محتويات المتاحف الخاصة.. سرديات تاريخية في البيوت الإماراتية

  • 9/15/2022
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

التمعن بالجهود الفردية لأصحاب المتاحف الخاصة، ودراسة فعل اقتناء وتجميع القطع التراثية والفنية، ذات الأبعاد الثقافية والمجتمعية، يطرح سؤالاً جوهرياً، حول دور الأفراد من المهتمين والمختصين بالفضاءات المتحفية المحلية، في توسيع نطاق المساحات النقاشية للرصد التوثيقي، وإعادة اكتشاف الموروث، بتصنيفاته المختلفة، وفقاً لجغرافية المناطق الساحلية والجبلية والصحراوية والزراعية في دولة الإمارات، وإمكانية دراسة أبعاده على المشهدية البصرية الفنية، واللغة الأدبية في المخيال اللغوي، وتكوين الإيقاعات الموسيقية في الأغاني الشعبية، فالمتاحف الخاصة ميزتها أنها تستحضر المكان، بكل تجلياته الزمنية ذات العلاقة بالعناصر المستخدمة في الحياة اليومية لدى سكان الإمارات قديماً، وتمتلك قدرة الدفع بتلك العناصر التراثية والفنية نحو بناء دراسات بحثية تعزز أبعاد تشكل الهوية المحلية، ومنه فإن محتويات المتاحف الخاصة تمثل سرديات تاريخية تحتضنها البيوت الإماراتية، تستدعي الاهتمام الاستراتيجي في كيفية ربط الاجتهادات والمبادرات الفردية، بالمسارات العامة في المؤسسات الثقافية والفنية والسياحية فيما يتعلق بتعزيز قوة حضورها في المجتمع المحلي والعالمي. يحمل أصحاب المتاحف الخاصة، وتحديداً التراثية منها، تجاربهم الشخصية مع المكان والناس، هم فعلياً يصورون طفولتهم وعائلاتهم وأصدقاءهم ورحلاتهم المختلفة مع دول مجاورة وبعيدة، ولذا تبقى حميمية المتاحف الخاصة في أنها تسكن بيوت أصحابها، وهو ما يميزها عن المتاحف العامة، حول تلك المرويات عن هواية الاقتناء وتحويلها إلى فضاء متحفي، أوضح حسن بوصابر، الذي يمتلك نحو 12 محلاً وصالة رئيسة مليئة جميعها بالمقتنيات التراثية، أنه بدأ هذه الرحلة قبل 45 سنة، عندما كان يلاحظ جماليات تلك القطع وكيف أنها ستصبح نادرة مع الوقت. وتابع: «لدي قطع نادرة وعزيزة عليّ لأنها تذكرني بالأسرة والعائلة، أنت تبدأ كهواية، من بعدها يتحول الأمر إلى حب كبير، وخبرة في تمرس اكتشاف القطعة التراثية، يأتيني الكثير من الشباب، من يعملون على متاحف صغيرة، ومن يستهوون كذلك شراء القطع النادرة، دائماً ما أوصيهم بالصبر، واكتشاف ما هو تقليد، إنها ممارسة مجتمعية تحتاج إلى مال وطول بال». ويشير حسن بوصابر إلى أهمية مناقشة التراخيص المخصصة للمتاحف الخاصة، فهو لا يزال لا يملك ترخيصاً شخصياً لمتحفه في إمارة الشارقة، وبالمقابل عند زيارة عدد من المتاحف في دول الخليج، يتم تسجيل تلك المتاحف مباشرة، وتدخل ضمن الخطط السنوية لترويج ودعم زيارتها على مستوى السياحة الداخلية والخارجية، باعتبارها تعبر عن وجدان المجتمعات، من خلال الحكايا والقصص التي تزخر بها المتاحف الخاصة، إلى جانب دورها المحوري المكمل للمتاحف العامة، في التعريف بالتحولات المجتمعية وأوجه التطور والنمو. أخبار ذات صلة انطلاق المشاركة الأولى في المنطقة بين «الاتحاد» و«إسرائيل هيوم» ضمن «مبادرة جوجل للأخبار» الإمارات تجدد التزامها بدعم جهود الحل السياسي في سوريا زيارات مدرسية ويذكر حسن بوصابر، الزيارات المدرسية للمتحف، وتفاعله المباشر مع الطلبة، مبيناً كيف أنهم يرون تلك العناصر التراثية، ويلمسونها ويتقربون منها، ويتعرفون بشكل علمي وعملي إلى سيرة الأجداد والآباء، إضافة إلى الباحثين والسياح الذين يزورن المتحف بشكل دائم. ولفت حسن بوصابر إلى إمكانية إنشاء مجمع يضم أصحاب المتاحف الخاصة والناشئة، ويقدم دورات مستمرة، يستفيد من خلالها المتلقي حول عملية الاقتناء واكتشاف الغش، وطبيعة المزادات التي تقدم في القطاعات المتحفية التراثية، ما يقدم مساحة مجتمعية ترفد قطاع المتاحف الخاصة بالمهتمين والهواة، والذي من شأنه أن ينشئ مجتمعاً يتذوق بناء الفضاءات التراثية، ويساهم في نمو عجلة الاقتصاد الوطني، كون هذا القطاع حيوياً ومفتوحاً للعالم أجمع. ويسرد حسن بوصابر، قصة اقتنائه لعلبة «قوطي» مخصصة لقطعة حلوى كان يطلق عليها محلياً «بو بقرة»، توضع حالياً بنوعها الأحمر والأصفر بأكياس، وقال: كنت أحتاجها من أجل إكمال تفاصيل الدكان القديم، تواصلت مع شخص كان يعرضها للبيع بما يقارب 1600 درهم، عند رؤيتي للعلبة وجدتها مهترئة جداً ولا تستحق هذا المبلغ، وترددت وقتها وانتظرت، ومن بعدها في مناسبة لتكريم أصحاب المتاحف الخاصة، ذهبت لإحدى دولة الخليج، وأطلعنا أحد المعارف بأن هناك مزاداً لبيع القطع التراثية، فعندما ذهبنا وجدت العلبة، لكن بشكل أفضل وجيد بسعر يعادل 600 درهم، أردت التوضيح في هذا المثال البسيط، كيف أن عوالم البحث عن القطع التراثية تحتاج لوقت وحب اطلاع مستمر، مع وضع الاعتبار لأدق التفاصيل في تشكيل المكان التراثي. مساحات مجتمعية في المتحف الخاص للباحث في علوم التراث البحري جمعة بن ثالث، بمنطقة جميرا في مدينة دبي، جاءت تفاصيل الأدوات المستخدمة لدى الطواش «تاجر اللؤلؤ»، وأنواع السفن البحرية المستخدمة قديماً في دولة الإمارات، إضافة إلى قائمة من الكتب والمراجع المعرفية والتوثيقية بعلوم الحياة المجتمعية والإرث الثقافي، بأبعاده الإنسانية والحضارية، مجهوداً شخصياً آمن فيه الباحث جمعة بن ثالث، بأهمية أن تُبنى مساحات مجتمعية ومجالس، تتيح فرصة اللقاء مع الرواة والمهتمين بالموروث البحري، من خلال أن يتحول المتحف الشخصي، إلى حالة من العصف الذهني، يتحدث فيه كبار السن عن مروياتهم وقصصهم، الزاخرة برحلات الغوص والبحث عن اللؤلؤ، والتي لا تزال تحتاج إلى اهتمام توثيقي مستمر، يتبناه الشباب من المختصين والباحثين الميدانيين. وأوضح ابن ثالث: «التحليل والنقاش التفصيلي الذي يهديه لك الرواة من أهل البحر، يمثل عالماً لا نهائياً لذاكرتنا المحلية، القادرة على سرد حياة كاملة في حقبات زمنية مهمة، شكلت تحولات تاريخية حول طبيعة الحياة وتنوعها على أرض دولة الإمارات». الاهتمام بالمتاحف الخاصة، من خلال الزيارات الرسمية، وتسليط الضوء على محتوياتها عبر وسائل الإعلام، ضمن استراتيجية وطنية، سيساهم في تعزيز مكانتها مجتمعياً، وتوسيع نطاق تأثيرها وتطور تجربتها كمصدر حيّوي للمعلومة، جميعها محاور أشار إليها الباحث جمعة بن ثالث، معتبراً أن إمكانية اشتغال المؤسسات العامة المعنية على الموضوع ممكن جداً، بل وهناك أفكار إبداعية كثيرة في كيفية تنشيط المتاحف الخاصة، وتأصيل ارتباطها بالمجتمع، من خلال بناء فضاءات متحفية تفاعلية جامعة لمضامين تلك المتاحف الخاصة، ما من شأنه أن يكمل الأدوار الجوهرية التي تلعبها المتاحف العامة في الدولة. وأضاف ابن ثالث أن متحفه الذي أسسه قبل 5 سنوات، مفتوح أمام الباحثين، فيما يتعلق بالموروث البحري، ويلتقي بهم دائماً حيث تدور الحوارات معهم حول بحوث علمية مختلفة، فمثلاً يوجد في متحفه «فطام» مشبك يضعه الغواص على أنفه لئلا يدخل الماء إلى جوفه عمره قرابة الـ240 سنة، حصل عليه من أحد الغاصة في البحرين، ولنا أن نتخيل طبيعة المرويات حول عظام السلاحف المستخدمة لصناعة هذا «الفطام»، وهنا تكمن جمالية المتاحف الخاصة في أنها تتضمن قطعاً قد لا تجدها في المتاحف العامة، وكذلك ارتباط مباشر وحيّ مع أصحاب تلك القطع التراثية، التي قد تكون متوارثة بين الأجيال، ما يهديها مع الزمن قيمتها ومكانتها، وحول السياق نفسه، يذكر الباحث جمعة بن ثالث، كيف أن أحد الأشخاص عرض عليه نحو مليون ونصف المليون درهم لبيع المتحف، إلا أنه امتنع عن البيع لأنه المسألة بالنسبة له لم تكن مادية أبداً، بل مشروع وطني تبناه، ويستمر في تطويره لأبعاد تحفظ مرتكزات الهوية المحلية لدولة الإمارات العربية المتحدة. تواصل وأريحية متحف «قرية بن درويش التراثية»، أحد المقاصد الثقافية والمجتمعية بإمارة رأس الخيمة، أسسها علي بن درويش، الذي أوضح في حديثه لـ«الاتحاد الثقافي»، أن المتحف مرخص من قبل الدائرة الاقتصادية بإمارة رأس الخيمة، والذي أسهم في تعزيز مكانة القرية ودورها في التعريف بالموروث الاجتماعي لدولة الإمارات، من خلال تنسيق مستمر مع الجهات المعنية بالسياحة الداخلية في الإمارة، مبيناً أن المتاحف الخاصة تبقى بشكل أساسي مجهوداً شخصياً، يتطلب اهتماماً ومتابعة دائمة لإحداث التواصل المجتمعي، وأنه بالنظر إلى إمارة رأس الخيمة لوحدها فإنها تمتلك أكثر من 35 متحفاً شخصياً تقريباً، وتابع: «فكرة تأسيس متحف خاص، راودتني عند زيارتي للمتاحف وأنا طالب في المدرسة، وأتذكر أنه كان لدينا وقتها باب قديم، ففكرت كيف يمكنني استخدامه، فقمت ببناء عريش ووضعت له الباب، وانتشرت صور هذا العريش، بين مختلف الأهالي في رأس الخيمة، كنموذج تراثي يعبر عن مرحلة مهمة من تاريخ ارتباطنا بالمكان، وواصلت بعدها جمع القطع التراثية والسفر لاكتشاف كل ما يمكن أن يحفظ عناصر موروثنا المجتمعي والثقافي بدولة الإمارات». ويتحدث علي بن درويش، عن نحو 60 ألف قطعة تراثية، بمختلف التصنيفات في متحفه الخاص، فهناك مثلاً «المدافع» المستخدمة قديماً، والتي عادة ما تستوقف السياح متسائلين عن كيفية استخدامها وارتباطها بالأحداث التاريخية، ويؤكد ابن درويش على نقطة مهمة تتيحها المتاحف الخاصة وهي «الأريحية» والقرب بين الزوار وأصحاب المكان، وهنا تكمن قوة التواصل الذي يهديه المتحف الخاص، بأنك تفتح بيتك للعالم، وتطلعه على مكوناتك وهويتك وتاريخية انفتاحك لمختلف الثقافات والحضارات العالمية.

مشاركة :