تعرف أسواق الكتب المدرسية المستعملة بالمدن المغربية نشاطا ملحوظا في هذه الفترة، تزامن مع بداية الدخول المدرسي، ما يعكس الإقبال المتزايد عليها من قبل أسر اكتوت بغلاء كلفة اللوازم الجديدة للدراسة، فأصبحت تبحث عن أسعار تتماشى مع مداخيلها وقدرتها الشرائية المحدودة. وقد يزيد من تفاقم الوضع أن يكون رب الأسرة مضطرا إلى توفير الكتب لثلاثة أو أربعة أبناء. في ظرفية يطبعها ارتفاع حاد في تكاليف التمدرس بجميع مستوياته، وهو ما سيزيد من عناء الطبقات متوسطة ومحدودة الدخل التي تضررت قدرتها الشرائية كثيرا بفعل غلاء الأسعار وارتفاع تكاليف المعيشة، تلجأ الكثير من الأسر المغربية إلى الكتب المستعملة لتدبير حاجيات أبنائها من أجل تقليل المصاريف الدراسية الباهظة. وقد رصدت “العرب” رواجا متزايدا على أسواق الكتب المدرسية المستعملة بمدينتي فاس وصفرو والمدن الصغيرة القريبة منها، خاصة “سوق الليدو” بوسط المدينة. ويحمّل أولياء التلاميذ، ممن التقتهم “العرب”، والذين اشتكوا من غلاء أسعار الكتب واللوازم المدرسية، الحكومة المسؤولية الكاملة عن حماية القدرة الشرائية للمواطنين، وعبّر رشيد، وهو موظف في بلدية فاس وأب لثلاثة أطفال يدرسون في مستويات الرابعة والسادسة ابتدائي والثانية ثانوي، لـ”العرب”، عن تذمره من ارتفاع أسعار اللوازم المدرسية مقارنة بالسنة الماضية، مشيرا إلى أنه لم يستطع إتمام قائمة المستلزمات من الكتب واللوازم المدرسية لأبنائه، لهذا لجأ إلى سوق الكتب المستعملة لاستكمال ما بقي من الكتب. كما اعتبرت فاطمة، التي تشتغل نادلة بأحد مقاهي مدينة صفرو، أن الأسعار ارتفعت هذه السنة بشكل قياسي، وقالت إن البسطاء أمثالها يدفعون فاتورة غالية مع بداية كل دخول مدرسي، ويتحملون أعباء المصاريف في ظل مدخول يومي يؤمن الحد الأدنى للعيش الكريم. الأسر المغربية مطالبة بدفع أكثر من 50 في المئة من إجمالي دخلها الشهري لتغطية اللوازم المدرسية الأساسية لكل طفل وأضافت أن لولا أسواق الكتب المستعملة لما استطاعت الالتزام بمقتنيات طفلة وولد يدرسان في مستوى الإعدادي. ورغم أن المواطنين يشتكون من غلاء لوازم الدخول المدرسي من كتب ودفاتر وغيرها، إلا أن الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى بايتاس ذكر أن الناشرين كانوا سيقرون زيادة في الكتب نظرا لارتفاع سعر الورق، إلا أن الحكومة تدخلت بتحمل فارق الزيادة الذي كانت ستؤديه الأسر المغربية، كاشفا أن “الحكومة خصصت من خلال صندوق المقاصة 105 ملايين درهم، لدعم الكتب المدرسية حتى لا تشهد أسعارها أي زيادة”، مشيرا إلى أنها ستراقب أسعار الكتب المدرسية في جميع نقاط البيع. وأكد أحمد الفيلالي الأنصاري، رئيس الجمعية المغربية للناشرين، أن أسعار الكتب المقررة والمصادق عليها من طرف الوزارة، والموجهة للتعليم العمومي لن تطرأ عليها أي زيادة، على الرغم من أن هناك ندرة للورق على الصعيد العالمي، مع صعوبة الحصول عليه نظرا لتأثير جائحة كورونا على النقل والشحن. وأكد خالد بويفري، متخصص في بيع الكتب المستعملة والمدرسية، بمدينة صفرو، أن الإقبال على شراء الكتب المدرسية المستعملة ملحوظ وفي جميع المدن المغربية في هذا التوقيت بالضبط، من طرف المواطنين بجميع الشرائح بيعا وشراء، لأن المواطنين يعانون هذه السنة من الغلاء، وهذا منطقي إذ إن مقررا للمستوى الدراسي الأول أو الثاني ابتدائي يبلغ سعره 1000 درهم (100 دولار)، فهناك كتب يبلغ سعرها 300 درهم، وهذا جد مكلف بالنسبة لرب أسرة له طفلان أو ثلاثة، والمدخول الشهري ضعيف، ولهذا يلجأ المواطنون إلى الكتب المستعملة التي قد تصل إلى نصف الكلفة. أسعار الكتب المقررة والمصادق عليها من طرف الوزارة، والموجهة للتعليم العمومي لن تطرأ عليها أي زيادة، على الرغم من أن هناك ندرة للورق على الصعيد العالمي وقال بويفري لـ”العرب” إن أكبر معضلة يعاني منها المواطن هي عندما يأتي إلينا ولا يجد بعض الكتب المقررة، وتحديدا المرتبطة بالمدارس الخصوصية، التي تقرر لأسباب تجارية محضة تغيير مثلا كتاب للرياضيات لم يمر على تجديده عام أو عامان دون تغيير شامل في المحتوى. ووفقا لخدمة المدفوعات الرقمية “ورد روميت”، سيتعين على الأسر المغربية دفع أكثر من 50 في المئة من إجمالي دخلها الشهري، لتغطية اللوازم المدرسية الأساسية لكل طفل، وذلك بحسب دراستها السنوية حول “تكلفة المدرسة” لهذا العام، وأكدت “ورد روميت” أن ارتفاع تكاليف المواد والمستلزمات الدراسية، خاصة الورق، سيؤدي لا محالة إلى إرهاق جيوب الأسر المغربية، مشيرة إلى أن متوسط الأسرة في البلاد 2.29 طفلا. وخلصت الدراسة إلى أن دخل الأسرة المغربية انخفض بنسبة 4 في المئة، في حين زادت تكاليف المعيشة، بما في ذلك تكاليف اللوازم المدرسية الأساسية، في غالبية البلدان التي تمت ملاحظتها في عامي 2021 و2022، ويعزو التقرير الزيادة الهائلة في تكلفة بعض اللوازم المدرسية الأساسية إلى “كيفية تأثير التضخم على تكاليف التعليم وتأثيره على الأسر في جميع أنحاء العالم”. وارتباطا بهروب الأسر إلى سوق الكتب المستعملة، يوضح بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، أن اللوازم المدرسية عرفت ارتفاعا كبيرا، خاصة أن أسعار الورق شهدت هي الأخرى ارتفاعا في السوق العالمي، مما انعكس على السوق الداخلي، وأثر سلبا على القدرة الشرائية للأسر المغربية، مشيرا إلى أن المغرب لم تعد له سيادة في هذا الميدان بعد بيع معمل السيلولوز المختص في عجين الورق، ملفتا إلى أن ارتفاع الأسعار الذي عرفته اللوازم المدرسية غير مبرر، فهي غير مقننة مثل الكتب المدرسية، وتبقى الأسعار حرة وخاضعة للمنافسة، لكن هذا لا يعني أن تتجاوز الأسعار السقف المعقول. وسجلت المندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة رسمية)، بأن نفقات التمدرس تضاعفت أكثر من ثلاث مرات بين سنتي 2001 و2019، منتقلة من 1.277 درهم في 2001 إلى 4.365 درهم في 2019، وأشارت في آخر تقرير لها والمعنون بـ”مختصرات التخطيط”، والذي نشر بداية شهر سبتمبر الجاري، إلى أن حجم تلك النفقات ضمن ميزانية الأسر، خلال الفترة ذاتها، انتقل من 1.6 إلى 4.8 في المئة على المستوى الوطني، ومن 0.7 إلى 2.2 في المئة بالوسط القروي، ومن 2 إلى 5.6 في المئة بالوسط الحضري. دخل الأسرة المغربية انخفض بنسبة 4 في المئة، في حين زادت تكاليف المعيشة، بما في ذلك تكاليف اللوازم المدرسية الأساسية وأكدت مونية، وهي مدربة في إحدى قاعات الرياضة بمدينة فاس، أنها تضطر إلى زيادة ساعات العمل كي توفر مستلزمات تدريس طفل في التاسعة من عمره، وابنة في الخامسة من العمر، ومع ذلك استعانت هذه السنة ببعض الكتب المستعملة لمواجهة الضغط المادي لهذه السنة الناتج عن الغلاء. ويرتبط لجوء الأسر إلى اقتناء الكتب المستعملة بمستوى قدرتها الشرائية التي لا تسمح لها باقتناء كتب جديدة، حسب عبدالعزيز بلقاضي الباحث في قضايا التربية والتعليم، خاصة عندما يكون رب الأسرة مضطرا إلى توفير الكتب لثلاثة أو أربعة أبناء، علما بأن هناك كتبا تخص التعليم الخصوصي تصل أسعارها إلى ما بين 150 و300 درهم (10.5 و30 دولارا) للكتاب الواحد. وقالت خديجة، وهي أم لطفلين، لـ”العرب”، “هذا السوق ملائم لنا كفئة اكتوت من غلاء الأسعار في كل شيء، وقد أحضرت كتبا مدرسية للسنة الماضية كي أستبدلها بكتب جديدة وأدفع فارق السعر، لأن صاحب المكتبة يسترزق من هذا العمل هو أيضا”. وأكد عبدالعالي، صاحب كشك لبيع الكتب المدرسية المستعملة بفاس، أن العرض والطلب يتفاوتان حسب نوعية الكتاب وصلاحيته والمستوى الدراسي، لهذا يكون هامش الربح جيدا، وهي فرصة للزبون الذي لا يستطيع اقتناء الكتاب الجديد الذي يكون سعره عادة مرتفعا، خصوصا كتب المدارس الخصوصية، مضيفا لـ”العرب” أن المقررات الدراسية المستوردة من الخارج الخاصة بالتعليم الخصوصي، تعرف ارتفاعا في الأسعار، بالمقارنة مع المقررات الدراسية الوطنية.
مشاركة :