دفع شح الموارد المائية لري المزارع بالمغرب في ظل نقص كميات الأمطار للمنتجات السقوية وتسببها في خسائر كبيرة للقطاع والدولة، المسؤولين قبل الخبراء، إلى التحذير من أن الضرورة تقتضي اليوم التعجيل بإيجاد حلول عملية وأكثر مردودية لتطويق الآثار السلبية لشح المياه. الرباط - يراهن القطاع الزراعي بالمغرب، الذي يعاني هذا العام من تداعيات الظروف المناخية غير المواتية، على استخدام أكثر فعالية للموارد المائية مع ترشيد استعمال المياه الجوفية والموارد الإستراتيجية خلال الموسم القادم لضمان استدامة الزراعات المسقية. وفي ظل الإجهاد المائي الهيكلي وسوء إدارة الموارد من المياه، يقول العاملون في القطاع إن السبيل الوحيد المتاح لتعويض الخسائر المسجلة هو إحداث قطيعة صريحة مع نموذج هدر الموارد المائية. ويقصدون هنا التخلي عن زراعة الفواكه والخضروات التي تستهلك المياه بشكل كبير وتنتج القليل من القيمة المضافة ولا تسهم في النمو الاقتصادي. نزار بركة: الاستهلاك المسؤول للمياه في كل القطاعات بات ضروريا ودق وزير التجهيز والماء، نزار بركة، ناقوس الخطر، بتأكيده على أن المياه أصبحت اليوم نادرة وكل قطرة منها مهمة للغاية، وبالتالي، أضحى الاستهلاك المسؤول والمعقلن في كل القطاعات المنتجة “عملا وطنيا ودليلا على التضامن الوطني”. وتشكل المياه الجوفية والموارد الإستراتيجية المورد الرئيسي للري في عدة مناطق بالبلاد والوحيد في بعض الجهات منها جهة فاس - مكناس. وتساهم تلك الموارد في الحفاظ على الأنشطة الزراعية وتوفير فرص عمل والتصدي للهجرة القروية، فضلا عن اعتبارها مزودا للسكان بالماء الصالح للشرب، لاسيما في القرى. ولم يعد الأمر يتعلق فقط بخسارة 14 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الزراعي خلال موسم 2021 /2022، بل أيضا بتراجع تهاطل الأمطار بنسبة 42 في المئة. وهذا الوضع قلص معدلات ملء السدود إلى نحو 30.2 في المئة فقط، بالإضافة إلى فقدان أكثر من 40 مليون ساعة عمل في المجال الزراعي. ويعاني قطاع الماء بالمغرب من الاستنزاف الكبير للموارد، إذ يصنف البلد ضمن عشرين دولة في العالم تتواجد في خانة الإجهاد. وتقدر حصة المغاربة اليوم من المياه بنحو 600 متر مكعب فقط للفرد، وهو أقل بكثير من 2600 متر مكعب في ستينات القرن الماضي. وفي ضوء ذلك فإن المغرب يعتبر في وضعية عجز بحسب الأمم المتحدة، فنحو 85 في المئة من المياه الصالحة للشرب تستخدم في الزراعة. ونتيجة لذلك، أكد الخبير الاقتصادي والمتخصص في السياسات العمومية، عبدالغني يومني، أنه سيكون من الضروري الابتكار في الإنتاج الزراعي عبر التخلي عن زراعات الفاكهة والخضروات التي تستهلك المياه بشكل كبير وتنتج القليل من القيمة المضافة. زراعات تستهلك المياه بشكل كبير دون أن تساهم في النمو الاقتصادي زراعات تستهلك المياه بشكل كبير دون أن تساهم في النمو الاقتصادي وقال في تصريحات لـ”العرب” إن “الأمر لا يتعلق بالفواكه الحمراء مثل الطماطم أو البطيخ الأحمر قياسا بما تستهلكه التمور، إنها مسألة موازنة كون المغرب لديه الكفاءات والأدوات اللازمة لتسقيف المساحات وتكييف الأراضي مع الزراعات وليس العكس”. وأكدت وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، مواصلة مجهوداتها لترشيد استعمال الموارد المائية لتحسين الخدمات وضمان استدامة البنية التحتية للري. وتقوم الوزارة بتطوير وإعادة تأهيل شبكات الري ودعم الشراكة بين القطاعين العام والخاص، في إطار إستراتيجية “الجيل الأخضر 2020 / 2030″، والبرنامج الوطني للتزود بالماء الصالح للشرب وبماء السقي والممتد بين 2020 و2027. ومنذ اعتماد مخطط المغرب الأخضر، دخلت الزراعة السقوية حقبة جديدة من ترشيد مياه الري من خلال سياسة تشجيع تعميم التقنيات وأنظمة الري المقتصدة للمياه. عبدالغني يومني: قلة الموارد تدفعنا إلى نقطة الابتكار في الإنتاج الزراعي وتهدف إستراتيجية الجيل الأخضر إلى بلوغ مليون هكتار من الري بالتنقيط بحلول عام 2030، من أجل رفع إجمالي المساحة المسقية إلى 1.6 مليون هكتار. وحسب إحصائيات رسمية فإن المغرب يوفر 22 مليار متر مكعب سنويا من الماء، لكن 88 في المئة منها تستخدم في الري، فيما تذهب 12 في المئة فقط إلى باقي القطاعات الإنتاجية والتزود بالماء. ويؤكد كل من المستشار البرلماني خالد السطي والمستشارة البرلمانية لبنى العلوي، عن نقابة الاتحاد الوطني للشغل أن المغرب يصدر منتجات زراعية تستنزف الثروة المائية. ودعيا وزارة الزراعة إلى انتهاج سياسة مندمجة بين قطاعات الماء والبيئة والزراعة لضمان تدبير القطاع بما يضمن تحقيق التنمية المستدامة. ولهذا أكد المجلس الأعلى للحسابات الحكومي في آخر تقرير له على ضرورة التخطيط لتجاوز القصور الحاصل. وشدد على أنه لكي تستفيد الزراعات السقوية بشكل مهم لابد من التسريع في إنجاز كافة المشاريع التي تتعلق بربط الأحواض المائية، معتبرا أن توحل السدود مشكلة كبيرة تؤدي إلى تناقص السعة التخزينية بواقع 75 مليون متر مكعب. واتخذت وزارة الفلاحة مجموعة من التدابير الهادفة إلى تحسين التصرف في الموارد المائية عبر مواصلة برامج الري والتهيئة الزراعية وكذلك تعبئة الموارد المائية غير التقليدية. محمد صديقي: سنزيد الإنتاج وندعم استدامة وتنافسية الزراعة المسقية كما تعمل على تشجيع استخدام الطاقات المتجددة في القطاع وتشجيع تحول المزارعين إلى استعمالها ومواصلة برامج غرس الأشجار بما في ذلك الأصناف الأكثر ملاءمة للمناطق القاحلة وتنمية الزراعة البيولوجية وتعزيز ونشر التقنيات المحافظة على التربة. وأشار وزير الفلاحة محمد صديقي عزم وزارته على مضاعفة جهودها للرفع من الإنتاجية ودعم استدامة وتنافسية الزراعة المسقية. وركز الوزير على الزراعات المقتصدة لمياه السقي من خلال برنامج حكومي يهدف إلى الرفع من المساحات الإجمالية المجهزة بهذه الأنظمة إلى أكثر من 940 ألف هكتار بنهاية العقد الجاري. وبحسب اليومني فإن السبيل الوحيد المتاح هو إحداث قطيعة مع نموذج هدر الموارد المائية، وهي ليست مسؤولية الدولة فحسب، بل كذلك القطاع الزراعي في كل أبعاده. وقال إنه “ينبغي التفكير في تطوير زراعة حضرية كسياسة عمومية تهدف إلى التكامل بين المناطق الحضرية والقروية، وإيجاد فرص عمل، وتحقيق إنتاج زراعي من الخضروات جد مفيد للاقتصاد وزيادة الوعي بالبيئة والتنمية المستدامة”. انشرWhatsAppTwitterFacebook
مشاركة :