وليد فكري ينقب في التاريخ الاسلامي بعقل موضوعي

  • 9/16/2022
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

كاتب وباحث في التاريخ، يتجرد للحقيقة حين يكتب وحين يقدم؛ لأنه يعتمد دائما على المصادر في كل ما يَكتب أو يقول، أثار كتابه "الجريمة العثمانية" حفيظة الحالمين بعودة الخلافة، ذلك لأنه وصف تلك الفترة بالاحتلال، وليس الفتح العثماني كما كان يتم تدريسه ببعض الكتب المدرسية، بل وعدد في كتابه الكثير من الجرائم والمذابح التي ارتكبها العثمانيين في مصر أثناء هذا الاحتلال، هو لا يخشى النقد، ولكنه يشترط أن يكون هذا النقد موضوعيا، وأن يكون بأسلوب مهذب، فالاختلاف في الرأي يفترض في رأيه ألا يفسد للود قضية، ولا يثير ضغينة، ولا يدفع إلى التقليل من المخالف. بدأت حواري معه كمقدم برامج تاريخية، حيث كانت له تجربتان، أحدهما تاريخ حاضر على سكاي نيوز عربية، وقعدة تاريخ على فضائية CBC. وعن الفرق بين التجربتين أشار فكري إلى أن "تاريخ حاضر" كانت تجربة رمضانية خفيفة، مدة الحلقة 8 دقائق وكان يذاع على سكاي نيوز عربية، وكانت له كذلك تجربة في الكتابة معهم بعد البرنامج، وأكد أنها كانت تجربة استفاد منها كثيرا،  إلا أنه يرى أن بداية احتراف العمل التليفزيوني له كانت مع "قعدة تاريخ" من إنتاج شركة  +DS    والذي يذاع على قناة CBC. حيث بدأ البرنامج أولا بمرحلة الديجيتال من خلال نشر حلقاته على القناة الخاصة بالبرنامج على يوتيوب، ومن خلال صفحة البرنامج على فيس بوك، وكان هو من يقوم بكتابة وإعداد البرنامج واختيار الأفكار، ثم جاءت بعد ذلك مرحلة التليفزيون من خلال التعاون مع قناة سي بي سي، ويؤكد وليد أن هذه المرحلة بالطبع شهدت انتشارا أكبر وقاعدة جماهيرية أوسع، ولكنها في نفس الوقت مسؤولية أكبر؛ لأنه هناك فرق بين جمهور السوشيال ميديا وجمهور التليفزيون، فالأول يأتي لك، من خلال تواجده على منصات السوشيال ميديا المختلفة، وربما شاهد فيديو بالصدفة فأعجبه ومن ثم تابع هذا المحتوى، بخلاف الثاني، فجمهور التليفزيون نطاقه أوسع  سواء على المستوى الجغرافي أو الشرائح العمرية أو الثقافات المختلفة التي ينتمي لها المشاهد، لذا يجب أن يكون المحتوى مناسب ويراعي كل تلك العوامل من حيث اللغة، وطريقة تقديم المحتوى بشكل جاذب، خاصة مع توافر عناصر الإبهار في المحتوى التليفزيوني الذي يجعل المنافسة كبيرة، وبالتالي فجذب هذا المشاهد هو تحدٍ كبيرٍ في حد ذاته. وعن كونه على المستوى الشخصي يميل للفكر الليبرالي والمنهج الصوفي، إلا أنه حين يكتب عن التاريخ الإسلامي قد يظن البعض أن كونه ليبراليا، لن يكون منصفا لهذا التاريخ وقد يتحامل عليه، إلا أن فكري يؤكد أنه ليبرالي الفكر، يحترم التاريخ وقراءته الصحيحة. وهو يؤكد أنه حين يكتب أو يتحدث في التاريخ فإنه يقوم بكل صرامة بتحييد أفكاره وانتماءاته الشخصية حفاظا على الموضوعية العلمية، ويتعامل مع التاريخ الإسلامي بمنتهى الموضوعية، دون تحامل على هذا التاريخ ودون مجاملة، الأمر الذي لا يستطيع بعض قرائه ومتابعيه التمييز بينهما، وهنا أشار فكري إلى أن كونه ليبرالي فهذا أمر خاص به يجب ألا يؤثر على قراءته للتاريخ، فالانتماءات الفكرية والدينية وحتى الكروية كلها أمور شخصية، لذا فلابد من التمييز بين معتقدات الفرد الشخصية وتوجهاته عند قراءته للتاريخ، ويؤكد أن هدفه من تناوله التاريخ الإسلامي ليس رد الشبهات بل تناول الأحداث بموضوعية علمية.. فليس من مهمة التاريخ أن يجامل أو يرضي أحد، كما أكد فكري على نقطة أخرى في غاية الأهمية وهي ضرورة تغيير الصورة النمطية عند الناس، فالتاريخ يجب ألا يكتب بتطرف على أي من الجانبين، سواء القراءة الملائكية وقراءة تحصين الشخصيات، أو القراءة التي تُشَيطن التاريخ، لذا فإن دوره هنا هو أن يقدم التاريخ كما هو، وليست مهمته أن يرد الشبهات عن الإسلام، إذن فالمطلوب قراءة موضوعية، وليس قراءة محايدة، فكيف يكون الحياد إذا تبنى رأيا؟ وهناك من يتصور أن هذا الكلام الموضوعي والمحايد فيه تحامل على بعض الفترات التاريخية، ويعتقد خطأ أن الهدف هو تشويه التاريخ الإسلامي، ولكن على العكس من ذلك، فإن من شوه التاريخ الإسلامي هي الجماعات التكفيرية، وتيارات الإسلام السياسي، وحقيقة الأمر أن التاريخ الإسلامي هو جزء من المكون المصري، والذي يشمل التاريخ القبطي، والتاريخ الإفريقي، والتاريخ البحر متوسطي، إلى آخره. وإذا تحدثنا عن الفرق بين مهارات الكتابة، ومهارات التقديم التليفزيوني وأيهما أصعب بالنسبة له ويحتاج جهدا أكبر، بمعنى آخر هل الاندماج مع المراجع والورق أسهل أم مواجهة الجمهور وما يتطلبه من مهارات إضافية، يشير فكري إلى أنه لا يعرف أيهما أصعب ولكنه يعرف أن كل منهما يتطلب مهارات مختلفة، فأحيانا يشعر أن الكتابة أصعب، ويتوقف ذلك على الموضوع الذي يتناوله بالبحث، فعلى سبيل المثال بعض فصول كتبه تحولت إلى حلقات بالفعل، بعضها كان يشعر بسهولة كتابتها عند تقديمها على الشاشة والعكس صحيح. استطرد فكري حديثه مشيرا  إلى أن هذا لا يعني أنه لا يجب عليه مراعاة بعض الأمور بالفعل، فقارئ الكتاب، هو من يختار شراؤه، وبالتالي يكون لديه استعداد لبعض التفاصيل التي قد لا تتناسب مع جمهور التليفزيون، علاوة على بعض التفاصيل التي يصعب تقديمها على الشاشة، فعلى سبيل المثال، موضوع مثل مذبحة القلعة، هناك تفاصيل قد لا تناسب كل الجمهور، لذا أحيانا يكون هناك تنويه، أن الحلقة غير مناسبة للأطفال أو من يتحسسون من الكلام العنيف، إذن فكل وسيط من الوسيطين يجب مراعاة ما يلائمه. يضيف فكري أنه قد تربى في بيت متدين التدين الوسطي، الذي كان فيه احتراما للآخر مهما كان اختلافه، إلا أنه يفاجأ حين ينتقد سلوك شخص، خاصة لو كان يتصدر للدعوة لله، أنه يتم مهاجمته وكأنه تعرض للشخص ذاته، كما عبر عن تفهمه لمن يرد على المضايقات والأذى، ولكنه يعلق فقط على أسلوب الرد، فحين يقدم الشخص نفسه على أنه قدوة فيجب أن يلتزم بصفات القدوة والتي من ضمنها حسن الرد على المخالف بما يناسب الموقف ويناسب مكانة الشخص والصورة التي يجب أن يكون عليها. وعبر عن محبته للمشايخ الكبار في الماضي الذين حين يشاهد فيديوهاتهم القديمة، يشعر بالوقار والهيبة، أمثال الشيخ عبد الله شحاتة، الشيخ محمد الراوي، الشيخ عطية صقر، الشيخ محمد المسير، الشيخ سيد طنطاوي والشيخ إبراهيم جلهوم، وغيرهم، فالشيخ الذي يقف ليعظ أو يدعوا فهو يقف نفس موقف الرسول، وعلى من يأخذ موقف الداعية أن يفعل ما كان يفعله الرسول، خاصة حين يتعامل مع المرأة التي وصى الرسول الكريم بها خيرا، ويرى أن تشبيههن بالعربة المكشوفة فيه امتهان لهن ولمكانتهن. كما يجب أن يبتعد الشيوخ عن فكرة  "الألتراس" لأنه هناك فرق بين المتابعين والأتباع، لأنهم في النهاية بشر، ولا بشر فوق النقد، بل كل البشر ينطبق عليهم قول الإمام مالك "كل يؤخذ منه ويرد إلا صاحب هذا القبر، والمقصود بالطبع بصاحب القبر هو النبي الكريم،  لذا فمن العجيب أن يصف شخصا نفسه أنه رمز للدين؛ لأنه إذا سقط في أعين الناس سقط معه الدين!  وأشار وليد إلى أن الرومان، بعد انتصار أحد قادتهم في الحرب، فإنه يركب العجلة الحربية، ويضعوا على رأسه الإكليل، ويسير وسط هتاف الناس، وكلما علا صوت الهتاف، همس في أذنه العبد الذي يقف وراءه، تذكر أنك إنسان، فيا ليت لكل مشهور ومؤثر مثل هذا الشخص في زماننا الآن. ولأن تبرير الجريمة يفترض أن يكون جريمة، ولأنه زاد بشكل غير مفهوم مؤخرا، سألته عن تبرير الجرائم في التاريخ، فأشار إلى أن تبرير الجريمة قديم، منشأه في العصر الحديث يرجع إلى  1928، وقد شاهدنا من يبررون الجرائم الإرهابية، ويتعاطفون مع من يفجر نفسه في مكان سياحي، أو في أناس كل ذنبهم، أنهم يحرسون بلدهم. وفي عام 2012 شاهدنا على بعض القنوات المتشددة، شيوخا يبررون الشتائم بالأعراض، وهناك فيديوهات لذلك. أما تبرير الجريمة قديما، فالأمثلة عليه كثيرة، يذكر على سبيل المثال منها، الخوارج عندما قتلوا الإمام علي، ثم برروا قتله، وأقدم من ذلك، فمنذ بدأ الخليقة، عصى إبليس ربه، وبرر معصيته، وهكذا دأب كل من يرتكب جريمة، يبحث لها دائما عن مبرر، ولعلم النفس تفسير لذلك، أعرفه لأني خريج حقوق ودرست علم الإجرام،  وهو أن الشخص العاجز عن مقاومة المجرم لكي يخفي شعوره بذلك، يخلق نقطه دفاع للتبرير له، وأبسط مثال علي ذلك، إذا نظرنا إلى أي واقعة تحرش، سنجد سيدات تقوم بالدفاع عن المتحرش، وهذا ما يطلق عليه علماء النفس الحيل الدفاعية. أما فيما يتعلق بالمراجعة التاريخية للأعمال الدرامية، فأشار فكري إلى أنه ليست لديه تجارب في المراجعة التاريخية حتى الآن،  ولكن لوأتت له فرصة لذلك فسوف يرحب بالتأكيد، ولكن بضوابط أهمها،  الجهة المنتجة للعمل، فيجب أن تكون جهة وطنية، ويجب أن يخدم العمل قضايا البلد، وليس بالضرورة أن يقتصر دوره حينها على المراجعة التاريخية ولكنه أبدى استعداده للقيام بكل أشكال التعاون. وكان هناك مسلسل تاريخي قد تعرض لهجوم كبير بسبب أخطاء تاريخية فادحة، فيرى فكري، أن الشركة المنتجة للمسلسل كان لديها الشجاعة الكافية لوقف المسلسل وعدم عرضه، وهذا يعني أنه هناك اهتماما بالنقد البناء والموضوعي واهتمام بتاريخنا كبير، وهذا شيء يحترم للشركة المنتجة. وفي إشارة إلى الأسلوب الذي يكتب به كتبه التاريخية، يوضح وليد أنه يستخدم أسلوبا بين القصصي والمقالي، وهذا الأسلوب ليس حديثا، ولكن سبقه له كتاب كبار أمثال، عبد الحميد جوده السحار، جمال بدوي، جمال الغيطاني، هذا بالنسبة للكتاب المصريين، أما خارج مصر، فهناك كتاب سبقوه لذلك أيضًا مثل المستشرقة الألمانية زيجريدهونكه، والكاتب الفرنسي من أصل مصري جيلبرتسينويه في كتابه الفرعون الأخير محمد علي، وهناك كتب اختار لها الأسلوب المقالي؛ لأنه كان أنسب لها، مثل، أرباب الشر والجريمة العثمانية. وصرح لي وليد أنه بصدد الانتهاء من روايته الأولى، وعن تجربته في كتابة الرواية، أشار فكري إلى أن فكرتها جديدة، فلا يمكن القول بأنها تاريخية، ولا يمكن القول بأنها معاصرة، كما يوجد بها أكثر من خط زمني، والعنصر التاريخي يمثل العمود الفقري للرواية، وأشار إلى أنه يأخذ رأي أصدقائه فيها، وهم دائما ما يحثونه على سرعة إنجازها، وعن سبب تأخر الانتهاء منها، حيث يعمل عليها منذ أكثر من 5 سنوات، أشار إلى أنه أعاد كتابتها أكثر من مرة،ورغم أن فترة العمل على الرواية قد يبدو وقتا طويلا، إلا أنه حين سأل الروائي د.أسامة عبد الرؤوف الشاذلي، أخبره أن روايته استغرقت منه 7 سنوات، وهذا أشعره أنه لم يتأخر، ويأمل أن يتم طرح الرواية قريبا. وأكد فكري على أن الثقافة الشعبية تضع تغييرا علي الحدث الحقيقي أوالكلام الحقيقي، مثال المقولة المشهورة لسعد زغلول "ما فيش فايدة"، يتم استخدامها كإسقاط على حال المجتمع، أما السياق الحقيقي للجملة، فإن سعد باشا زغلول قالها لزوجته السيدة صفية وهو في مرضه الأخير، وهذا الاستخدام في الثقافة الشعبية لا يعتبر تزويرا للتاريخ، ولكنه قراءة للوجدان الجمعي. وفي ختام الحوار أبديت إعجابي بالإهداء المكتوب في "أساطير مقدسة" وهو: (إلي من قيل له لا تكثر من التفكير والبحث، حتي لا تضل، فعصي، وقد عرف دائما أن خير حمد لله علي نعمة العقل، هو استخدامه) كأنه يقول: هذا هو منهجي في البحث، فحكى لي أنه منذ طفولته كان يقوم بفتح الألعاب؛ لكي يعلم كيفية تشغيلها، كما كان كثير السؤال ويريد أن يعرف عن كل شيء، فكان دائما ما يسأل لماذا؟ وكيف؟ وأشار إلى أن الله لم يخلق شيئا ليس له استخداما، فقد خلق العقل لنستعمله، أما المتشدد فهو لا يريدك أن تستعمله. فمن التربية الخاطئة أن تقول الأم أو أيا كان المربي لطفل "لماذا تسأل كثيرا" ؟ وقد قال الرسول الكريم "العلم خزائن.. مفاتيحها السؤال". فتشغيل العقل، يقوم بتحريك حركة التاريخ، فالإنسان الذي عاش قديما، قرر عدم العيش على الجمع والالتقاط، وقرر يرعى الكائنات والحيوانات، ثم قرر الاستقرار والزراعة، وكذلك الذي نظر إلى البحر واكتشف أن الشجر يطفو، كيف كان لهذا الإنسان أن يفعل ويكتشف كل ذلك لولا استخدامه الصحيح للعقل. وعن الموسم الجديد من قعدة تاريخ، أكد فكري أن البرنامج سيظهر في تغيير كامل وثوب جديد.

مشاركة :