هذا سؤال مشروع تماما... وقد تكون فيه بعض الفذلكة التى لا تهم القارئ العادى، ولكن لا بأس بين الحين والآخر من إثارة مثل هذه القضايا النظرية التى تشحذ الذهن. فنظرية صراع الحضارات التى قدمها عالم السياسة الأمريكى الكبير صموئيل هنتينجتون فى التسعينيات من القرن الماضى، قسم فيها هنتينجتون عالم ما بعد الحرب الباردة إلى الحضارات: الصينية، واليابانية، والهندية، والإسلامية والغربية والأرثوذكسية، والإفريقية، ثم الأمريكية اللاتينية. فهل تفسر نظرية صراع الحضارات تلك الحرب...؟ قد تسهم تلك النظرية مثلا فى تفسير حرب بين الهند وباكستان...؟ أو بين أوروبا وروسيا.؟ أو بين ثوار أفغانستان والولايات المتحدة، مثلما كان يمكن أن تسهم فى تفسير الحروب الاستعمارية فى إفريقيا، حروب الرجل الأبيض ضد السود! أو قد تسهم فى تفسير الصراعات ضد الأقليات المسلمة فى بورما او فى الصين... إلخ. ولكن هذا الأمر لا ينطبق – للوهلة الأولى -على الحرب الأوكرانية الروسية، فكلاهما ينتمى لنفس الحضارة (الأرثوذكسية) وفقا لـ تصنيف هنتينجتون! ولكنه استطرد مع ذلك فى كتابه إلى إمكانية أن تنقسم أوكرانيا بين السلاف الأوروبيين فى غربها، والسلاف الروس فى شرقها. وهذا طبعا انقسام حضارى وثقافى! غير اننى أتصور أيضا أن فرضية الصراع الحضارى التى طرحها هنتينجتون قد تفسر لنا بشكل أوضح الحماس والاندفاع الغربى المحموم إلى مساعدة أوكرانيا بكميات هائلة من الأسلحة المتقدمة، والتى ظهرت تأثيراتها على ارض المعارك. إن أحد الأسئلة المنطقية والبسيطة التى يمكن ان تطرأ على ذهن أى مراقب للحرب فى أوكرانيا.... لماذا لم تحاول دول أوروبا الغربية أو الولايات المتحدة، القيام بأى وساطة جادة بين الطرفين ..؟ أليس هذا الافتراض ممكن نظريا..؟ ولكن على العكس تماما، بدا وكأن الانزلاق الروسى إلى الحرب مع أوكرانيا قدم فرصة ذهبية للغرب كى يسعى لإرهاق روسيا إلى اقصى حد، أو حتى إذلالها، فى صراع واضح للحضارة الغربية مع الحضارة الروسية الأرثوذكسية!
مشاركة :