خيم الصمت والحزن على عشرات الآلاف الذين احتشدوا في وسط لندن، اليوم، لمتابعة جنازة الملكة إليزابيث في كنيسة وستمنستر أبي وموكب النعش بعد ذلك عبر المدينة إلى المثوى الأخير. ووضع البعض ممن تابع الجنازة عبر الشاشات في متنزه هايد بارك أيديهم على أعينهم، بينما بكى البعض الآخر أثناء الجنازة، ورفع الآباء أطفالهم عالياً أو وضعوهم على أكتافهم لرؤية النعش خلال مرور الموكب. واصطف مئات الألوف من المشيعين على الطريق الذي سلكه النعش من لندن، حيث ألقوا عليه الزهور وهتفوا وصفقوا أثناء مرورها من المدينة إلى الريف الإنجليزي الذي أحبته كثيراً. واحتشد الآلاف غيرهم في العاصمة لمشاهدة الموكب والجنازة، في تكريم مناسب لأطول ملكات بريطانيا جلوساً على العرش، كما انطلقت الهتافات بين الحشود خلال الجنازة الرسمية المهيبة للملكة التي توفيت في الثامن من سبتمبر عن عمر 96 عاماً، بعد أن ظلت على العرش 70 عاماً، واستحوذت الموسيقى المصاحبة للجنازة على مشاعر الكثيرين الذين لم يعرف معظمهم ملكة أخرى للبلاد خلال حياتهم. وقالت آن ألبريت، البالغة 35 عاماً لـ«الاتحاد»: «أنا هنا اليوم لأمرين؛ أولهما تكريم ذكرى الملكة، كسيدة لا يُعرف الكثير عن هذا الجانب من حياتها، وكملكة عاصرت تغيرات هائلة خلال القرن العشرين، وشهدت تحولاً ضخماً للبلاد من إمبراطورية إلى رأسٍ للكومنولث». وأضافت: لقد خدمت الملكة الراحلة في صفوف الجيش خلال الحرب العالمية الثانية، كما كانت بمثابة سفيرة عظيمة للعالم، لذا من الرائع أن أكون هنا لتكريم ذكراها، كما أننا نشهد يوماً تاريخياً، لم يرَ كثيرٌ منّا مثيلاً له على مدار حياتنا، ولذلك فإنه لمن المهم أن أكون في لندن، لأشعر بروح التضامن السائدة هنا أيضاً. من جانبه، قال الستيني، روجر أندرو: «تغمرني أحاسيس جياشة في هذا اليوم المفعم بالمشاعر»، مضيفاً لـ«الاتحاد»: «أعتقد أن وجودنا هنا هو أمر يتوجب علينا فعله، لإبداء الاحترام لملكة، لم تفعل لنا سوى كل ما هو خير». وأما الشاب أرون جيل، فقال: «أعتقد أن لدي اليوم الشرف لأن أكون في وداع الملكة إليزابيث الثانية، التي تربعت على العرش لسبعين عاماً، فأنا جندي سابق في الجيش، وتعهدت بالولاء للملكة الراحلة، وهو قسم لا ينتهي أثره، ولذا فمن الرائع أن نحتشد جميعاً، لكي نُبرز ما الذي كانت تعنيه بالنسبة لوطننا». وقالت كاميلا مور، البالغة 53 عاماً، من نوتنجهام: «من الصعب التعبير بالكلمات عما شاهدناه للتو، وكان حقاً مميزاً ولا ينسى، وقد كان محزناً للغاية.. حزن كبير جداً جداً.. إنها نهاية حقبة». وتابعت الحشود مراسم الجنازة على شاشات التلفزيون الكبيرة أو من البث الإذاعي عبر مكبرات الصوت. ولم يتمكن كولين ساندرز، البالغ 61 عاماً، وهو جندي متقاعد جاء إلى لندن من شمال يوركشير لتوديع الملكة، من كبح دموعه خلال الاستماع لمراسم الجنازة. وقال: «شعرت أننا هناك ونشارك.. كان هذا مؤثراً جداً، فهي مثل الجدة، شخص يقدم الحب والاهتمام، وقالت إنها ستخدم البلاد، وقد أوفت». وتوافدت الحشود من صغار وكبار السن من أنحاء بريطانيا وخارجها، وخيم الآلاف الليلة الماضية في لندن للحصول على أفضل المواقع لمشاهدة أول جنازة رسمية في البلاد منذ عام 1965 عندما أُقيمت جنازة رسمية لونستون تشرشل. وتسلق البعض أعمدة الإنارة، ووقفوا على الحواجز لإلقاء نظرة على الجنازة الملكية. وسافرت كلوي جيسون، البالغة 59 عاماً، جنوباً من مانشستر، وقالت إنها وجدت الجنازة مثيرة للمشاعر. وأضافت: «أفضل شيء هو قدوم أشخاص من جميع الأطياف، من كل عرق ودين إلى هنا للمشاركة». وقبل أكثر من ساعة من بدء مراسم الجنازة، أُعلن عن امتلاء جميع المناطق التي تتسنى منها مشاهدة الموكب في وسط لندن. وقالت السلطات، إنها تتوقع أن عدد من توافدوا إلى العاصمة لمتابعة الجنازة بلغ مليون شخص. وخيمت المعلمة ميلاني أودي، البالغة 60 عاماً، الليلة الماضية، أمام الحواجز المنصوبة على امتداد المركز التجاري خارج قصر بكنجهام مع ابنتيها وأحفادها، بعد أن وصلت للمكان بعد ظهر أمس. وقالت: «أن تكون جزءاً من التاريخ فرصة تأتي مرة واحدة في العمر». وبينما كان الناس يتجهون صوب طريق الموكب، كان البعض صامتاً وحزيناً ويرتدي ملابس سوداء.
مشاركة :