمطالبة بسياسات وقوانين جديدة للتصدي لتلك الجرائم، من خلال وقف تدفق الأموال إلى المجرمين. ويعتبر (وي) واحداً من القلائل الذين هربوا، إذ قفز من سيارة صغيرة في تايلاند قبل أسبوعين، كانت ستنقله إلى ميانمار. وبخلافه، لايزال هناك العديد من الضحايا الآخرين محاصرين في كمبوديا، ينتظرون بشدة المساعدة والإنقاذ. القائمة السوداء حالات الاتجار في البشر بكمبوديا تضاعفت تقريباً في عام 2021. أرشيفية بعض الضحايا الذين استطاعوا الحصول على بطاقات هاتف، تمكنوا من الاتصال بالشرطة للحصول على المساعدة، وعادوا إلى بلدانهم الأصلية، لكن لم يحالف الحظ الجميع، فقد قال كثير من الضحايا إن بعض ضباط الشرطة الكمبودية تواطأوا مع أعضاء عصابات الاتجار في البشر، حيث يخبرون العصابات عن هؤلاء الأشخاص، الذين من المحتمل أن يعاقبوهم لاتصالهم بالشرطة، أو أن الشرطة تبيعهم لعصابات الاتجار في البشر في مواقع أخرى. وأدرجت واشنطن البلاد التي تعمل فيها هذه العصابات على القائمة السوداء في وقت سابق من هذا العام، في تقريرها عن الاتجار في البشر، مستشهدة بالفساد والجهود غير الكافية، لكبح جماح المهربين. ووفقاً لإذاعة آسيا الحرة، تضاعفت حالات الاتجار في البشر بكمبوديا تقريباً في عام 2021، وهو اتجاه بدأ في عام 2020 بسبب الوباء. في السنوات الأخيرة، أصبحت البلاد ساحة خلفية للهاربين الصينيين المطلوبين بتهمة المقامرة غير القانونية عبر الإنترنت، وجرائم الاتجار في البشر، حيث ارتفعت قيمة الأرض والإعفاء الضريبي للمستثمرين الصينيين في كمبوديا، في إطار مبادرة «الحزام والطريق». عن «فويس أوف أميركا» احتيال باسم الحب الضغوط تتزايد على كمبوديا بشأن الاتجار في البشر. أرشيفية وقعت (هوانغ)، وهي صينية اختارت إخفاء اسمها الأخير، في حب رجل قابلته عبر الإنترنت، ولم تشك في أي شيء عندما شجعها على استثمار 150 ألف دولار في مشروع. وبحلول اللحظة التي أدركت فيها أن الأمر كله خدعة، كان الوقت قد فات. لكن قصتها لا تنتهي هنا، فبعد الحادث قررت (هوانغ) الانضمام إلى منظمة دولية لمكافحة الاحتيال، لمساعدة الضحايا الآخرين في عمليات الاحتيال «الرومانسية» المماثلة. واستطاعت هذه المنظمة، التي تُسمى «غلوبال انتي سكار»، مساعدة أكثر من 80 ضحية حتى الآن. اكتشفت (هوانغ)، جنباً إلى جنب مع متطوعين آخرين في المجموعة، أن العديد من هؤلاء المحتالين عبر الإنترنت هم ضحايا لعصابة واسعة النطاق للاتجار في البشر، تقع في كمبوديا، وميانمار. وكشفت وسائل الإعلام المحلية في منطقة الصين الكبرى، أخيراً، عن سلسلة من عمليات الاحتيال على الوظائف التي بلغت ذروتها في الاتجار في البشر. الضحايا العاديون يتفاعلون بسرعة عندما يقرؤون أو يسمعون عن إعلان وظيفة في كمبوديا، أو ميانمار، أو تايلاند، مع توافر تذاكر طيران ذهاباً وإياباً، وراتب مغرٍ. وبمجرد أن يسافروا إلى هناك، يصادر «موظفو الشركة» وثائق سفرهم، ويقودونهم إلى مجمع، ويجبرونهم على العمل محتالين عبر الإنترنت. في تايوان، وهونغ كونغ، وماليزيا، تصدرت قضايا الأشخاص المفقودين المرتبطين بعصابات الاتجار في البشر عناوين الصحف. وأكدت الشرطة التايوانية وجود أكثر من 300 حالة من هذا القبيل حتى الآن، بينما ألقت شرطة هونغ كونغ القبض على خمسة من السكان المحليين، بتهمة التآمر جراء الاحتيال في ما يتعلق بهذه العصابات، وفي أواخر أغسطس، تم تأكيد عودة 14 حالة من أصل 36 حالة معروفة إلى بر الأمان. عن «فير بلانيت» على مر السنين، تحوّلت كمبوديا إلى وجهة رئيسة للاتجار في البشر في جنوب شرق آسيا، حيث تجري عمليات احتيال عبر الإنترنت، وهي في الأصل وراء العديد من هذه الحالات. تجار البشر كثير منهم مرتبطون بالعصابات الإجرامية المنظمة، ويستهدفون الرعايا الأجانب، عبر تطبيقات مختلفة لوسائل التواصل الاجتماعي، ويعرضون عليهم عملاً وإقامة بأجر جيد. في معظم الحالات، يكون المحتالون أنفسهم ضحايا، تم استدراجهم سابقاً إلى البلاد من خلال وظائف مزيفة ذات رواتب عالية. تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news Share طباعة فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :