ردود الفـعــل الغــربـيــة إزاء وفاة الملكة إليزابيث الثانية ومستقبل الملكية البريطانية

  • 9/13/2022
  • 01:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

اعتُبر‭ ‬نبأ‭ ‬إعلان‭ ‬وفاة‭ ‬صاحبة‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬إليزابيث‭ ‬الثانية،‭ ‬ملكة‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬لبريطانيا‭ ‬العظمى‭ ‬وأيرلندا‭ ‬الشمالية،‭ ‬عن‭ ‬عمر‭ ‬يناهز‭ ‬96‭ ‬عامًا،‭ ‬أنه‭ ‬يمثل‭ ‬مرحلة‭ ‬تغيير‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬التاريخ‭ ‬البريطاني‭. ‬فقد‭ ‬أشارت‭ ‬ريبيكا‭ ‬ميد،‭ ‬من‭ ‬مجلة‭ ‬نيويوركر،‭ ‬إلى‭ ‬نهاية‭ ‬‮«‬المسار‭ ‬الطويل‭ ‬للعصر‭ ‬الإليزابيثي‭ ‬الثاني‮»‬،‭ ‬بينما‭ ‬سجلت‭ ‬صحيفة‭ ‬الغارديان‭ ‬‮«‬بداية‭ ‬فصل‭ ‬جديد‭ ‬وغير‭ ‬مكتوب‭ ‬للنظام‭ ‬الملكي‭ ‬البريطاني‭ ‬والبلد‭ ‬نفسه‮»‬،‭ ‬وتعني‭ ‬وفاة‭ ‬الملكة‭ ‬أن‭ ‬يخلفها‭ ‬الآن‭ ‬ابنها‭ ‬كملك‭ ‬تشارلز‭ ‬الثالث‭.‬ وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تقدمها‭ ‬في‭ ‬السن‭ ‬أدى‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬مفاجئ‭ ‬إلى‭ ‬تدهور‭ ‬صحتها‭ ‬بشكل‭ ‬متزايد‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬فقد‭ ‬ذكرت‭ ‬كريستينا‭ ‬لو،‭ ‬من‭ ‬مجلة‭ ‬فورين‭ ‬بوليسي‭: ‬أن‭ ‬إعلان‭ ‬قصر‭ ‬باكنغهام‭ ‬عن‭ ‬وفاة‭ ‬الملكة‭ ‬إليزابيث‭ ‬بعد‭ ‬ظهر‭ ‬يوم‭ ‬8‭ ‬سبتمبر‭ ‬2022‭ ‬‮«‬أثار‭ ‬موجة‭ ‬من‭ ‬الحزن‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‮»‬‭. ‬إن‭ ‬قوة‭ ‬رد‭ ‬الفعل‭ ‬العالمي‭ ‬الموحد،‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يحظ‭ ‬به‭ ‬أي‭ ‬زعيم‭ ‬عالمي‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬ليس‭ ‬مفاجئًا‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬مكانة‭ ‬الملكة‭ ‬العريقة‭ ‬كممثلة‭ ‬لبريطانيا‭ ‬العظمى‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬العالم،‭ ‬جنبًا‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭ ‬مع‭ ‬سجلها‭ ‬في‭ ‬الكرامة‭ ‬واللياقة‭ ‬كملكة‭ ‬دستورية،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬حقيقة‭ ‬أنه‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬مليارات‭ ‬الأشخاص‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬كانت‭ ‬هي‭ ‬الملكة‭ ‬البريطانية‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬عرفوها‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭.‬ ووسط‭ ‬احتفاء‭ ‬واسع‭ ‬النطاق‭ ‬بطابعها‭ ‬الشخصي‭ ‬وتفانيها‭ ‬في‭ ‬أداء‭ ‬واجبات‭ ‬ملكة‭ ‬بريطانيا،‭ ‬أشار‭ ‬المراقبون‭ ‬إلى‭ ‬كيف‭ ‬واصلت‭ ‬الملكة،‭ ‬الموجود‭ ‬جثمانها‭ ‬بقلعة‭ ‬بالمورال‭ ‬في‭ ‬اسكتلندا،‭ ‬مسؤولياتها‭ ‬الملكية‭ ‬لأطول‭ ‬فترة‭ ‬ممكنة،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬آخر‭ ‬التزام‭ ‬علني‭ ‬للملكة‭ ‬هو‭ ‬دعوتها‭ ‬رئيسة‭ ‬الوزراء‭ ‬الجديدة‭ ‬ليز‭ ‬تراس‭ ‬لتشكيل‭ ‬حكومة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬السادس‭ ‬من‭ ‬سبتمبر،‭ ‬وتم‭ ‬إلغاء‭ ‬الاجتماع‭ ‬المقرر‭ ‬مع‭ ‬مجلس‭ ‬الملكة‭ ‬الخاص‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬مقررًا‭ ‬عقده‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬التالي؛‭ ‬فقط‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬نصيحة‭ ‬أطبائها‭.‬ تماشيا‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الالتزام،‭ ‬أشار‭ ‬محللون‭ ‬إلى‭ ‬تأثيرها‭ ‬المتزن‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إنكاره‭ ‬خلال‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬70‭ ‬عامًا‭ ‬من‭ ‬التغييرات‭ ‬المجتمعية،‭ ‬وأوضح‭ ‬آلان‭ ‬كويل‭ ‬من‭ ‬صحيفة‭ ‬نيويورك‭ ‬تايمز‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬عهد‭ ‬إليزابيث‭ ‬الثانية‭ ‬كان‭ ‬‮«‬وقتًا‭ ‬يموج‭ ‬بالاضطرابات‭ ‬الهائلة‮»‬،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬ولكن‭ ‬‮«‬أسلوبها‭ ‬اللطيف‭ ‬والمنضبط‭ ‬لم‭ ‬يتغير‭ ‬كثيرًا‮»‬‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭. ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬الأثناء،‭ ‬كتب‭ ‬الصحفي‭ ‬المخضرم‭ ‬روبن‭ ‬أوكلي،‭ ‬من‭ ‬مجلة‭ ‬فورين‭ ‬بوليسي،‭ ‬كيف‭ ‬‮«‬يمكن‭ ‬تذكر‭ ‬الملكة‭ ‬بشكل‭ ‬أفضل‭ ‬كقائدة‭ ‬قدمت‭ ‬نموذجًا‭ ‬للثبات‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬سريع‭ ‬التغير‮»‬،‭ ‬وقد‭ ‬أضاف‭ ‬المؤلف‭ ‬أوين‭ ‬ماثيوز،‭ ‬من‭ ‬مجلة‭ ‬فورين‭ ‬بوليسي،‭ ‬أنه‭ ‬أثناء‭ ‬فترة‭ ‬حكمها‭ ‬‮«‬تغير‭ ‬العالم‭ ‬بشكل‭ ‬لا‭ ‬يُمكن‭ ‬التعرف‭ ‬عليه‮»‬،‭ ‬فيما‭ ‬ظلت‭ ‬الملكة‭ ‬إليزابيث‭ ‬‮«‬ثابتة‭ ‬واثقة؛‭ ‬تمثل‭ ‬رمزًا‭ ‬لماض‭ ‬قومي‭ ‬متلاش‭ ‬لن‭ ‬يعود‭ ‬ومستمرة‭ ‬وسط‭ ‬عالم‭ ‬متغير‮»‬‭.‬ وتعد‭ ‬الملكة‭ ‬البريطانية‭ ‬إليزابيث‭ ‬الثانية‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬احتفلت‭ ‬بمناسبة‭ ‬مرور‭ ‬70‭ ‬عامًا‭ ‬على‭ ‬جلوسها‭ ‬على‭ ‬العرش،‭ ‬فقد‭ ‬وُلدت‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬عام‭ ‬1926،‭ ‬وأشار‭ ‬أوكلي‭ ‬إلى‭ ‬أنها‭ ‬‮«‬كبرت‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬يدور‭ ‬بخلدها‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬ملكة‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‮»‬‭. ‬ومنح‭ ‬تنازل‭ ‬عمها‭ ‬الملك‭ ‬إدوارد‭ ‬الثامن‭ ‬عام‭ ‬1936‭ ‬لوالدها،‭ ‬الملك‭ ‬جورج‭ ‬السادس،‭ ‬الفرصة‭ ‬بأن‭ ‬يصبح‭ ‬العاهل‭ ‬البريطاني‭ ‬ودفعها‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬متوقع‭ ‬لتصبح‭ ‬وريثة‭ ‬العرش‭. ‬وحللت‭ ‬ريبيكا‭ ‬ميد،‭ ‬بشأن‭ ‬الملكة‭ ‬التي‭ ‬توجت‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬الخامسة‭ ‬والعشرين،‭ ‬أن‭ ‬‮«‬مشهد‭ ‬صاحبة‭ ‬السيادة‭ ‬الشابة‮»‬‭ ‬المنخرطة‭ ‬في‭ ‬‮«‬عقود‭ ‬من‭ ‬الخدمة‮»‬‭ ‬ساعدت‭ ‬في‭ ‬بث‭ ‬‮«‬إلهام‭ ‬ما‭ ‬يغلب‭ ‬عليه‭ ‬الاحترام‭ ‬الشخصي‭ ‬الدائم‭ ‬والمودة‭ ‬تجاهها‭ ‬بين‭ ‬عامة‭ ‬الناس‮»‬‭. ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الفضائح‭ ‬العامة‭ ‬التي‭ ‬تؤثر‭ ‬على‭ ‬دعم‭ ‬مؤسسة‭ ‬العائلة‭ ‬المالكة،‭ ‬أشار‭ ‬كويل‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الملكة‭ ‬‮«‬لم‭ ‬تتلطخ‭ ‬أبدًا‭ ‬سيرتها‭ ‬حتى‭ ‬بتلميح‭ ‬بعيد‭ ‬بعلاقتها‭ ‬بفضيحة‮»‬،‭ ‬وأنها‭ ‬حظيت‭ ‬‮«‬بإعجاب‭ ‬مؤيدي‭ ‬ومناهضي‭ ‬الملكية‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء؛‭ ‬بسبب‭ ‬تفانيها‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يتزعزع‭ ‬في‭ ‬أداء‭ ‬الواجب‮»‬،‭ ‬و«رفضها‭ ‬الانصياع‭ ‬لتوقعات‭ ‬النقاد‭ ‬الخيالية‮»‬‭.‬ وعلى‭ ‬صعيد‭ ‬السياسة،‭ ‬أشاد‭ ‬ماثيوز‭ ‬بمحافظة‭ ‬إليزابيث‭ ‬على‭ ‬‮«‬الحياد‭ ‬الدقيق‭ ‬بشأن‭ ‬القضايا‭ ‬السياسية‮»‬‭ ‬خلال‭ ‬النظام‭ ‬الملكي‭ ‬الدستوري‭ ‬البريطاني،‭ ‬وأن‭ ‬آراءها‭ ‬الشخصية‭ ‬بشأن‭ ‬التغييرات‭ ‬التي‭ ‬حدثت‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬حكمها‭ ‬ظلت‭ ‬أمرًا‭ ‬‮«‬خاصًّا‭ ‬بشدة‮»‬‭. ‬وأشار‭ ‬كويل‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬لقاء‭ ‬الملكة‭ ‬الأسبوعي‭ ‬مع‭ ‬رؤساء‭ ‬الوزراء‭ ‬‮«‬وفر‭ ‬لها‭ ‬نظرة‭ ‬ثاقبة‭ ‬على‭ ‬أعمال‭ ‬الأمة،‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬يُنظر‭ ‬إلى‭ ‬استضافتها‭ ‬التجمعات‭ ‬الدولية‭ ‬وقادة‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬تعزيز‭ ‬لقدر‭ ‬البريطانيين‮»‬‭. ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الاحترام‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تحتفظ‭ ‬به‭ ‬الملكة،‭ ‬فقد‭ ‬حكم‭ ‬مارك‭ ‬لاندلر،‭ ‬من‭ ‬صحيفة‭ ‬نيويورك‭ ‬تايمز،‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬شخصية‭ ‬بريطانية‭ ‬مماثلة‭ ‬ستثير‭ ‬الحزن‭ ‬بشدة‮»‬،‭ ‬إلا‭ ‬مع‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬ونستون‭ ‬تشرشل‭ ‬فقط‭ ‬باعتباره‭ ‬الشخص‭ ‬الذي‭ ‬‮«‬قد‭ ‬يكون‭ ‬الأقرب‭ ‬لكسب‭ ‬مشاعر‭ ‬البريطانيين‮»‬‭. ‬وبالفعل،‭ ‬أطلق‭ ‬إعلان‭ ‬قصر‭ ‬باكنغهام‭ ‬بداية‭ ‬‮«‬انهيار‭ ‬جسر‭ ‬لندن‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الظروف‭ ‬المخطط‭ ‬لها‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭ ‬للأيام‭ ‬المقبلة‭ ‬والتي‭ ‬تعني‭ ‬رحيل‭ ‬الملكة،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬عشرة‭ ‬أيام‭ ‬حداد‭ ‬وطني،‭ ‬وعقد‭ ‬جنازة‭ ‬رسمية،‭ ‬وتقييد‭ ‬الإعلانات‭ ‬والتصريحات‭ ‬من‭ ‬قِبَل‭ ‬أعضاء‭ ‬الحكومة‭ ‬البريطانية‭.‬ وعلى‭ ‬الصعيد‭ ‬الدولي،‭ ‬أدى‭ ‬حضور‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬ملوك‭ ‬الدول‭ ‬لزيارات‭ ‬المملكة‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬حكمها،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬الترحيب‭ ‬بالكثير‭ ‬من‭ ‬المسؤولين‭ ‬رفيعي‭ ‬المستوى‭ ‬بقصر‭ ‬باكنجهام،‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬علاقات‭ ‬لندن‭ ‬مع‭ ‬بقية‭ ‬العالم‭ ‬بشكل‭ ‬لا‭ ‬بأس‭ ‬به؛‭ ‬فقد‭ ‬قامت‭ ‬الملكة‭ ‬إليزابيث‭ ‬الثانية‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬حكمها‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬260‭ ‬زيارة‭ ‬رسمية‭ ‬إلى‭ ‬117‭ ‬دولة‭. ‬كما‭ ‬أوضح‭ ‬مارشال‭ ‬بأسلوب‭ ‬دبلوماسي‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬الاحترام‭ ‬والحوار،‭ ‬أن‭ ‬وفاتها‭ ‬قد‭ ‬‮«‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬نهاية‭ ‬نهج‭ ‬سياسة‭ ‬عالمية‮»‬‭ ‬لطالما‭ ‬تميزت‭ ‬بـ«فكرة‭ ‬كون‭ ‬العالم‭ ‬أشبه‭ ‬بأسرة‭ ‬دولية‭ ‬أو‭ ‬مجتمع‭ ‬تحكمه‭ ‬العلاقات‭ ‬العائلية‭ ‬فحسب‮»‬،‭ ‬مؤكدًا‭ ‬أن‭ ‬الملكة‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬دورها‭ ‬يتخطى‭ ‬مسألة‭ ‬‮«‬تعزيز‭ ‬التدفقات‭ ‬التجارية‭ ‬ومبيعات‭ ‬الأسلحة،‭ ‬وأن‭ ‬مكانة‭ ‬بريطانيا‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬تتعلق‭ ‬أكثر‭ ‬بتوطيد‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الشعوب،‭ ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬بين‭ ‬النخب‭ ‬والشركات‭ ‬وحكومات‭ ‬الدول،‭ ‬أو‭ ‬الملوك‭ ‬والأمراء‮»‬‭.‬ يتضح‭ ‬مدى‭ ‬الشهرة‭ ‬العالمية‭ ‬للملكة‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬التصريحات‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬قادة‭ ‬العالم‭ ‬ردًّا‭ ‬على‭ ‬وفاتها؛‭ ‬حيث‭ ‬أشاد‭ ‬بها‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬‮«‬جو‭ ‬بايدن‮»‬‭ ‬باعتبارها‭ ‬‮«‬سيدة‭ ‬دولة‭ ‬كانت‭ ‬تتمتع‭ ‬بكرامة‭ ‬وثبات‭ ‬ورباطة‭ ‬جأش‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬يرى‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬‮«‬إيمانويل‭ ‬ماكرون‮»‬‭ ‬أن‭ ‬لها‭ ‬‮«‬مكانة‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬قلوب‭ ‬الشعب‭ ‬الفرنسي‭ ‬بأكمله‮»‬‭. ‬وأعربت‭ ‬البلدان‭ ‬الواقعة‭ ‬خارج‭ ‬حدود‭ ‬دول‭ ‬الكومنولث‭ ‬وأقرب‭ ‬الحلفاء‭ ‬للمملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬عبر‭ ‬مواقفها‭ ‬العامة‭ ‬عن‭ ‬أسمى‭ ‬آيات‭ ‬الاحترام‭ ‬والتقدير‭. ‬كما‭ ‬أعلن‭ ‬الرئيس‭ ‬البرازيلي‭ ‬جايير‭ ‬بولسونارو‭ ‬الحداد‭ ‬الوطني‭ ‬مدة‭ ‬ثلاثة‭ ‬أيام‭ ‬على‭ ‬وفاتها‭. ‬وعلاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬أرسل‭ ‬المنافسون‭ ‬العالميون‭ ‬لبريطانيا‭ ‬رسائل‭ ‬تعزية‭ ‬حارة،‭ ‬لدرجة‭ ‬إشادة‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬بالملكة‭ ‬ووصفه‭ ‬إياها‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬قوة‭ ‬نافذة‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية‮»‬،‭ ‬ووصف‭ ‬الرئيس‭ ‬الصيني‭ ‬‮«‬شي‭ ‬جين‭ ‬بينغ‮»‬‭ ‬وفاتها‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬خسارة‭ ‬كبرى‭ ‬للشعب‭ ‬البريطاني‮»‬،‭ ‬وتعكس‭ ‬تلك‭ ‬الرسائل‭ ‬ردود‭ ‬فعل‭ ‬إيجابية‭ ‬حيال‭ ‬مكانة‭ ‬الملكة‭ ‬إليزابيث‭ ‬كشخصية‭ ‬دولية‭ ‬رفيعة‭ ‬المستوى‭ ‬لم‭ ‬تتأثر‭ ‬مكانتها‭ ‬بالمنافسات‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬التقليدية،‭ ‬وتمثل‭ ‬تلك‭ ‬الرسائل‭ ‬رؤية‭ ‬مثالية‭ ‬لكم‭ ‬من‭ ‬الاحترام‭ ‬الدولي‭ ‬والتبجيلات‭ ‬الرفيعة‭.‬ وأثارت‭ ‬وفاة‭ ‬أطول‭ ‬ملوك‭ ‬بريطانيا‭ ‬حكمًا‭ ‬تساؤلات‭ ‬حول‭ ‬الوضع‭ ‬المستقبلي‭ ‬للنظام‭ ‬الملكي‭ ‬البريطاني‭ ‬بأكمله،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الملك‭ ‬تشارلز‭ ‬الثالث‭ ‬الذي‭ ‬يبلغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬73‭ ‬عامًا،‭ ‬ظل‭ ‬يحمل‭ ‬رقمًا‭ ‬قياسيًّا‭ ‬لأطول‭ ‬فترة‭ ‬بصفته‭ ‬وريثًا‭ ‬للعرش،‭ ‬وبات‭ ‬واضحًا‭ ‬أن‭ ‬انتقاله‭ ‬إلى‭ ‬تولي‭ ‬مهام‭ ‬ملكية‭ ‬رسمية‭ ‬رفيعة‭ ‬المستوى‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬مكنه‭ ‬من‭ ‬البدء‭ ‬بتمثيل‭ ‬والدته‭ ‬في‭ ‬مناسبات‭ ‬عديدة،‭ ‬مثل‭ ‬الافتتاح‭ ‬الرسمي‭ ‬للبرلمان‭ ‬البريطاني‭ ‬في‭ ‬مايو‭ ‬الماضي‭.‬ وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تشارلز‭ ‬الثالث‭ ‬سيتولى‭ ‬المهام‭ ‬الاحتفالية‭ ‬كملك‭ ‬متوج‭ ‬ومن‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬يحافظ‭ ‬على‭ ‬مواقف‭ ‬والدته‭ ‬الحيادية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الواجبات‭ ‬الرسمية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬المعلقين‭ ‬لاحظوا‭ ‬بعض‭ ‬الاختلافات‭ ‬الرئيسية‭ ‬في‭ ‬شخصيتهما‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬الحكومات‭ ‬السابقة‭ ‬والراهنة؛‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬الملكة‭ ‬إليزابيث‭ ‬ترفض‭ ‬التحدث‭ ‬في‭ ‬الأمور‭ ‬السياسية‭ ‬بأي‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬الأشكال،‭ ‬لكن‭ ‬تشارلز‭ -‬وفقا‭ ‬لأوكلي‭ - ‬‮«‬لم‭ ‬يُخفِ‭ ‬آراءه‭ ‬السياسية‭ ‬القوية‭ ‬بشأن‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬القضايا‮»‬،‭ ‬وكان‭ ‬معروفًا‭ ‬بمراسلاته‭ ‬ومذكراته‭ ‬التي‭ ‬يبعثها‭ ‬إلى‭ ‬وزراء‭ ‬الحكومة‭ ‬‮«‬ذوي‭ ‬الحقائب‭ ‬والمناصب‭ ‬الحساسة‮»‬‭. ‬كما‭ ‬أشار‭ ‬لاندلر‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تشارلز‭ ‬الثالث‭ ‬‮«‬أوضح‭ ‬أنه‭ ‬يريد‭ ‬تغيير‭ ‬طبيعة‭ ‬الآراء‭ ‬المعتادة‭ ‬حيال‭ ‬العائلة‭ ‬المالكة‮»‬،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬تقليص‭ ‬تلك‭ ‬الآراء‭ ‬وصورتها‭ ‬العامة‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع‭ ‬ووجهات‭ ‬نظره‭ ‬تجاه‭ ‬العائلة‭ ‬المالكة‭ ‬والحد‭ ‬من‭ ‬التصورات‭ ‬الخاطئة‭ ‬المفرطة‭ ‬حيالها‭. ‬وتحظى‭ ‬هذه‭ ‬الرغبة‭ ‬بدعم‭ ‬الملك‭ ‬الجديد،‭ ‬حيث‭ ‬قال‭ ‬سايمون‭ ‬جينكينز،‭ ‬من‭ ‬صحيفة‭ ‬الجارديان،‭ ‬إن‭ ‬الملك‭ ‬الجديد‭ ‬سيكون‭ ‬‮«‬واعيًا‭ ‬جيدًا‭ ‬بإنهاء‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الهراء‭ ‬الذي‭ ‬نشأ‭ ‬حول‭ ‬مفهوم‭ ‬العائلة‭ ‬المالكة‭ ‬إبان‭ ‬والدته‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬‮«‬يرى‭ ‬أن‭ ‬الأسرة‭ ‬المالكة‭ ‬لا‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬الاستمتاع‭ - ‬أو‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬تحمل‭ - ‬شهرة‭ ‬وأسلوب‭ ‬حياة‭ ‬مغاير‭ ‬عما‭ ‬تتبناه‭ ‬معظم‭ ‬العائلات‭ ‬المالكة‭ ‬الأخرى‭ ‬بالدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬باختلافها‮»‬‭.‬ وفيما‭ ‬يتعلق‭ ‬باستمرار‭ ‬الإرث‭ ‬طويل‭ ‬الأجل‭ ‬والوضع‭ ‬المستقبلي‭ ‬للنظام‭ ‬الملكي‭ ‬في‭ ‬المستقبل،‭ ‬أشارت‭ ‬ميد‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬عهد‭ ‬إليزابيث‭ ‬تضمّن‭ ‬‮«‬تحقيق‭ ‬توازن‭ ‬بين‭ ‬حالة‭ ‬الشعبية‭ ‬والشهرة‭ ‬الطاغية‭ ‬للعائلة‭ ‬المالكة‭ ‬وبين‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بهالة‭ ‬من‭ ‬الغموض‭ ‬والخصوصية‭ ‬في‭ ‬آن‭ ‬واحد‮»‬،‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الملك‭ ‬‮«‬مألوفًا‭ ‬للغاية‭ ‬لدى‭ ‬الكثيرين،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬غموضًا‭ ‬أو‭ ‬خصوصية‭ ‬بشأن‭ ‬نواح‭ ‬كثيرة‭ ‬بحياته‮»‬،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬سيتعين‭ ‬على‭ ‬تشارلز‭ ‬الثالث،‭ ‬بصفته‭ ‬الملك‭ ‬الجديد،‭ ‬وفقًا‭ ‬لما‭ ‬ذكر‭ ‬أوكلي،‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬‮«‬إقناع‭ ‬جماهيره‭ ‬العريضة‭ ‬المتشككة‭ ‬بشكل‭ ‬متزايد‭ ‬بأن‭ ‬النظام‭ ‬الملكي‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬جديرًا‭ ‬بالاهتمام‭ ‬وذي‭ ‬ثقل‮»‬،‭ ‬مشيرًا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬‮«‬العديد‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬والرعايا‭ ‬البريطانيين‭ ‬الذين‭ ‬يوقرون‭ ‬الملكة‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬ينقلوا‭ ‬هذه‭ ‬المودة‭ ‬وهذا‭ ‬التوقير‭ ‬إلى‭ ‬ابنها‮»‬‭.‬ في‭ ‬النهاية،‭ ‬تُنهي‭ ‬وفاة‭ ‬الملكة‭ ‬إليزابيث‭ ‬الثانية‭ ‬حالة‭ ‬وفاء‭ ‬عشقها‭ ‬المجتمع‭ ‬البريطاني‭ ‬والعالم‭ ‬أجمع‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1952،‭ ‬ورغم‭ ‬التدفق‭ ‬المستمر‭ ‬للتغييرات‭ ‬سريعة‭ ‬الوتيرة‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬والسياسة‭ ‬والاقتصاد،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬السلوكيات‭ ‬المتحفظة‭ ‬للملكة‭ ‬كانت‭ ‬سمة‭ ‬ثابتة‭ ‬بارزة‭ ‬بكل‭ ‬معنى‭ ‬الكلمة،‭ ‬كما‭ ‬ذكر‭ ‬المعلقون‭ ‬الغربيون‭ ‬أن‭ ‬وفاتها‭ ‬الآن‭ ‬يعزز‭ ‬الشعور‭ ‬بحالة‭ ‬عدم‭ ‬اليقين‭ ‬الراهنة‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬ففي‭ ‬حين‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬يحافظ‭ ‬تشارلز‭ ‬الثالث‭ ‬الجديد‭ ‬على‭ ‬احترام‭ ‬مواقف‭ ‬والدته‭ ‬ومهامها‭ ‬الاحتفالية،‭ ‬فإن‭ ‬جيلًا‭ ‬أصغر‭ ‬من‭ ‬أفراد‭ ‬العائلة‭ ‬المالكة،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬الأمير‭ ‬ويليام،‭  ‬بصدد‭ ‬إحداث‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬التغيير‭ ‬في‭ ‬واجباته‭ ‬وتصوراته‭ ‬الملكية‭ ‬أيضًا‭.‬

مشاركة :